قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، في تقرير نشرته الإثنين 5 ديسمبر/كانون الأول، إن الولايات المتحدة عدلت وبشكل سري، راجمات الصواريخ المتطورة التي يطلق عليها "هيمارس" والتي أعطتها إلى أوكرانيا؛ لتمنع كييف من إطلاق صواريخ بعيدة المدى إلى داخل روسيا، وذلك وفق مسؤولين أمريكيين، وهي خطوة احترازية تقول إدارة بايدن إنها ضرورية للحد من مخاطر اندلاع حرب أوسع مع موسكو.
كانت الولايات المتحدة قد أمدت القوات الأوكرانية منذ يونيو/حزيران 2022 بمنظومة الصواريخ المدفعية ذات القدرات الحركية العالية (هيمارس)، وبمخزونٍ كبيرٍ من الصواريخ الموجهة بالأقمار الصناعية بمدى يصل إلى 50 ميلاً. هذه الصواريخ، التي تعرف بمنظومة إطلاق الصواريخ المتعددة الموجهة (جملرز)، استُخدمت لشن هجمات ضد مستودعات الذخيرة الروسية ومراكز القيادة والإمدادات اللوجستية على الأراضي الأوكرانية.
موازنة الدعم الأمريكي لأوكرانيا
لكن راجمات "هيمارس" لديها سمة فريدة تستهدف منعها من أن تكون أنظمة أقوى على أرض المعركة. ويقول مسؤولو الولايات المتحدة إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عدَّلت الراجمات لكيلا تطلق صواريخ طويلة المدى، وضمن ذلك منظومة الصواريخ التكتيكية الأمريكية (أتاكمز)، التي يصل مداها إلى 200 ميل.
تُبين هذه التعديلات، التي لم يُكشف عنها من قبل، مدى مساعي إدارة بايدن لموازنة دعمها القوات الأوكرانية، في مواجهة خطر التصعيد مع موسكو. وتعكس كذلك المخاوف بين مسؤولي الإدارة من احتمالية أن ينكص شريكهم الأوكراني بوعوده التي قطعها بعدم شن هجمات ضد أراضٍ روسية باستخدام أسلحة أمريكية.
في السياق ذاته امتنعت الولايات المتحدة عن إمداد أوكرانيا بصواريخ أتاكمز طويلة المدى. لكن التعديلات تضمن عدم استطاعة أوكرانيا استخدام راجمات هيمارس التي أمدتها بها الولايات المتحدة في إطلاق صواريخ أتاكمز إذا تمكنت كييف من حيازتها من مصادر أخرى، مثل الدول الأجنبية التي اشترت هذه الصواريخ من الولايات المتحدة. وتضمن كذلك عدم استخدام هذه الراجمات لإطلاق أنواع أخرى من الصواريخ طويلة المدة، إذا نجحت كييف في امتلاكها أو إنتاجها، وذلك حسبما يقول المسؤولون.
في حين رفض البنتاغون التعليق على التعديلات، التي يقول مسؤولو الولايات المتحدة إنها أجريت على المعدات والبرامج، وقال المتحدث باسم البنتاغون العميد باتريك رايدر: "بسبب اعتبارات أمن العمليات، لا نعلق علناً على مكونات الأنظمة التي نقدمها إلى الحلفاء والشركاء. تبقى الولايات المتحدة ملتزمة بإمداد أوكرانيا بالقدرات التي تحتاجها لمواجهة الاعتداء الروسي".
كما رفض البيت الأبيض التعليق على الأمر، برغم أن مسؤولي إدارته منخرطون في القرارات الرئيسية المتعلقة بالأسلحة التي تُرسَل إلى أوكرانيا ورفض الجيش الأوكراني كذلك التعليق على الأمر.
مخاوف من شن هجمات داخل روسيا
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة رفضت إمداد أوكرانيا بالطائرات المسيرة غراي إيغل، وسط مخاوف البنتاغون من أنها قد تستخدم في شن هجمات ضد أهداف داخل روسيا.
كذلك تعثرت آمال أوكرانيا بحيازة طائرات غربية في المدى القريب بسبب رفض إدارة بايدن، برغم أن الولايات المتحدة لم تستبعد إمدادهم بها في السنوات القادمة بعد حل الصراع في أوكرانيا.
في سياق متصل فقد حذّر الروس واشنطن -سراً وعلناً- من إمداد أوكرانيا بالصواريخ طويلة المدى أرض-أرض، مثل صواريخ أتاكمز، التي يمكن أن تُطلَق من راجمات هيمارس، والتي يمكنها أن تصل إلى الأراضي الروسية.
حيث قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: "إذا قررت واشنطن إمداد كييف بصواريخ طويلة المدى، فسوف يكون تجاوزاً لخط أحمر، وسوف تصير طرفاً مباشراً في الصراع".
في المقابل قال الرئيس بايدن في مايو/أيار 2022، إن بلاده لن تمد أوكرانيا بـ"منظومات صاروخية تطلقها إلى داخل روسيا".
يأتي الطلب الروسي بعدم إمداد كييف بصواريخ أتاكمز بينما يتزايد الجدال بين المسؤولين الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة وأوروبا، حول ما إذا كانت إدارة بايدن حذرة بصورة مفرطة، في تقديم الدعم العسكري إلى أوكرانيا.
احتواء خطر توسع الصراع
لكن في الوقت نفسه يجادل الخبراء على أحد جانبي الجدال، مثل تشارلز كوبشان، المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي المعني بالشؤون الأوروبية في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بأن الولايات المتحدة يجب عليها أن تواصل تقييد نطاق ومدى تطور الأسلحة التي تمد أوكرانيا بها، من أجل احتواء خطر توسع الصراع مع روسيا.
حيث قال كوبشان: "يجب على الولايات المتحدة أن تتجنب تشجيع أو تيسير جهود أوكرانيا لطرد القوات الروسية كلياً من كامل أراضيها، وضمن ذلك شبه جزيرة القرم، وهو هدف حربي يمكن أن يحمل نسبة خطر مرتفعة للغاية يدفع [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين باتخاذ قرارات أكثر تهوراً، وضمن ذلك استخدام الأسلحة النووية".
أما الطرف الآخر من الجدال فيتضمن مسؤولين سابقين في التحالف. يقول هؤلاء إنه بحرمان أوكرانيا من الحصول على راجمات وصواريخ طويلة المدى، أعطى الغرب روسيا بالفعل مطلق الحرية لإطلاق صواريخ كروز وصواريخ باليستية إلى داخل أوكرانيا من شبه جزيرة القرم ومن أراضي أوكرانيا نفسها، ولشن هجمات بالطائرات المسيرة بدون الخوف من أن كييف سترد عليها.
استهداف البنية التحتية في أوكرانيا
في الوقت نفسه وفي حديثه مع صحيفة The Wall Street Journal، قال أندرس فوغ راسموسن، رئيس الوزراء الدنماركي السابق الذي شغل منصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بين عامي 2009 و2014: "منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، غيَّر بوتين استراتيجيته. فقد صعَّد وتيرة الحرب باستهداف البنية التحتية المدنية، وضمن ذلك شبكات الطاقة. يحتمل أننا نواجه الآن كارثة إنسانية في أوكرانيا، ولم نتكيف".
كذلك فقد أضاف: "إذا أردت إيقاف بوتين، فيجب عليك ردعه عن طريق إمداد أوكرانيا بصواريخ طويلة المدى، على سبيل المثال".