لم تكن العلاقات الجزائرية الروسية يوماً أدفأ مما هي عليه اليوم، في وقت كان يقتضي أن تكون حذرة، أو على الأقل عدم المغامرة بتطويرها في ظل العزلة الدولية التي تعيشها موسكو جراء غزوها جارتها أوكرانيا.
وتزيد الجزائر بشكل غير مسبوق تقاربها مع موسكو في مختلف المجالات، لاسيما المجال العسكري.
ووفق وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، فإنه يجري التحضير على قدم وساق لزيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل نهاية السنة الجارية.
من جهته، كشف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال زيارته المفاجئة إلى الجزائر شهر مايو/أيار الماضي، أن البلدان سيُوقعان خلال لقاء الرئيسين على وثيقة استراتيجية جديدة، تكون أساس العلاقات المستقبلية بين البلدين.
ويرى المحلل السياسي، إلياس محمدي، في حديثه مع "عربي بوست" أن زيارة تبون إلى روسيا، إن تمت، ستكون الأهم له منذ توليه مقاليد السلطة أواخر 2019.
وفي السياق عينه، قالت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية إن "زيارة الزعيم الجزائري، في إشارة إلى عبد المجيد تبون، ستكون امتحاناً لصبر الغرب على الجزائر".
وتتعالى أصوات أمريكية لردع الجزائر وفرض عقوبات عليها لكبح تقاربها مع موسكو، حيث وقّع 27 نائباً بالكونغرس على عريضة طالبت وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها الوطيدة مع موسكو، وذلك استناداً إلى قانون "كاتسا" (CAATSA) الذي أقرّه مجلس الشيوخ الأمريكي في أغسطس/آب 2017.
ويشمل القانون 3 دول تعتبرها واشنطن "أعداء" وهي روسيا وإيران وكوريا الشمالية، إذ تُفرَض العقوبات عليها وعلى من يتعاون معها عسكرياً.
ماذا تريد الجزائر؟
لطالما عبّرت الجزائر عن عدم ثقتها في الغرب من خلال مواقفها الرافضة لتوجهاته الاستراتيجية، فقد عارضت احتلال العراق والتدخل العسكري في ليبيا ومالي والساحل، كما رفضت إدانة روسيا في حربها على أوكرانيا، ودعمت الصين على طول الخط في صراع تايوان.
ويعتقد المحلل السياسي إلياس محمدي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن الجزائر تقترب من روسيا بشكل مطّرد كلما شعرت بازدياد نفوذ الغرب في مجالها الحيوي.
ويضيف المتحدث لـ"عربي بوست" أن الجزائر تحاول استعادة نفوذها كقوة إقليمية باللعب على حبلي الغرب وروسيا، وذلك لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في ظل التوتر الحالي بسبب غزو أوكرانيا.
وأشارت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية إلى أن الجزائر من بين أكبر 3 مستوردين للسلاح الروسي في العالم، ولا يمكنها الاستغناء عن الأسلحة الروسية بسهولة، حتى وإن أرادت في ظل اشتعال حدودها الجنوبية والشرقية وخلافها الكبير مع جارها الغربي المغرب.
مخاطرة الجزائر
يرى المحلل السياسي، علي عثماني، أن الجزائر تجازف بتوطيد علاقاتها مع موسكو، خاصة أنها في مواجهة مباشرة مع الغرب.
وأضاف عثماني في تصريح لـ"عربي بوست" أن وضع الجزائر لجميع البيض في سلة روسيا ستكون عواقبه وخيمة على الجزائر في حال هزمت روسيا في حربها على أوكرانيا.
بالمقابل، يعتقد المتحدث أن الجزائر بإمكانها تحقيق مكاسب استراتيجية بالضغط على الغرب عبر تقاربها مع روسيا، خاصة أن أوروبا بأمسّ الحاجة إلى الطاقة الجزائرية بعد أن فقدت طاقة روسيا.
وينصح المحلل عينه صانع القرار الجزائري بتفادي الاصطفاف والبقاء بعيداً عن صراع الكبار الطاحنة، ضارباً مثالاً بأوكرانيا التي تدفع ثمن اصطفافها مع الغرب.
ورغم علاقات الجزائر المتميزة مع دول غربية مثل فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، فإن استفادة روسيا مالياً من خلال علاقاتها مع الجزائر قد يجعل الانقلاب عليها وارداً، خاصة إذا علمنا أن الجيش الجزائري أقرّ أضخم ميزانية عسكرية في تاريخه قدرت بـ23 مليار دولار، من المتوقع أن تستفيد موسكو منها بمليارات الدولارات من خلال صفقات التسليح.
العلاقات الجزائرية الروسية.. التوازن
يعتقد الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، وخبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، أنطون مارداسوف، أنه من التهور الحديث عن جنوح السياسة الخارجية الجزائرية نحو روسيا، فهناك محاولات جزائرية لإيجاد نقطة توازن.
وقد تجلى ذلك -حسب المتحدث- بوضوح من خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في أغسطس/آب الماضي، والتي عُقد خلالها اجتماع بين مديري المخابرات الفرنسية والجزائرية لأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
ويشير مارداسوف لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية إلى أن الجزائر تسعى لتنويع تسليحها من خلال تقاربها مع الصين والولايات المتحدة، لكنها لن تستغني عن الأسلحة الروسية سريعاً.
ويتوافق المحلل السياسي الجزائري، إلياس محمدي، مع نظيره الروسي، حيث يعتبر زيارات المسؤولين الغربيين القياسي للجزائر دليلاً واضحاً على توازن العلاقات الذي تسعى الجزائر للسير فيه قدماً من أجل استعادة دورها في المنطقة بعد عقود من الغياب.
روسيا بحاجة لحلفائها
في ظل العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على موسكو بعد اجتياحها أوكرانيا، باتت روسيا في أمسّ الحاجة إلى حلفائها، ومن بينهم الجزائر.
وزار شهر مايو/أيار الماضي وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الجزائر فجأة وأعلن من هناك زيارة تبون لبوتين.
كما أعلنت الجزائر وقتها أنها ليست بصدد لعب دور البديل لروسيا في مجال الغاز بعد أن قررت أوروبا الاستغناء عنه والبحث عن بديل.
وامتنعت الجزائر في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.
واعتبر المحلل السياسي، علي عثماني، مواقف الجزائر طبيعية بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين، مؤكداً أنه كلما طالت الحرب في أوكرانيا تعرضت العلاقة بين البلدين إلى اختبارات حقيقية.