موجة تعويم أخرى؟ الشركات العالمية تضع أرقاماً متضاربة لسعر الدولار في مصر وتوقعات بوصوله 27 جنيهاً

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/03 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/03 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش

  لم يُنه قرار البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه ضمن حزمة من الإجراءات المالية اتخذها قبل أسبوع التباين في سعر الدولار في مصر بين البنوك الرسمية والسوق الموازية؛ ما طرح تساؤلات حول الحد الذي من المتوقع أن يقف عنده سعر الصرف؟

 يشير أحد المصرفيين بالبنك المركزي لـ "عربي بوست" إلى أن الأمر لا يقف عند العالم الافتراضي والإعلانات المدفوعة، بل إن العديد من الشركات والمصانع العاملة في مصر وضعت ما يمكن وصفه بـ "أسعار استرشادية" للدولار أعلى من قيمته الرسمية بعدة جنيهات، ووصل إلى أكثر من 30 جنيهاً للدولار الواحد.

 وفقد الجنيه المصري 22.6% من قيمته خلال خمسة أيام فقط منذ قرارات السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصعد الدولار الأربعاء خلال التعاملات الرسمية بنحو 6 قروش في البنك المركزي أمام الجنيه المصري، مسجلاً 24.11 جنيه للشراء و24.24 جنيه للبيع.

وبسؤال مصدر في البنك المركزي قال إن الجنيه سيواجه انخفاضاً آخر قد يتعدى حاجز الـ 26 جنيهاً مقابل الدولار الأمريكي الواحد. 

فيس بوك.. دولار واحد يساوي 35 جنيهاً مصرياً

 حالة من الارتباك انتابت منة أشرف عندما كانت تقوم بإجراء لإعلان مدفوع الثمن للترويج عن أحد منتجاتها على موقع التواصل الاجتماعي.

تقول الشابة الثلاثينية لـ "عربي بوست" إنها عملية روتينية قامت بها عشرات المرات في السنوات الماضية؛ حيث تعلن عن منتجات قامت باستيرادها من الخارج ودائماً ما يوضع سعر الإعلان بالدولار والقيمة الموازية له بالجنيه وهي القيمة التي يتم التعامل بها في البنوك أو ربما تزيد عن البنك جنيهاً أو اثنين بالكثير. 

تستكمل منة أنها فوجئت بتحديد سعر الإعلان على أساس أن الدولار الواحد يساوي 35 جنيهاً واعتقدت أن هناك خطأ حدث، فأغلقت العملية وقامت بعمل الخطوات من جديد لتظهر أمامها القيمة ذاتها ولم تعرف إلى من تتحدث. 

يقول حسام علام، أحد أصحاب شركات استيراد الأجهزة الكهربائية، إن الإقبال على الدولار في السوق الموازية ما زال مستمراً، وأن العديد من الشركات التي تحتاج إلى مئات الآلاف من الدولارات بشكل يومي لم تتمكن من توفيره بعد من البنوك الرسمية، وتضطر للبحث عنه في السوق الموازية التي أخذت في التراجع خلال الأيام الماضية لكنها لم تختف بشكل كامل.

تعويم الجنيه لم ينهِ السوق الموازية للدولار

ويضيف أن المتحكمين في العملات الأجنبية بالسوق الموازية يضعون أسعار بيع الدولار تفوق السعر الرسمي بجنيهين أو أكثر، ويصل في بعض الأحيان إلى 30 جنيهاً للدولار الواحد.

 وفي حال كانت الشركات مضطرة لذلك لتمرير صفقاتها فإنها تحصل عليه بهذا السعر ومن ثم يتم تحديد أسعار السلع التي تقدمها وفقاً لما قامت بالشراء على أساسه، وقبل التعويم الأخير كان سعر الدولار في السوق السوداء يتراوح ما بين 23 إلى 25 جنيهاً.

ويشير علام إلى أن توفر الدولار في البنوك الرسمية يشكل حداً فاصلاً لإنهاء الفجوة الحالية، وهو أمر لم يتم تداركه حتى الآن، مع أهمية توفر الدولار بشكل مستقر في السوق، وضرورة تحديد آليات مناسبة للاستيراد بدلاً من آلية استخدام "الاعتمادات المستندية" في عمليات تمويل الاستيراد، التي أعلنت الحكومة وقف العمل بها بشكل نهائي مع نهاية العام الجاري.

أسعار مختلفة للدولار لدى قطاع الملابس الجاهزة والأعلاف والأسمدة

لا يقتصر الأمر على شركة علام فقط؛ إذ إن رصداً لأبرز القطاعات التي تضع أسعاراً مغايرة لسعر الجنيه الرسمي بالبنوك في مقابل الدولار يطال أيضاً مستوردي السيارات وتجار الذهب والشركات العاملة في قطاع الكيماويات وقطاع الملابس الجاهزة، والأعلاف والأسمدة التي يتم استيرادها بمبالغ ضخمة وبشكل متتالٍ كل ثلاثة أشهر وتضع توقعاتها لإمكانية تراجع الجنيه مجدداً.

واعتبر بنك "جيه بي مورغان" أن سعر الجنيه الحالي في البنوك المصرية عادل، ويتوقع تعديله تدريجياً إلى 23.5 للدولار بحلول نهاية العام، وبحسب مذكرة أعلنها في أعقاب قرار تعويم الجنيه فإنه توقع أيضاً "أن يظل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار تحت الضغط في الأيام المقبلة إلى أن يستقر"، مشيراً إلى أن تعديل (الخميس الماضي) كافٍ لإنهاء معظم أوجه الاختلال الخارجية".

على الجانب المقابل، يشير خبير اقتصادي إلى أن الشركات سوف تستمر في تحديد سعر مغاير للجنيه مقابل الدولار في البنوك الرسمية لحين إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد، وتوفر الدولار بكثافة لدى شركات الصرافة والبنوك.

 مؤكداً أن الشركات كانت في السابق قبل قرارات فبراير الماضي، تتعامل في معاملاتها الاستيرادية وفقاً لـ"خطابات التحصيل"، والتي تقوم من خلالها بالاتفاق مع إحدى الشركات أو الجهات المنتجة في الخارج للحصول على بضائع أو سلع أو مستلزمات إنتاج في مقابل خطاب بالقيمة المالية تقوم الجهة الخارجية بصرفه من البنوك بالعملة التي تحددها.

حينما واجهت الحكومة المصرية مأزق خروج الأموال الساخنة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكراني حاولت السيطرة على السوق عبر قرار منع الاستيراد دون الحصول على "الاعتمادات المستندية"، وبحسب الخبير ذاته، ففي تلك الحالة أصبحت العملية الشرائية بين البنوك المصرية ونظيرتها الأجنبية.

هروب الأموال الساخنة أثر سلباً على قدرة الحكومة المصرية على توفير الدولار

وطغت مشكلات هروب الأموال على قدرة المؤسسات المالية المصرية في توفير العملة الصعبة وتضاعفت مشكلات شح الدولار منذ ذلك التوقيت، ولم تستطع الحكومة أن توفره بالكمية التي تحتاجها الشركات التي تستورد من الخارج لهذا السبب.

يوضح الخبير لـ "عربي بوست" أن كثيراً من الشركات اضطرت للجوء إلى شركات الصرافة والسوق الموازية لتوفير الدولار المطلوب لإنهاء الصفقات، وكثير من عمليات الاستيراد تأخرت فترات ما بين شهر إلى أربعة أشهر وشكّل ذلك ضغطاً على السوق الموازية؛ ما دفع الشركات لتحديد أسعار للسلع والبضائع التي تقدمها وفقاً لأسعار السوق الموازية.

ويؤكد أن العديد من الشركات أو المصانع التي تستورد مستلزماتها أو بضائعها من الخارج تحدد سعر الجنيه ما بين 26 إلى 32 جنيهاً في الوقت الحالي، وما يبرهن أن العملة الصعبة لم تتوفر في البنوك بعد أن المواطنين العاديين الذين يسعون لسحب أموالهم من حساباتهم الدولارية يجدون صعوبة في ذلك، ويطالبهم البنك الحصول عليها بالجنيه المصري بسبب أزمة عدم توفره.

استقرار متوقع في فبراير

يربط الخبير هذا الموعد بوصول قيمة التمويل الأخير الذي بلغ 9 مليارات دولارات مع نهاية الشهر الجاري، إلى جانب سداد الحكومة جزءاً من ديونها الخارجية مع نهاية هذا العام مع مساعي جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وبيع مزيد من الأصول، ومن ثم حدوث حالة من الاستقرار في السوق، لكنه يشدد في الوقت ذاته على أن استقرار الجنيه عند حاجز 23 جنيهاً للدولار الواحد سيتوقف على طبيعة العرض والطلب.

وكشفت الحكومة المصرية، الأسبوع الماضي، عن التوصل للحصول على تمويل بقيمة 9 مليارات دولار لدعم الاقتصاد، 3 مليارات دولار منها من صندوق النقد الدولي، بعد مفاوضات شاقة وطويلة تحصل بموجبه على تسهيل تمويل ممدد مدته 46 شهراً.

ويمهد الاتفاق الحصول على تمويل إضافي يبلغ حوالي 5 مليارات دولار من الشركاء متعددي الأطراف والإقليميين، إضافة إلى مليار دولار من خلال صندوق الاستدامة وهي آلية جديدة اعتمدها الصندوق لمساعدة الدول النامية، ليصبح إجمالي المبلغ 9 مليارات دولار.

فيما تشهد السوق الموازية للعملة في مصر حالة من القلق والترقب والحذر، ويبدو أن السلطات المصرية بدأت تضييق الخناق على تجار العملة والمضاربات التي كانت تتم على الدولار الأمريكي؛ إذ يسيطر القلق على المنشورات التي تشهدها الصفحات التي تتابع سعر صرف الدولار على منصات التواصل الاجتماعي.

الفجوات التمويلية الدولارية تدعم استمرار السوق السوداء

وتوقع خبير في الأسواق المالية، استمرار السوق الموازية خلال الأشهر المقبلة، وبالتبعية استمرار تحديد الشركات أسعاراً مختلفة لشراء الدولار مقابل الجنيه، ويرجع ذلك لسببين؛ أولهما، عدم وجود ثقة لدى الشركات والمصانع المصرية على قدرة البنوك المصرية توفير سيولة دولارية لأن هناك فجوة تمويلية دولارية تتراوح ما بين 25 إلى 30 مليار دولار، تتضمن التزامات أقساط وفوائد ديون تقدر قيمتها بنحو 13 مليار دولار لابد أن تسدد قبل نهاية العام الجاري.

ويتعلق السبب الثاني بقيمة قرض صندوق النقد ذاته؛ لأن التوقعات كانت تشير لحصول مصر إلى قرض قيمته تتراوح ما بين 7 إلى 10 مليارات دولار حتى تتمكن من تجاوز أزمتها.

 لكن عدم رغبة الحكومة في الاستجابة لشروط الصندوق المرتبطة بمزيد من رفع الدعم عن السلع والخدمات الرئيسية وإتاحة مزيد من الفرص لدخول القطاع الخاص شريكاً في المشروعات الحكومية الكبرى كان سبباً رئيسياً في انخفاض قيمته، ومن ثم أضحى كثير من الشركات والهيئات الاقتصادية على قناعة بأن قرارات التعويم الأخيرة لن تحل أزمة الدولار.

بحسب الخبير ذاته، فإن عوامل سياسية أخرى تخلق سوقاً موازية في مخاوف من اندلاع مظاهرات في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، واضطرار الحكومة لتهدئة الشارع عبر تجميد أسعار المحروقات والخدمات الرئيسية مثل الكهرباء؛ ما يجعل هناك قناعة لدى المضاربين في الدولار بعدم استقرار الأوضاع، وبالتالي فإن السوق الموازية تظل حاضرة ومستفيدة من الحالة العامة التي تمر بها البلاد.

وقبل إعلان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يوم الخميس الماضي، أعلنت الحكومة حزمة إجراءات تضمنت زيادة الحد الأدنى للأجور 300 جنيه، وتمديد قرار وقف زيادة أسعار الكهرباء مدة 6 شهور إضافية حتى منتصف 2023.

أزمة كاشفة لمصر

ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تصريحات له على هامش فعاليات الملتقى والمعرض الدولي الأول للصناعة في القاهرة، السبت، أزمة الدولار بأنها "كاشفة" بالنسبة لمصر، مضيفاً أن "فاتورة الدولار تزيد عاماً بعد آخر"، مؤكداً أنه يتحتم على بلاده مسابقة الزمن لإنتاج ما تستورده من مستلزمات، واتخاذ إجراءات غير تقليدية لفترة زمنية محددة لتجاوز الوضع الاقتصادي الذي تمر به مصر.

تعهدت مصر الأسبوع الماضي، بتطبيق سعر صرف "مرن بشكل دائم" بالتزامن مع توصلها لاتفاق على مستوى الخبراء لتسهيل تمويل مع صندوق النقد الدولي، كما رفع البنك المركزي في اليوم نفسه أسعار الفائدة 200 نقطة أساس.

للمرة الثالثة في غضون 6 سنوات، هوى الجنيه أمام الدولار الأمريكي، وفقد أكثر من 50% من قيمته منذ مارس/آذار الماضي، وتأتي مصر في المرتبة الثالثة كأعلى دولة عربية بعد السودان واليمن يتوقع لها ارتفاع التضخم في عام 2023.

كلمة السر في التحول لدولة إنتاجية

وتشير خبيرة اقتصادية إلى أن مشكلة عدم توفر الدولار والانخفاض المستمر في قيمة الجنيه سوف تستمر طالما لم تتحول مصر إلى دولة ذات إنتاجية مرتفعة تستطيع من خلالها أن تنافس عملتها المحلية غيرها من العملات العالمية، وفي حال لم تضع الحكومة خطة عاجلة وقابلة للتطبيق فإن الاقتصاد سيدور في دوائر مفرغة من بين نقص الدولار والاتجاه إلى الاقتراض من الخارج ثم تسديد الديون ثم مزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه.

وتضيف أن الدولة المصرية لا تكف عن إصدار قوانين وإجراءات تستهدف وضع تسهيلات لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل، ولم تأت الاستثمارات المتوقعة لأن التطبيق على أرض الواقع يجابه مشكلات عديدة وهناك جملة من المشكلات التي يعانيها المنتجون المحليون، وبالتالي فإنه لن يكون ممكناً جذب الأجانب لإقامة مشروعات استثمارية حقيقية، بمعنى أن تكون طويلة الأمد وتخدم الاقتصاد المصري.

وتلفت إلى أن البيروقراطية التي يواجهها المنتجون المحليون تنفّر أي مستثمر أجنبي من الممكن أن يساهم في حل أزمات العملة الصعبة، وتحولت مصر لسوق تستقبل مستثمرين أجانب يبحثون عن مكاسب سريعة ثم الهروب بأموالهم خشية حدوث مشكلات لهم أو تقلبات في السوق المصرية.

 وبالتالي، فإن الجزء الأكبر من المستثمرين إما أنهم انخرطوا في مضاربات الأراضي مع شرائهم شركات خاسرة وتصفيتها وبيع أصولها وأراضيها والاستفادة منها أو شراء أصول مشروعات تحقق بالفعل مكاسب قوية لتلافي أي مغامرات تقوده للخسارة.

لدى المتحدثة ذاتها قناعة بأنه يصعب التنبؤ بحدوث استقرار في سعر الصرف على المدى القريب، طالما لم تتجه الحكومة إلى تنمية قطاعات الزراعة والصناعة وتقديم تيسيرات حقيقية للمنتجين المحليين الموجودين حالياً وتشجيعهم على الاستمرار والتوسع في مشروعاتهم؛ ما يفتح أبواب جذب الاستثمارات الأجنبية التي تخشى هواجس المعوقات الإدارية والفساد والبيروقراطية وتأخر إصدار التراخيص وتوفير الأراضي وطول مدد التقاضي.

تحميل المزيد