كشف تقرير أن أمريكا خاضت أكثر من عشر "حروب سرية" على مدار العقدين الماضيين، تحت شعار مكافحة الإرهاب، وذلك دون أن يعرف بها الشعب الأمريكي، وبعيداً عن الإجراءات القانونية والجهات المختصة، بحسب ما نشره موقع The Intercept الأمريكي الجمعة 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
جاء ذلك نقلاً عن تقريرٍ جديد أصدره مركز برينان للعدالة في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، ويتناول سلسلة من المعارك البرية، والضربات الجوية، والعمليات التي نفذتها القوات الأمريكية بالوكالة في الشرق الأوسط وإفريقيا.
وقالت كاثرين يون إبرايت، مستشارة برنامج الحرية والأمن القومي في مركز برينان: "يُعتبر انتشار الحروب السرية ظاهرةً حديثةً نسبياً، لكنها غير ديمقراطية وخطيرة".
وأصبحت تلك النزاعات السرية ممكنةً بفضل تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2001، الذي جرى تطبيقه عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، إضافة إلى قانون العمل السري الذي يسمح بتنفيذ عمليات سرية بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية دون تبنّي مسؤوليتها.
برنامج 127E
ووثقت كاثرين برنامج 127e السري في مصر ولبنان وسوريا واليمن، إضافة إلى أفغانستان، والكاميرون، والعراق، وكينيا، وليبيا، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والصومال، وتونس، ودولة أخرى في منطقة الهندي-الهادي، لكن اسمها لم يُذكر علناً بعد.
تسمح صلاحيات برنامج 127e لقوات الكوماندوز الأمريكية بتوظيف وكلاء محليين في المهمات التي تديرها الولايات المتحدة، واستهداف أعداء الولايات المتحدة لتحقيق الأهداف الأمريكية.
يعتبر البرنامج واحداً من ثلاثة جهود سرية حللها تقرير مركز برينان. بينما يُشار إلى التفويض 333 في المادة العاشرة من قانون الولايات المتحدة بأنه "تفويض التدريب والتسليح العالمي"، ويسمح للبنتاغون بتوفير التدريب والعتاد للقوات الأجنبية في أي مكان بالعالم.
أما التفويض رقم 1202 الأكثر غموضاً، فيسمح لوزارة الدفاع بتقديم الدعم لوكلائها الأجانب الذين يشاركون في حروب غير نظامية تستهدف أقرب المنافسين، مثل روسيا والصين.
يقدم التقرير الصادر الخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني، أكثر التحليلات اكتمالاً للأسس القانونية، وحيرة الكونغرس، وتعتيم البنتاغون المحيط بتلك الجهود. كما يشرح كيفية وأسباب قدرة وزارة الدفاع على خوض النزاعات من وراء الكواليس على مدار الأعوام الـ20 الماضية.
كتبت كاثرين: "لا يعرف الكونغرس الكثير عن عملية صنع الحروب الأمريكية باستثناء ما يرد في السجلات العامة عادةً. كما يعاني الدبلوماسيون في وزارة الخارجية من أجل فهم ومعرفة مدى انتشار الأعمال العدائية الأمريكية. وعندما يتعثّر إشراف الكونغرس، تتعثّر جهود الإشراف داخل الفرع التنفيذي أيضاً".
الصومال كمثال
يتجلّى تحليل كاثرين بوضوح في حالة الصومال الذي طوّرت الولايات المتحدة قوتين بالوكالة داخله، وهما كتيبة دنب وقوة أرض البنط الأمنية. إذ بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في بناء قوة أرض البنط الأمنية عام 2002؛ من أجل قتال حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، ثم قتال تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لاحقاً. وانتقلت القوة الأمنية إلى قيادة الجيش الأمريكي في عام 2012 تقريباً، واستمرت في القتال إلى جانب القوات الخاصة الأمريكية طيلة عقدٍ كامل.
أشارت كاثرين إلى أن المقاتلين بالوكالة كانوا "مستقلين عن الحكومة الصومالية بدرجةٍ كبيرة، رغم كونهم كتيبةً مسلحة نخبوية وأحد أقوى وحدات العمليات الخاصة الصومالية. وظلّت علاقتهم بالقوات الأمريكية سريةً لوقتٍ طويل، حيث أنكر المسؤولون الأمريكيون وجود مستشارين عسكريين في الصومال حتى عام 2014".
والمقلق أكثر هو أن تحليلها يُشير إلى عدم وجود أساس قانوني واضح يُخوّل للجيش الأمريكي القتال إلى جانب هذه القوات وقيادتها، حيث صنفت إدارة أوباما حركة الشباب باعتبارها قوةً تابعة لتنظيم القاعدة، وأصبحت هدفاً شرعياً بالتبعية بموجب تفويض استخدام القوة العسكرية، في عام 2016. وفعلت الإدارة الأمر ذاته مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014، لكن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال لم تصنفه أي إدارة علناً بأنه قوة تابعة لتنظيم داعش، مما يعني أن البنتاغون طوّر وحارب إلى جانب قوة أرض البنط الأمنية منذ عام 2012، وكتيبة دنب منذ عام 2011، قبل اعتماد تفويض استخدام القوة العسكرية للتصريح بشن الأعمال العدائية ضد حركة الشباب، وتنظيم داعش، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال.
كتبت كاثرين موضحة: "تصرح وزارة الدفاع، بوضوحٍ، بأنها لا تتعامل مع صلاحيات 333 و127e باعتبارها تفويضاً باستخدام القوة العسكرية. لكن الواقع ليس واضحاً بهذه الدرجة، حيث استغلت القوات الأمريكية تلك الصلاحيات لإنشاء، وإدارة، والقتال إلى جانب مجموعات مثل قوة أرض البنط الأمنية وكتيبة دنب".
وطالب رؤساء الولايات المتحدة، على مدار الأعوام الـ20 الماضية، بحقوقٍ أوسع للتحرك دفاعاً عن النفس، سواءً لحماية القوات الأمريكية أو الحلفاء، مما سمح للولايات المتحدة بأن تقاتل الخصوم البعيدين دون الحاجة للحصول على تصريحٍ من الكونغرس، بحسب كاثرين.
انتقادات الكونغرس
بينما قالت النائبة الديمقراطية سارة جيكوبس، عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، لموقع The Intercept: "يُمكن القول إن محاولات تفادي تدقيق الكونغرس تعتبر سبباً محورياً يُفسر وصولنا إلى الحروب الأبدية، وارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين، وفشل الاستراتيجيات التي تُهدر أموال دافعي الضرائب وتُؤجج الصراعات التي نحاول حلها".
وقدم التقرير مقترحاته لتحسين الإشراف من جانب الكونغرس والعامة. وشملت المقترحات فرض التوازن على سلطات الحرب داخل الحكومة، ومنع الأعمال العدائية غير المصرح بها من جانب الكونغرس. وكتبت كاثرين: "يمكن أن يؤدي إلغاء تفويضات 333، و127e، و1202 إلى إعادة توازن القوى لوضعه الطبيعي قبل بداية الحرب على الإرهاب"، مما سيجبر البنتاغون على إقناع الكونغرس بأن بناء قوات أجنبية بالوكالة خارج البلاد يخدم مصلحة الأمن القومي الأمريكي.
تعتبر هذه القضية حساسةً، لأن العمل مع، ومن خلال، وبواسطة الوكلاء والحلفاء الأجانب يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من رؤية البنتاغون العالمية، وذلك وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني الصادرتين عن إدارة بايدن مؤخراً.
وأفادت كاثرين بأن "الوثيقتين تؤكدان نظرة وزارة الدفاع إلى التعاون الأمني باعتباره نهجها المستقبلي".