بعد رفضها بيان الأمم المتحدة.. هل تستجيب مصر للضغوط الخارجية بإطلاق سراح علاء عبد الفتاح؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/11 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/11 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش

ضغوطات خارجية مارسها عدد من المنظمات الحقوقية على مصر لإطلاق سراح الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، في وقت رفضت فيه مصر بيان مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، معتبرة أنه حُوكم، ويقضي عقوبته بعد أن تمت إدانته.

إذ صرحت بعثة مصر لدى الأمم المتحدة في جنيف بأن "مضمون بيان المفوضية يقوض عن عمد استقلال القضاء وسيادة القانون كحجر زاوية لا غنى عنه لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها"، وأن وصف قرار قضائي بأنه "غير عادل" "إهانة غير مقبولة"، ما طرح تساؤلات حول تجاهل مصر للدعوات الحقوقية واستمرار حبسها للناشط السياسي، فهل تصرح مصر ضمنياً بأنها لن تُفرج عن عبد الفتاح؟

لا يتوقع مصدر سياسي مقرَّب من الحكومة المصرية الرضوخ للضغوطات العديدة في الوقت الحالي، مع زيادة وتيرة حرب البيانات المشتعلة بين الخارجية المصرية وهيئات قضائية موالية للحكومة من جانب، وجهات خارجية عديدة من بينها الأمم المتحدة.

 وإن ردة الفعل الشعبية التي جاءت مؤيدة لرفض الاستقواء بالخارج، يجعلها على يقين من أن عدم الإفراج عن عبد الفتاح لن يؤدي إلى أزمة داخلية، لكن في الوقت ذاته، فإنه حال تدهورت أوضاعه الصحية وأصبح هناك ضرر على حياته فإن دراسة وضعه الصحي ستكون في مرحلة أخرى.

ويشير إلى أن النظام المصري يعمل على إرسال إشارات للخارج بأنه ماضٍ في إحداث إصلاحات داخلية، بعيداً عن الضغوط الخارجية، وقد يستجيب لتوصيات داخلية بالإفراج عنه لتغيير الصورة النمطية عن الأنظمة السابقة، التي طالما استجابت لضغوطات غربية في مجال حقوق الإنسان، غير أن ذلك يشكل مجازفة في حال تم اتخاذ إجراءات عقابية ضد الدولة المصرية، وهو ما يُعد أمراً بعيد المنال حتى الآن.

عائلة عبد الفتاح تقول إنه خضع لإجراءات طبية

 أعلنت عائلة الناشط المصري البريطاني، علاء عبد الفتاح، والذي يُعد أحد أبرز سجناء الرأي في مصر، الخميس، أن سلطات السجن قامت بإخضاعه "لإجراءات طبية" وذلك بعد أن امتنع عن الطعام والشراب بشكل كامل منذ انطلاق قمة المناخ "كوب 27" الأحد الماضي.

 وإن كان هذا التدخل قد يساهم في إنقاذ حياته بعد أن رفضت السلطات المصرية إطلاق سراحه، لكن المواثيق الدولية تعتبر أن التدخل انتهاكاً، لأنه ليس برضاء السجين المُضرب عن الطعام.

وقالت ليلى سويف، والدة الناشط المحبوس منذ العام 2019، إنه تم إبلاغها من جانب وسطاء بـ"اتخاذ إجراءات طبية للحفاظ على صحته بعلم الجهات القانونية"، لكنها أشارت إلى أنها لم تتلقَّ إفادة رسمية من مسؤولي سجن وادي النطرون، الذي يقبع فيه عبد الفتاح، ولم تتمكن من زيارة ابنها التي كانت مقررة أمس الخميس.

ويؤكد مصدر مطلع لـ"عربي بوست" أن المقصود بالتدخل الطبي في تلك الحالة يتمثل في تركيب محاليل غذائية للسجين رغماً عن إرادته بأساليب مختلفة.

 وفي حال أصرَّ السجين على الرفض يتم تخديره لفترة وجيزة من الوقت وتركيب المحاليل اللازمة لوصول المكونات الغذائية إلى الجسم الذي يكون في الأغلب قد وصل إلى مرحلة الجفاف في الحالات التي يمتنع فيها المُضرب عن الطعام عن شرب المياه.

قانون السجون المصرية يسمح بالتدخل الطبي للمضربين

ويشير إلى أن قانون السجون المصرية تحتوي على مواد تمنح الحق لإدارتها لإفساح المجال أمام الأطباء الذين يعملون كضباط بوزارة الداخلية باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للحفاظ على صحة المسجون.

يتضمن القانون "الإطعام القسري" الذي يكون إما عن طريق الأكل المباشر أو المحاليل الطبية، وفي حال تدهورت حالته الصحية على نحو يشكل خطراً على إدارة السجن تقوم بنقله إلى أحد المستشفيات؛ ليكون تحت رعاية طبية أيضاً من أطباء السجن.

ويوضح أن الخطوة المقبلة في حالة علاء عبد الفتاح في حال تدهور حالته الصحية تتمثل في نقله إلى أحد المستشفيات، أو استقدام تجهيزات طبية إلى السجن، لكن من المتوقع أن تطول فترة الزيارة عنه مثلما الحال في كثير من الحالات التي دخلت في إضراب لفترات طويلة.

 وقد يكون ذلك إحدى أدوات الضغط عليه لإرغامه على التراجع عن إضرابه، لكن الأقرب إذا وجدت الحكومة أن حياته معرضة لخطر حقيقي، فإنها قد تُفرج عنه خشية زيادة الضغوطات والأزمات التي قد تتسبب لها في حال وفاته.

ويتابع المصدر قائلاً: "في الحالات الطبيعية إذا لم يستجب المسجون طبياً وتعرض للوفاة، فإن إدارة السجن تسجل الحالة على أنها "انتحار"، لكن بالنسبة لعلاء عبد الفتاح فسيكون الوضع مختلفا لأنه حاصل على جنسية أجنبية كما أن الحكومة ستكون مسؤوله أمام المجتمع الدولي الذي مارس ضغوطاً عليها طيلة الفترة الماضية للإفراج عنه، وسيكون من الصعب التعاطي مع التقارير الطبية الرسمية في تلك الحالات التي تشير إلى أن وفاة المسجون نتيجة "الانتحار".

يشير مصدر أمني بمصلحة السجون إلى أن قوانين وزارة الداخلية المصرية لا تنص عن إجراءات محددة للتعامل مع حالات الإضراب عن الطعام وتبقى كل حاجة وفقاً لطبيعتها، بحسب ما يلفت إليه المتحدث ذاته، كما أنه لا يوجد مسؤولية تذكر على السجن وإدارته، وفي حالة الوفاة فإن المسؤولية بأكملها يتحملها السجين المضرب عن الطعام.

تساؤلات حول أسباب منع محاميه وأسرته من زيارته

لم يتمكن محامي علاء، وهو الناشط الحقوقي البارز خالد علي، من زيارة موكله الخميس، بعد أن تلقى تصريحاً بالزيارة من النائب العام، ووجدت إدارة السجن أنها مؤرخة بتاريخ الأربعاء، وطالبته باستصدار آخر حديث؛ ليتمكن من الزيارة، وتعامل علي مع الموقف على أنه تعنت ضد المسجون المُضرب عن الطعام.

وقد قالت سناء سيف، شقيقة علاء عبد الفتاح، في لقاء مع قناة الحرة الخميس، "أنها تشعر أن شيئاً سيئاً ربما قد حدث لعلاء، وقد يكون هذا هو السبب في عدم استطاعة المحامي رؤيته، مطالبة السلطات المصرية بالسماح لهم بالزيارة".

وأمام حالة الغموض التي أحاطت بصحته، قالت النيابة المصرية، مساء الخميس، إنها تلقت شكوى من وكيلين له متضمنة طلب إيداعه بأحد المستشفيات لمتابعة حالته الصحية، لإضرابه عن الطعام والشراب وأنها كلفت قطاع الحماية المجتمعية بوزارة الداخلية – المعني بصحة السجناء – بتوقيع الكشف الطبي على علاء الذي رفض ذلك.

وشككت في صحة إضرابه عن الطعام والشراب، مشيرة إلى أن الكشف الطبي الموقّع عليه أظهر أن علامات الحيوية جميعها في حدودها الطبيعية، وأنه في صحة جيدة ولا يستدعي نقله إلى المركز الطبي، مع التوصية بالمتابعة الطبية الدورية له، وأفصحت عن سماحها بزيارة له في السابع من نوفمبر وذلك بعد يوم واحد من إعلان توقفه عن شرب المياه.

وبحسب محامي حقوقي فإن بيان النيابة العامة المصرية لم يتطرق إلى التدخل الطبي الذي أعلنت عنه أسرة علاء عبد الفتاح ما يشير لوجود حلقة مفقودة، ويمكن تقديم مزيد من التطمينات عبر السماح بزيارته للتأكد من أنه يمارس الحق في الإضراب الذي يُعد شكلاً من أشكال المقاومة السلمية وأحد حقوق حرية التعبير المكفولة، والتي نصت عليها المادة 65 من الدستور المصري.

المواثيق الدولية تحظر الإطعام القسري وتعتبره تعذيباً بحق السجين

ويشير المصدر ذاته إلى أن الأعراف والمواثيق الدولية تمنع بوضوح ممارسات الإطعام القسري، أو إرغام المسجونين على إنهاء إضرابهم أو الضغط عليهم في سبيل تحقيق ذلك، وتعتبر أن تلك الممارسات بمثابة أدوات غير مباشرة للتعذيب،

ويؤكد أن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنظمات الدولية الأخرى تعتبر الإضراب عن الطعام وسيلة للاحتجاج الحقوقي والسياسي، وأن التدخل لإنهائه يعد خرقاً لتلك المواثيق.

 لكن القانون المحلي المصري يسمح بالتدخل لإنقاذ السجين صحياً، وبالتالي فإن الحكومة ترى أنها اتخذت إجراءً قانونياً، لكنها تصطدم أيضاً برفض دولي واسع لمثل هذه الإجراءات.

يقرر إعلان مالطة الذي أصدرته الجمعية الطبية العالمية بشأن المضربين عن الطعام أنه: "حتى لو كانت بقصد الإفادة فإن التغذية المصحوبة بالتهديد أو الإكراه أو القوة أو استخدام القيود البدنية هي شكل من أشكال المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، وتوازيها في انعدام المقبولية ممارسة التغذية القسرية لبعض المحتجزين بهدف تخويف أو إكراه غيرهم من المضربين عن الطعام على وقف الإضراب".

وألقت قوات الأمن المصرية القبض على علاء عبد الفتاح في العام 2019، ويعد أحد أبرز الناشطين السياسيين الذين ظهروا في أعقاب ثورة يناير من العام 2012، وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات العام الماضي بتهمة نشر أخبار كاذبة لقيامه بإعادة نشر تغريدة على تويتر تشير إلى وفاة سجين في أحد السجون.

وقبل ذلك كان عبد الفتاح قد قضى عقوبة السجن 5 سنوات بين أعوام 2014 و2019، لإدانته بمخالفة قانون التظاهر قبل الإفراج عنه بمراقبة شرطية لـ5 سنوات أخرى، وتم إلقاء القبض عليه في المرة الأخيرة بعد عامين من إطلاق سراحه، وأثناء تنفيذ المتابعة الشرطية.

ضغوطات لإنهاء الإضراب

ويذهب حقوقي على صلة بقضية الناشط المصري، فإنه اتبع كل الإجراءات القانونية منذ بدء الإضراب الجزئي عن الطعام وأخطر مسؤولي السجن بذلك، والهدف من ذلك أن تتدخل إدارة السجن للتعرف على مطالبه والعمل على حلها. 

وهو أمر لا يحدث في الحالة المصرية على الأغلب، كما أن محاميه خالد علي أخطر النائب العام ببدء الإضراب عن الطعام والغرض منه، مشيراً إلى أن عبد الفتاح جرى عرضه على الإدارة الطبية للسجن مرات عديدة على مدار الأشهر الماضية للتأكد من استقرار حالته الصحية.

ويؤكد أن علاء عبد الفتاح كغيره من المضربين عن الطعام يعرض لضغوطات عديدة لإنهاء إضرابه قبل أن يتوقف عن شرب المياه والسوائل.

وتوقع أن تلجأ الحكومة للإفراج عنه في حال تدهورت حالته الصحية إلى حد كبير، وطالما ظلت مستقرة وتمكنت من دعمه بالمحاليل والطعام، فإن ذلك يقلل من فرص استجابتها للضغوطات التي تعرضت لها.

آثار الإضراب على الجسد.. 

وشرح مصدر طبي آثار الإضراب عن الطعام على الجسد، قائلاً: "إن الجسم في البداية يستهلك من مخزونه الأساسي، ويبدأ بالدهون، وقد تنتج عن ذلك أضرار بالنسبة لمرضى السكر، ثم يبدأ الجسم في حرق الجلوكوز الموجود أولاً في الدهون ثم من الأنسجة، وفي حال استمر الإضراب لفترات طويلة فإن الجسم يفقد نصف وزنه، ويتعرض المُضرب عن الطعام للجفاف، حينما يستمر لأكثر من يومين مضرباً عن الطعام والشراب.

ويضيف إلى أن المُضرب عن الطعام تحدث له هلاوس نتيجة تضرر الأنسجة الدماغية بعد 3 أسابيع، ويتعرض لتدمير في عضلات المخ بعد أكثر من شهر، وفي تلك الحالة يكون المُضرب قد وصل إلى حد استهلاك البروتين بعد استهلاك الدهون، وبعد شهر ونصف تتزايد احتمالات إصابة المُضرب عن العام بضرر دائم في الدماغ التي تتغذى على الجلوكوز الذي لم يعد موجوداً، ما يجعل إدارات السجون المصرية حريصة على إمداده بمحاليل الجلوكوز بشكل سريع ودائم.

في تلك الحالة قد تفرج الحكومة المصرية عن عبد الفتاح طبياً

ويشير طبيب يعمل في إحدى المنظمات الحقوقية المحلية إلى أن إدارة السجن تقرر، في حال تعرض المسجون لأي أخطار دماغية، الإفراج الصحي عنه، ويكون ذلك لأسباب سياسية على الأغلب، ويرتكن على المادة "36" من قانون السجون التي يتضمن الإفراج الطبي عن السجناء المدانين بعد عرضه على رئيس الإدارة الطبية المختصة بقطاع السجون، إضافة إلى طبيب شرعي، وإذا قرروا أن حالته الصحية تستلزم الإفراج فلا بد من الحصول على إذن المدير العام للسجون والنائب العام.

وتضاعفت الضغوطات للإفراج عن الناشط المصري خلال استضافة منتجع شرم الشيخ لقمة المناخ وتطرق عدد كبير من زعماء ورؤساء دول العالم لقضيته أثناء حضورهم القمة، ومن المتوقع أن يناقش الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يصل إلى مقر انعقاد القمة اليوم الجمعة لأوضاع حقوق الإنسان بوجه عام، وبينها قضية علاء عبد الفتاح.

طالب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الثلاثاء، بالإفراج عن الكاتب والناشط البريطاني المصري علاء عبد الفتاح، من سجن وادي النطرون، حيث يضرب عن الماء والطعام.

وقال وزير الخارجية سامح شكري، في تصريحات إعلامية رداً على تساؤل حول صحة عبد الفتاح: "إنه على ثقة من أن سلطات السجون ستقدم الرعاية الصحية اللازمة والمتاحة لجميع السجناء"، وعند سؤاله حول ما إذا كان ذلك يعني إطعامه قسرياً، قال "هناك إضرابات سابقة عن الطعام لم يكن من الممكن التحقق من صحتها"، مشيراً إلى أن الإضراب "اختيار شخصي" يُعامل طبقاً للقواعد واللوائح المصرية.

وأصدرت كل التكتلات الممثلة للمجتمع المدني، المشارِكة في قمة المناخ، الخميس، رسالةً مشتركةً تطالب فيها جميع الدول المشاركة بالسعي لدى الحكومة المصرية لإنقاذ حياة علاء، وإطلاق سراح السجناء السياسيين.

تحميل المزيد