تغيير مهام الإدارة المدنية وتقليص دور المحاكم..هكذا تسعى الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ خطة ضم في الضفة

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/07 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/07 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
خطة ضم في الضفة الغربية

تتصاعد التحذيرات والمخاوف من اتفاق الائتلاف الحكومي الذي عقده رئيس الوزراء المكلف، بنيامين نتنياهو، مع زعيم الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، للدخول في شراكة حكومية، لما لهذا الاتفاق من تداعيات مباشرة يسعى من خلالها لتكريس واقع جديد في الضفة الغربية، سيكون عنوانه ضم زاحف ومتصاعد للمستوطنات، ومزيد من عمليات التهجير للفلسطينيين.

وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، الاتفاق الأخير بين حزبي الليكود والصهيونية الدينية، بأنه أكبر تغيير دراماتيكي للحالة السائدة في الضفة الغربية منذ احتلالها عام 1967، حيث تضمن الاتفاق تقزيم وتقليص دور الجيش في إدارة الحالة المدنية المستوطنين، ونقلها للوزارات الحكومية، على اعتبار أنها أراضٍ خاضعة للسيادة الإسرائيلية.

وفقاً للصحيفة، فإن تعيين مسؤولي الإدارة المدنية الإسرائيلية ووحداتها المختلفة بما فيها وحدة المنسق، ستكون بيد مسؤول من حزب سموتريتش برتبة وزير داخل وزارة الدفاع، وسيكون هذا الوزير مسؤولاً عن جميع الأنشطة الخاصة بإدارة الحالة المدنية للفلسطينيين، بما فيها منح تراخيص البناء والمصادقة على قرارات الإخلاء والهدم داخل المناطق "ج"، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية.

القصة الكاملة للإدارة المدنية الإسرائيلية

عقب الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967، أحكم الجيش الإسرائيلي قبضته الأمنية على الأراضي الفلسطينية، ففرض عليها سلطة ما يُعرف بالحاكم العسكري أو قانون الطوارئ، وظل هذا الوضع سائداً كنهجٍ سياسي سار عليه حزب العمل (اليساري) أثناء قيادته لحكومات إسرائيل المتعاقبة منذ جيل التأسيس.

عقب انتخابات عام 1977، فاز اليمين الإسرائيلي في انتخابات الكنيست، وشكل آنذاك مناحيم بيغن أول حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل، وأخذ اليمين على عاتقه تغليف مسمى الحكم العسكري، ووسمه بطابع سياسي مدني أكثر منه احتلالي.

ترجمت هذه السياسة اليمينية آنذاك بقرار عسكري حمل رقم 947 أصدره وزير الدفاع، أرئيل شارون، عام 1981، تضمن الإعلان عن إنشاء إدارة تابعة لوحدة التنسيق في وزارة الدفاع، يدير شؤونها ضباط وجنود إسرائيليين، وتكون تحت إشراف القيادة العسكرية للواء المنطقة الوسطى التابع للجيش.

مهام هذه الإدارة تطبيق السياسات الأمنية والمدنية في الأراضي المحتلة، لتشمل كل مناحي الحياة، كمنح تراخيص البناء، وتنفيذ مشاريع البنى التحتية، بما فيها بناء المدارس والمستشفيات وتقديم الخدمات المختلفة كالمياه والكهرباء وغيرها.

خطة ضم في الضفة الغربية

لاحقاً توسعت إسرائيل في هذه السياسات، فأنشأت ما يُعرف بوحدة المنسق كإحدى الدوائر التابعة للإدارة المدنية، وبات المنسق مسؤولاً عن تنظيم الأحوال المدنية للفلسطينيين، كقرارات السفر وتصاريح العمال والعلاج في الخارج وغيرها. 

ومنسق الحكومة هو ضابط في الجيش برتبة عقيد، أما رئيس الإدارة المدنية هو ضابط برتبة عميد يجري تعيينهما عن طريق رئيس الأركان ووزير الحرب (ترشيح رئيس الأركان ومصادقة وزير الحرب).

عملت الإدارة المدنية كإحدى أدوات الاحتلال الناعمة للسيطرة على الأرض، فباتت مسؤولة عن جميع أنشطة البناء وتطوير المناطق الخاضعة لسيطرتها، حتى تلك المتعلقة بالمستوطنين، فهي من ترسم سياسات الاستيطان وتحدد مساراته وتقدم لجمعيات الاستيطان كل أشكال الدعم، سواء بمصادرة الأراضي وتراخيص الهدم في المناطق الفلسطينية.

كيف سيؤثر الاتفاق على الفلسطينيين؟

على اعتبار أن الإدارة المدنية الإسرائيلية هي الأداة التنفيذية لدولة الاحتلال في الضفة الغربية، فإن تقليص دورها ونقل مهامها من وزير الجيش إلى الوزير المرتقب من الصهيونية الدينية سيمنحها صلاحيات واسعة في مجال إقرار خطط البناء للمستوطنات والتهجير للفلسطينيين.

وقد جاء في بنود اتفاق الائتلاف بين حزبي الليكود والصهيونية الدينية بأن رد المحكمة العليا حول قرارات البناء والتهجير والاستيطان يجب أن تخضع لمصادقة الوزير الجديد في وزارة الحرب، وبالتالي سيفقد الفلسطينيون أهم أداة بالنسبة لهم في مواجهة مشروع الاستيطان، وهو اللجوء للقضاء لإبطال مشاريع الهدم والتهجير.

منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، استطاع الفلسطينيون انتزاع عشرات القرارات من المحاكم الإسرائيلية لإبطال قرارات الهدم والتهجير، كان آخرها إفشال مشروع إقامة مستوطنة أفيتار في جبل صبيح في نابلس وتهجير حي الخان الأحمر والشيخ الجراح في القدس وإخلاء حومش في جنين ومسافر يطا في الخليل وغيرها.

ويستعين الفلسطينيون بمحامين دوليين وأمميين، ومن منظمات يسارية إسرائيلية، لوضع حد لسياسات الاستيطان التي يقودها اليمين في الضفة الغربية عبر تقديم استئناف أمام المحاكم الإسرائيلية لإبطال قرارات إقامة المستوطنات أو تأجيلها، إلا أن تقليص دور القضاء في عهد سموتريتش سيضع الفلسطينيين تحت فك الكماشة الإسرائيلية التي لن تتوقف عن إصدار قرارات الهدم والإخلاء بذرائع واهية، سواء بحجة البناء غير المرخص أو لإقامة مناطق لتدريب قوات الجيش.

تفتيت الجغرافيا الفلسطينية

سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدراسات السياسية، قال لـ"عربي بوست" إنه حتى تتم قراءة تأثير وجود سموتريتش في حكومة نتنياهو القادمة علينا أن ندرك أن "منطلقات الصهيونية الدينية تقوم على أساس تفتيت الخريطة الجغرافية والديموغرافية للوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، وهذا يعني عزل المدن والبلدات عن بعضها البعض، والتعامل مع الوجود الفلسطيني هناك كأقلية تخضع للحكم العسكري الإسرائيلي".

مع منح المستوطنين حكماً مدنياً، على اعتبار أن المستوطنات المقامة هي أراضٍ خاضعة للسيادة الإسرائيلية.

وأضاف المتحدث "ما يجري وفقاً لرؤية سموتريتش هو إعادة نظام روابط القرى الذي كان سائداً طيلة السنوات التي سبقت اتفاق أوسلو، عبر تعيين حاكم عسكري للضفة الغربية بمسميات مختلفة، بالتوازي مع إضعاف دور السلطة الفلسطينية".

وتابع: الواقع الحالي في الضفة هو أن "هنالك نموذجين من الجغرافيا، الأول خاص بالمستوطنين يقع خلف جدار الفصل العنصري يضم طرقاً سريعة ومواقف حافلات تربط المستوطنات من أقصى شمال الضفة حتى جنوبها، والنموذج الثاني هو جغرافيا فلسطينية مقسمة عبر حواجز الجيشـ ومعزولة عن بعضها البعض، فبين كل مدينة أو قرية فلسطينية هنالك مستوطنة إسرائيل تقسمها إلى نصفين".

ماذا يريد سموتريتش؟

ينظر سموتريتش إلى الضفة الغربية على اعتبار أنها أراضٍ خاضعة للسيادة الإسرائيلية، بينما الوضع القائم من الناحية القانونية والسياسية يصنف الضفة على أنها أراضٍ محتلة، وهذا يعني أن المستوطنين هم خاضعون كالفلسطينيين للحكم العسكري.

يريد سموتريتش أن يكرس واقعاً جديداً يقوم على أساس تغيير مفهوم أعمال الحكومة في المناطق المحتلة بكل ما يتعلق بالجانب المدني الخاص بالمستوطنين، على أن يتم إخضاعها للقوانين والمراسيم الإسرائيلية دون الحاجة لوجود القانون العسكري السائد حالياً، وبالتالي نقل مهام الإدارة المدنية إلى الوزارات المختلفة، ما يعني تنفيذ ضم فعلي للمستوطنات إلى إسرائيل.

معاوية موسى، الباحث في الشؤون الإسرائيلية قال لـ"عربي بوست" إن "ما يسعى إليه نتنياهو هو منح ملف الضفة الغربية بيد حزب الصهيونية الدينية، فبن غفير سيتولى مسؤولية الأمن بعد أن بات قائداً لقوات حرس الحدود، أما سموتريتش فسيكون مسؤولاً عن سياسات الضم الخاصة بالمستوطنات، ومثل هذه السياسات قد تكون توجهاً إسرائيلياً رغم وجود أصوات من المعارضة".

وأضاف المتحدث "الموقف الأمريكي هو من سيحدد السياسات الإسرائيلية في تنفيذ ما يتطلع إليه نتنياهو وشركاؤه، وقد يكون الموقف المعلن من واشنطن هو معارضة هذه الخطوات، ولكن لا يمكن تجاهل وجود داعمين له في مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري". 

وقد حذّر وزير الدفاع بيني غانتس من خطوات سموتريتش قائلاً في جانب الأمن هنالك نية لتقييم قدرات وصلاحيات الإدارة المدنية، بين وزارتي الدفاع والمالية، هذا الواقع قد يجلب لنا ضغطاً دولياً شديداً، بشأن الضم الفعلي للضفة الغربية دون أن نستفيد من أي شيء لا في الأمن ولا في الميدان، مثل هذه الخطوات ستكرس ضعفاً إدارياً وأمنياً كبيراً. 

أما رئيس الأركان أفيف كوخافي فأدان بشدة توجهات سموتريتش قائلاً: "لا يوجد وضع يمكن أن يقرر فيه أحد الوزراء غير وزير الحرب أمر تعيين منسق العمليات الحكومية في الأراضي المحتلة، هذا الوضع سيخلق فوضى ستضر بمكانة إسرائيل الدولية، ويخلق نظامين قانونيين مختلفين في المناطق، واحد لليهود وآخر للفلسطينيين.

تحميل المزيد