لم يعد على الساحة السياسية اللبنانية أهم من ملف اختيار الرئيس اللبناني القادم سواء داخلياً، أو على صعيد اهتمام الأطراف الدولية الفاعلة في لبنان. فما مستجدات تحركات الأطراف الدولية في ملف الرئاسة?
لقاءات دولية لاختيار الرئيس اللبناني
يشير مصدر دبلوماسي أوروبي لـ"عربي بوست"، إلى أن أجواء إيجابية نتجت عن محادثات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بانكوك، على هامش قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ، حيث تمّ التطرق إلى الملف اللبناني.
وبحسب المصدر فإنه عكس ما هو ظاهر فإن "الاهتمام الدولي-لإقليمي بالملف اللبناني عاد لينشط"، إذ إن الإدارة الفرنسية ستوفد مبعوثاً خاصاً لها إلى بيروت لإجراء اجتماعات سياسية مع مختلف القوى السياسية الرئيسية في البلاد وذلك قبيل اجتماع ماكرون المقبل مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وسط معطيات تفيد بأن لبنان سيكون بنداً رئيسياً في الاجتماع.
يشير المصدر ذاته إلى أن الملف اللبناني كان حاضراً على جدول أعمال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، لدولة قطر، خلال لقائه مع وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وأن اللقاء بين الجانبين تطرق إلى ضرورة العمل خلال مدة قصيرة، على إنتاج حل سياسي في لبنان يعالج الأزمة المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة.
المواصفات لا تنطبق على فرنجية..
وعليه فإن المواصفات التي تضعها الأطراف الفاعلة، الخارجية منها والداخلية، لا تنطبق على شخص رئيس تيار المردة "سليمان فرنجية" نهائياً؛ لكونه حليفاً لطرف سياسي وآخر إقليمي وتحديداً "نظام الأسد المعاقب دولياً".
ووفقاً للمصدر فإن هذا المناخ الإيجابي لم يقلل المخاوف بشأن توتر العلاقات الفرنسية الإيرانية بعد موقف باريس من الاحتجاجات الإيرانية، خاصةً أن فرنسا لا تزال تلعب دور الوسيط مع حزب الله بالنيابة عن الأمريكيين والسعوديين، لكن المصدر يشير الى أن الإيرانيين يفصلون بين الملفات الداخلية والملفات الإقليمية، خاصةً أن طهران تسعى لإعادة خلط الأوراق والعودة للتفاوض حول ملفها النووي.
فرنجية يتحرك سعودياً.. هل تلعب الإمارات دوراً؟
تشير المعلومات الواردة إلى أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ولكونه يعتبر نفسه مرشحاً طبيعياً للرئاسة يقوم بالتحرك على كل الصعد، ووفقاً لمصادر سياسية لبنانية تشير لـ"عربي بوست"، إلى أن فرنجية يسعى لتسويق نفسه.
لن يكتفي الرجل وفق المصادر بدعم الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) وباقي مكونات قوى 8 آذار وحلفاء سوريا والذين بالأرقام لا يمكنهم ايصاله إلى الرئاسة لا بالأرقام ولا بالتوافق الداخلي.
يعمل فرنجية على خط موازٍ لدعم موقفه من خلال بعض الوسطاء المحليين والغربيين للتدخل لدى السعودية ودول الخليج، وبحسب تلك المصادر فإن فرنجية ينتظر ما سيقوم به رجل الأعمال اللبناني المقرب من فرنسا "جلبير الشاغوري" الذي يجري اتصالات مع مسؤولين سعوديين تربطه علاقات واسعة بهم.
وينطلق من مجموعة مسارات، أهمها علاقات تاريخية جمعت العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مع جده رئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية ووالده طوني فرنجية، وهذه العلاقة كانت سبب تبنّي زعيم تيار المستقبل سعد الحريري لفرنجية في العام 2015 لرئاسة الجمهورية بعد ضوء أخضر سعودي حينها، قبل أن يستدير الحريري باتجاه ميشال عون.
كذا يعول فرنجية على دور إماراتي مرتقب عبر التقارب الدائر بين النظام السوري ودولة الإمارات، وإمكانية إقناع الأسد للإمارات بضرورة الإتيان بفرنجية للرئاسة؛ لكونه أقرب إلى الأسد من إيران وحزب الله وإمكانية تسويقه لدى الدوائر السعودية.
ويطرح فرنجية عبر الشاغوري أولاً وعبر النظام السوري ثانياً، "سلة متكاملة" تضمن الإتيان برئيس حكومة تختاره السعودية وفق ما يطلق عليها فرنجية "معادلة سليمان فرنجية-نواف سلام"، لكن لا تجاوب سعودياً حتى اللحظة مع أي مبادرة تطرح.
حزب الله المنزعج من باسيل.. يتواصل مع قائد الجيش
من جهة أخرى أثار كلام رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، في باريس والذي أعلن من خلاله رفضه دعم سليمان فرنجية، حفيظة حزب الله، إذ اعتبر الحزب أن باسيل قطع الطريق على فرنجية بشكل نهائي ومنع الحزب من القيام بأي مناورة داخلية تتيح انتخابه أو التوصل لـ"تسوية" مع باقي الأطراف السياسية.
لكن حزب الله يرفض التصريح للرد على باسيل واكتفى وفقاً لمصادر مقربة منه بإرسال موفد رفيع المستوى لباسيل، أبدى انزعاج الحزب وأمينه العام من كلام باسيل في باريس بحق فرنجية ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
لكن وفقاً للمقربين من الحزب فإن الحزب سيستمر في اعتماد سياسة "الصبر على الحليف"، لأنّ من شأن أي تصعيد داخل بيئة الحلف الواحد أن ينعكس سلباً على مساعي "جمع الكلمة" في مقاربة الاستحقاق الرئاسي.
وبعد انقطاعٍ دامَ فترة كبيرة عن التواصل، كان لافتاً تسريب خبر لقاء جمع قائد الجيش العماد جوزيف عون مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا.
هذا التسريب أتى على لسان حليف الحزب الوزير السابق وئام وهاب الذي أشار بشكل صريح، إلى أن لقاء القائد-صفا كان سياسياً وليس عسكرياً، ما يرسل إشارة لباسيل وفرنجية المتخاصمَين بأن الحزب قادر على صياغة تسوية رئاسية لا تشملهما.
يؤكد المصدر الدبلوماسي الغربي أن الدول الفاعلة وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا وقطر ومصر، تفضل الذهاب لمرحلة "انتقالية" في إطار "تسوية مرحلية" وفي انتظار نضوج التسويات الكبرى المتعلقة بالملف النووي الإيراني والحرب الأوكرانية-الروسية، بشكل تتأمن معه استمرارية بقاء المؤسسات العامة وإعادة بناء الدولة للإمساك بزمام الأمور
وبحسب المصدر فإن المساعي جارية داخلياً وخارجياً لتوفير "دفتر شروط" مشترك يؤمّن الضمانات لكل الأطراف ومن ضمنها حزب الله وباقي الأطراف المسيحية، التي قد تشعر بانزعاج نتيجة خروجها من المعادلة الرئاسية.