لا شك أن المايكرويف أصبح من بين أهم الأجهزة الكهربائية المنزلية، وذلك بفضل قدرته على تسخين الطعام بشكل سريع، أو حتى لتحضير بعض الوصفات السهلة في أقل وقت ممكن.
إذ إن الصدفة كانت السبب وراء اكتشاف جهاز تسخين الطعام هذا، الذي يعمل بفضل التدفئة العازلة، باستعمال أشعة المايكرويف، التي تقوم بتسخين الطعام بشكل متساوٍ من الداخل والخارج، عكس الفرن الكهربائي.
من تصنيع الرادارات في الحرب العالمية الثانية إلى اكتشاف جديد
خلال بداية الحرب العالمية الثانية، قامت بريطانيا بالعمل على صناعة رادارات عسكرية أقوى، مقارنة بتلك المستعملة سابقاً، ذات التردد الأقل، على يد العالم الفيزيائي البريطاني السير جون تورتون راندال.
فانتقل راندال رفقة مجموعة من الباحثين البريطانيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل العمل على تصنيع هذا الرادار الجديد، وتم التعاقد مع شركة "رايثون" الأمريكية، سنة 1940، وكان المهندس الأمريكي ذاتي التعليم بيرس سبنسر من بين المهندسين العاملين على تصنيع هذا الجهاز الجديد.
وفي أحد أيام سنة 1946، كان المهندس سبنسر منهمكاً في تصنيع أحد أجهزة الرادار هذه، لكنه قرر التوقف عن العمل قليلاً، بعد أن تسلل الجوع إلى معدته، فقام بإخراج قطعة شوكولاتة من جيبه، ليجد أنها قد ذابت بالكامل.
وهنا طرح على نفسه عدة تساؤلات، حول السبب وراء ذوبان قطعة الشوكولاتة، في الوقت الذي كان يتواجد داخل غرفة العمل باردة بعض الشيء.
تجارب عديدة.. والنتيجة جهاز المايكرويف
قرر المهندس بيرس سبنسر البحث في سبب ذوبان الشوكولاتة، وكان أول ما خطر على باله هو تأثرها بموجات المنبعثة من أجهزة الرادار، فقرر القيام بعدة تجارب للتأكد من فكرته.
فقام بإحضار بذور الذرة وعرضها للإشعاع المنبعث من الأجهزة التي يقوم بتصنيعها، فتحولت إلى فشار، ثم أخضع بيضة لنفس التجربة، فقام بوضعها داخل غلاية شاي بها ثقب، ووجه تلك الفتحة في اتجاه صمام إلكتروني يقوم بتشغيل الرادار، إلا أنها انفجرت بفعل الإشعاعات المنبعثة منه.
وبعد عدة تجارب، اكتشف أن السبب وراء طهي أو تسخين الطعام بشكل سريع هو موجات المايكرويف القصيرة.
قام سبنسر بعد ذلك بالعمل على صناعة جهاز جديد، يعمل بالموجات القصيرة، عن طريق وضع مولد الأمواج القصيرة داخل صندوق معدني يمنع عبور الأشعة من أجل ضمان سلامة من يستعمله، وشرع في وضع أنواع مأكولات مختلفة داخله، لملاحظة التغيرات التي تطرأ عليها، وكان بذلك أول جهاز مايكرويف يتم تصنيعه داخل شركة "رايثون" الأمريكية.
أول جهاز لتسخين الطعام.. اسمه رادارينغ
بعدما تأكد المهندس سبنسر من اختراعه، قدمه لشركة "رايثون" التي يعمل بها، سنة 1947، إذ قامت بالموافقة على إنتاج هذا النوع الجديد من الأفران، الذي يعمل بطريقة مختلفة، من خلال موجات المايكرويف.
وتمت تسمية الجهاز الجديد حينها باسم مختلف هو "رادارينج"، نسبة لجهاز الرادار التي كان السبب في هذا الاكتشاف، وتم إنتاج أول جهاز في الأسواق سنة 1953، إذ كان يبلغ ارتفاعه 1.8 متر وزنه 340 كيلوغراماً، ويستهلك ثلاثة أضعاف الطاقة التي تستخدمها أفران المايكرويف الحالية، فيما وصل ثمنه إلى أكثر من 3 آلاف دولار أمريكي.
وتم وضعه أول مرة من أجل الاختبار في أحد مطاعم مدينة بوسطن، ثم أصبح متوفراً للبيع في المطاعم، والفنادق الكبرى، قبل أن يتم اختراع أشكال أخرى أصغر حجماً، وأقل تكلفة، وصلت إلى 100 دولار أو أقل، ليتمكن الناس من شرائه، واستعماله بشكل سهل في المنزل.
إذ إن ظهوره في الأسواق في البداية شكَّل نوعاً من التخوف لدى الناس، بسبب الأشعة المنبعثة منه، ومدى سلامتها، وعدم تأثيرها على تركيبة الطعام بعد التعرض لها.
إذ تبين بعد ذلك أنها سليمة ولا تسبب أي ضرر على صحة الإنسان، لكنها تساعد على كسب وقت أكثر خلال تحضير بعض الوجبات، أو تسخين الطعام.
دولاران فقط مقابل اختراع المايكرويف
بعد أن حصل على حقوق ملكية جهاز "المايكرويف"، الذي تكلفت شركة "رايثون" بإنتاجه، حصل المهندس الأمريكي بيرس سبنسر على دولارين فقط، من طرف الشركة، وذلك لتكون بمثابة دفعة رمزية له على اختراعه.
فيما تقلد بعد ذلك منصب نائب أول لرئيس الشركة، وعضو أول في مجلس الإدارة، كما أن مبنى الشركة سُمي على اسمه، وذلك بعد أن قام بعدة اختراعات أخرى، تدخل في خانة تطوير المايكرويف، فحصل على العديد من الجوائز، و300 شهادة براءة اختراع.