بات من شبه المؤكد أن بنيامين نتنياهو سيعود لرئاسة الحكومة وعودة اليمين المتطرف في إسرائيل، بعد أن استطاعت كتلة اليمين بقيادته تجاوز 65 مقعداً من مقاعد الكنيست، بعد الانتهاء من فرز 85% من الأصوات، وبالتالي بات تشكيل حكومة يمينية متطرفة مسألة وقت إلى حين الإعلان عن النتيجة النهائية لهذه الانتخابات، غداً الخميس 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
تظهر مركبات الحكومة القادمة، أن إسرائيل على موعد مع حكومة يمينية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، إذ احتلت الأحزاب اليمينية الدينية ذات الأفكار المتطرفة المواقع الأولى في صدارة الأحزاب التي تجاوزت بفارق كبير عن الأحزاب التوجهات ذاتها الأقل تطرفاً، أو ما يطلق عليها "يمين الوسط" أو اليسار.
تظهر النتائج شبه الرسمية بعد فرز 85% من الأصوات، أن حزب الليكود برئاسة نتنياهو في صدارة الأحزاب التي حظيت بـ31 مقعداً، كما حصل تحالف الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير على 14 مقعداً، وحصل حزب شاس برئاسة أريه درعي على 12 مقعداً، وحصل حزب يهوديته توراة على 8 مقاعد، بإجمالي 65 مقعداً من أصل 120 مقعداً هي إجمالي مقاعد الكنيست.
سيكون لهذه الحكومة حال تشكيلها، تأثير مباشر على الوضع الداخلي الإسرائيلي، ليس فقط سياسياً، بل سيمتد ليشمل أبعاداً اجتماعية وقومية، فالحالة العامة التي سادت إسرائيل طوال العقود الثلاثة الأخيرة منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين في تسعينيات القرن الماضي، كانت سيطرة اليمين التقليدي على مفاصل الحكم، إلا أن هذه الانتخابات أفرزت حكومة يمينية دينية متطرفة.
اليمين التقليدي واليمين المتطرف
يعتبر اليمين المتطرف رديفاً لأحزاب اليمين التقليدي، الذي كان له الدور الأبرز في العقود الثلاثة الأخيرة في تشكيل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إذ تستند منطلقاته الأيديولوجية والسياسية من مبدأ مشترك وهو جمهور المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، ودعم الاستيطان ورفض أي حلول مع الفلسطينيين.
إلا أن ما يثير الاهتمام وفق نتائج الانتخابات الحالية، هو تحول المجتمع الإسرائيلي من الإيمان بأفكار اليمين التقليدي لصالح اليمين المتطرف، ففي السابق كان وزن أحزاب الصهيونية الدينية التي يمثلها إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش عند 4 مقاعد فقط في الكنيست، ولكن بات الآن عند 14 مقعداً.
ويمثل اليمين المتطرف كافة التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، ويعتمد المنطق الأيديولوجي والفكري للصهيونية الدينية على التوراة كأساس لمنح اليهود الحق في الوطن القومي، وبالتالي تطويع كامل مقدرات الدولة لصالح هذا الاتجاه، وهو "أسرلة ويهودية المجتمع" وفق المبادئ التي يحددها التوراة وكبار الحاخامات في المدارس الدينية.
التأثيرات الداخلية المتوقعة للحكومة اليمينية القادمة
تدعم التيارات الدينية اليهودية، التي ستكون العمود الفقري والعصب الرئيسي في تشكيل الحكومة المرتقبة، بعض الأفكار التي كانت في السابق محل نقاش وجدل واسع، ولم تحسم بسبب معارضتها من قبل بعض المعسكرات التي تؤمن باليمين التقليدي.
من بين هذه التشريعات تمرير قانون إعفاء المتدينين من أداء الخدمة الإجبارية في الجيش، إذ تؤمن الأحزاب الدينية (الحريدية) بالمبدأ الديني القائل بأن تعلم التوراة أهم من الخدمة الإجبارية في الجيش، وبالتالي قد تسعى الأحزاب الدينية في الحكومة القادمة لتمرير قانون يعفي اليهود المتدينين من أداء الخدمة في الجيش من أجل تعلم التوراة.
إعفاء المتدينين من الخدمة الإجبارية
كان لافتاً تصدر هذا الملف أجندة الدعاية الانتخابية للأحزاب الحريدية في هذه الانتخابات، فهذه المسألة بالنسبة لأتباع التيار الديني تحولت لصراع وجودي، لأن حكومة بينيت – لابيد الأخيرة أفشلت خلال ولايتها في تمرير قانون إعفاء طلبة المدارس الدينية من أداء الخدمة الإجبارية في الجيش، وهو ما اعتبره قادة التيارات الدينية تعدياً على قداسة التوراة، وهو ما يشير إلى إمكانية تمرير هذا القانون في الحكومة القادمة حال تشكيلها، وفقاً للكاتب والمحلل السياسي من الداخل نظير مجلي.
ويضيف لـ"عربي بوست" إن "الحديث في هذه المسألة يدور عن 60 ألف طالب منتسب للمدارس الدينية التابعة للصهيونية الدينية وحركات مثل شاس ويهوديت هتوراة والمنتشرة في معاقل ومدن المتدينين، أهمها بني براك، فهذه المدارس تؤمن بضرورة تعلم التوراة عن أي أمور أخرى مهما بلغت أهميتها، بما فيها أمن الدولة".
وتابع: "بينما يرى قادة الجيش أن طرح هذه المسألة للنقاش السياسي هو أمر بالغ الخطورة؛ لأن إعفاء فئة معينة من المجتمع من منطلقات دينية دون مسوغات أو وجود نظم وقوانين واضحة، يعني ضرب عقيدة الجيش الإسرائيلي من أنه جيش كامل الشعب اليهودي وتحويله لجيش يخدم فئة معينة دون الأخرى من المجتمع، أو على الأقل لا يتشارك معها في هذه المهمة".
ميزانيات أكبر للمدارس الدينية
قال تقرير لصحيفة "كالكاليست" العبرية إن حزبا شاس ويهوديت هتوراة يسعيان لتمرير تشريع في الكنيست القادم حال نجح نتنياهو في رئاسة الحكومة لزيادة مخصصات إنفاق الدولة على المدارس الدينية بنحو 45 مليار شيكل (12 مليار دولار) للسنوات العشر القادمة، في محاولة لصناعة جيل جديد من الشبان اليهود على دراية واطلاع أكبر بتعاليم التوراة والأسفار اليهودية.
فقبل أيام، وفي إطار الدعاية الانتخابية، أثار رئيس حزب يهوديت هتوراة، يتسحاق غولدكنوبف، الجدل بعد أن قال، أنا لا أرى أن الرياضيات واللغة الإنجليزية مفيدة للاقتصاد، نحن لسنا مضطرين لدراسة مثل هذه الأشياء، علينا تعلم التوراة لنكون مواطنين يهود أعزاء.
رفض الاندماج في سوق العمل
يرفض أتباع التيار الديني في إسرائيل الاندماج في سوق العمل، ويعتمدون بشكل رئيسي على مخصصات الدولة الشهرية التي تصرف على هيئة إعانات غذائية أو رواتب، في ظل رفضهم تعلم مهارات العمل أو إكمال مشوارهم في المدارس التقليدية والجامعات، وينصب جهدهم في تعلم التوراة وتلقي المواعظ من كبار الحاخامات.
تهويد أكبر لفلسطينيي الداخل
لم تخل الدعاية الانتخابية لتيارات المتدينين اليهود، وتحديداً من النائب المتطرف إيتمار بن غفير، من الترويج لشعارات تنادي بترحيل فلسطينيي الداخل وطردهم لمناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، باعتبارهم قنبلة ديموغرافية تهدد نسيج الدولة، ويقفون كسد منيع أمام يهودية الدولة.
قال تقرير لصحيفة "ميكوميت" في نظر التيارات الدينية فهذه فرصة مناسبة لتمرير قوانين وتشريعات للتخلص من فلسطيني الداخل، في ظل افتقار النخبة الإسرائيلية لحل حقيقي وجذري لإنهاء أزمة الفلسطينيين في الداخل، عبر تشريعات من بينها سحب الجنسيات وتنفيذ الإعدام لمنفذي العمليات، أو من يشتبه بأنه على صلة بالإضرار بيهودية وتماسك الدولة العبرية.
تقسيم المسجد الأقصى وسحب الوصاية الأردنية
لن ينتظر اليمين المتطرف فرصة مناسبة لإجراء تغيير حقيقي وجذري في الوضع القائم في المسجد الأقصى، إذ مثلت الاقتحامات الأخيرة للحرم القدسي التي قادها غلاة المتطرفين اليهود، وكان من بينهم نواب وقادة الأحزاب الدينية الذين سيكونون على رأس الحكومة القادمة، وأحد أبرز صناع القرار فيها.
روجت هذه الأحزاب في الدعاية الانتخابية لمبدأ تكرار نموذج التقسيم الزماني والمكاني الموجود في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وتطبيقه في المسجد الأقصى، كما طالبت بإعادة النظر في مسألة الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، باعتبار أن الظروف التي استجدت مؤخراً تستلزم النظر في مسألة بقاء الوصاية الأردنية من عدمها.