في خطوة نادرة، قررت الجمعية الوطنية الفرنسية تعليق عمل النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، غريغوار دو فورناس، بسبب إطلاقه تصريحات عنصرية في حق زميله كارلوس بيلونغو.
وكارلوس بيلونغو، وهو نائب برلماني عن منطقة "فال-دواز" شمال باريس، أسود البشرة، ويبلغ من العمر 31 عاماً، كان يتحدث أمام الجمعية الوطنية مدافعاً عن استقبال المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في البحر، عندما قاطعه زميله غريغوار دو فورناس صارخاً "عد إلى إفريقيا".
وتسببت التصريحات التي وُصفت بالعنصرية، في توقف جلسة الأسئلة الشفهية داخل البرلمان، ورفعها لدقائق بعد احتجاج كل النواب الحاضرين من مختلف الأحزاب، باستثناء فريق التجمع الوطني، الذي تتزعمه مارين لوبان.
أنا فرنسي ابن فرنسا
وتفاعلاً مع قرار مكتب الجمعية الوطنية، قال كارلوس بيلونغو، المنتمي إلى حزب فرنسا الأبية لـ"عربي بوست" إنه استقبل رفقة فريقه النيابي القرار بارتياح، مضيفاً أن العقوبة هي أقصى ما كان يمكن فرضه على النائب".
وقال البرلماني إن هذه هي المرة الثانية في تاريخ الجمعية الوطنية التي يتم فيها إصدار عقوبة في حق برلماني، وهو أمر جيد، مضيفاً "لا أخفيك أني ما زلت أعاني وقع التصريح الجارح الذي آلمني، وأنتظر من النائب المعني تقديم استقالته حفظاً لماء وجهه".
يقول بيلونغو معلقاً على هذه التصريحات: "ليس شخصي فقط من أُهين، ولكن ملايين الفرنسيين الذين يتعرّضون بشكل مستمر لعبارات ومضايقات عنصرية، قد أكون محظوظاً لأني نائب في البرلمان، أتيحت لي فرصة الرد أمام الإعلام، لكني أؤكد لك أني استقبلت خلال الليلة الماضية مئات الرسائل، يخبرني أصحابها أنهم ضحايا الكراهية والعنف اللفظي بسبب لون بشرتهم".
يقول بيلونغو "لقد دافعت من خلال مداخلتي في البرلمان عن نساء وأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم يبحثون عن الحياة، فروا من بؤر الحرب ومستنقعات العنف، طمعاً في الأمن والسلم، فقابلني نائب برلماني من حزب التجمع الوطني المحسوب على اليمين المتطرف بعبارة عنصرية.
ورغم إصرار دو فورناس أنه كان يشير إلى المهاجرين، ولم يقصد زميله، اعتبر منتقدو التصريحات أن ذلك محاولة فاشلة للتهرب من المسؤولية، وحتى إن صح الأمر فسيكون تفسيراً أقبح من زلة، لأنه لا يقل إهانة وعنصرية.
دعوى قضائية
قال النائب البرلماني، كارلوس بيلونغو، الذي تعرض للعنصرية في حديثه مع "عربي بوست": "من الصعب تقديم شكوى قضائية ضد النائب العنصري؛ لأنه يتمتع بحصانة برلمانية، كما أن تصريحاته كانت ضمن إطار جلسة داخل الجمعية الوطنية".
وأضاف المتحدث في تصريحه أنه تلقى اتصالاً من مركز شرطة الدائرة حيث يقطن، وعبّر له عناصر الأمن عن تضامنهم معه، ودعوه لتقديم شكاية لدى المركز، حتى لو كانت رمزية ولن تنتج عنها أي متابعة.
وقال النائب البرلماني في تصريحه لـ"عربي بوست": "أنا فرنسي، وُلدت في فرنسا، ولن أسمح لأي كان بالتعامل معي على أساس لون بشرتي".
في المقابل، توصل تقرير مكتب الجمعية الوطنية، الذي كلف بإصدار القرار، إلى أن منطوق عبارة النائب كان بصيغة المفرد، وبالتالي اعتمدوا رسمياً عبارة "عد إلى إفريقيا"، وعلى أساسها تم اتخاذ العقوبة.
فيما تُعد عقوبة الجمعية الوطنية المتخذَة أقصى ما يمكن إصداره على مستوى المؤسسة التشريعية، لكن حقوقيين وسياسيين طلبوا من بيلونغو اللجوء إلى القضاء انتصاراً لحقه ودفاعاً عن قيم الجمهورية الفرنسية.
ووافق أعضاء البرلمان الفرنسي بالأغلبية على قرار تعليق عمل دو فورناس لمدة 15 يوماً داخل الجمعية الوطنية ،وخصم نصف تعويضه لمدة شهرين، وتُعد هذه هي المرة الثانية فقط في التاريخ الفرنسي الحديث التي يتم فيها اعتماد مثل هذا الإجراء التأديبي.
ماكرون يشعر بالصدمة
دفاعاً عن زميلها، قالت زعيمة التجمع الوطني ورئيسة فريقه في البرلمان، مارين لوبان، إن ما حدث محاكمة سياسية تتعارض مع الديمقراطية وحرية التعبير، مضيفة أن الجدل اختلقه اليساريون الذين لن يتمكنوا من خداع الفرنسيين.
في المقابل، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه يشعر بـ"صدمة" إثر ما تلفظ به النائب اليميني، من تصريحات وصفها بـ"غير المقبولة"، وأضاف مقربون منه في حديث لوسائل الإعلام يعبر عن دعمه الكامل للبرلماني المهان.
زعيم حزب فرنسا الأبية، جان لوك ميلانشون، وصف التصريحات بـ"العار"، واعتبر أن التجمع الوطني حزب عنصري، قد يتسبب في نشوب حرب أهلية، كما دعا الجمعية الوطنية إلى عزل واستبعاد النائب دو فورناس بشكل نهائي.