بعد انتظار دام عاماً كاملاً، أخيراً وافق مجلس النواب العراقي، يوم الخميس، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، على الحكومة العراقية الجديدة، التي قدمها رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني.
وقبل اختيار الوزراء الـ22 الذين يُشكلون الحكومة العراقية الجديدة، عرفت العملية صراعاً محتدماً بين أبرز الأحزاب السياسية الشيعية، التي حاولت الضغط على رئيس الوزراء للفوز بأبرز الحقائب الوزارية.
وعلم "عربي بوست"، من مصادر سياسية عراقية، أن التنازع على الحقائب الوزارية استمر لساعات قليلة قبل تقديم الحكومة الجديدة للبرلمان، ما كان من الممكن أن يُهدد بتعطيل جلسة التصويت على حكومة السوداني.
ما الذي دار في كواليس تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، التي طال انتظارها؟
الصراع على وزارة النفط
في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، استطاع مجلس النواب العراقي أخيراً اختيار رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، والذي كلف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وزير العمل وحقوق الانسان السابق، بتشكيل الحكومة الجديدة، وفقاً للدستور العراقي لعام 2005.
وسيطرت الأحزاب السياسية الشيعية في العراق على 12 وزارة من أصل 22 في الحكومة العراقية الجديدة، وبالتأكيد يكون الصراع على وزارة النفط الغنية هو الصراع الأبرز بين تلك الأحزاب.
يقول سياسي شيعي عراقي بارز لـ"عربي بوست"، إن "الصراع كان على وزارة النفط محتدماً حتى الساعات الأولى من تقديم السوداني حكومته أمام البرلمان، الأمر كاد أن يصل إلى تراشق لفظي بين المالكي وهادي العامري، بسبب رغبة الرجلين في السيطرة على الوزارة".
من جهته، كشف مصدر مقرب من رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، لـ"عربي بوست"، أن "العامري أبلغ السوداني بأنه يريد وزارة النفط، لكن المالكي استشاط غضباً من هذا الأمر، وأبلغ السوداني بكل حزم بأن وزارة النفط محجوزة لائتلاف دولة القانون (الذي يترأسه المالكي)".
وبحسب المصدر ذاته، فإن نوري المالكي كان يتطلع أيضاً للاستحواذ على وزارتي الداخلية والنقل، "تطلعات المالكي في الحكومة الجديدة كبيرة للغاية، بالرغم من أن السوداني أبلغه بأنه من مصلحة الجميع اختيار حكومة محايدة"، يُضيف المصدر نفسه.
لكن بعد الصراع الكبير الذي امتد قرابة شهر بين هادي العامري ونوري المالكي على بعض الوزارات، أبرزها وزارة النفط، استطاع نوري المالكي أخيراً أن يفوز بوزارة النفط، ووزارتين أخريين.
يقول سياسي شيعي عراقي بارز، ومطلع على مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، لـ"عربي بوست"، "تدخل عدد من القادة في الإطار التنسيقي لحل الخلاف بين العامري والمالكي، وتم حل المسألة في نهاية الأمر، وحصل الجميع على ما يريد".
وفي النهاية، حصل ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه نوري المالكي على وزارة النفط، ووزيرها حيان عبد الغني، ووزارة الشباب والرياضة لأحمد المبرقع، أما بالنسبة لوزارة الزراعة فذهبت لعباس جبر.
من جهة أخرى، تم تعيين رزاق محيبس، المنتمي إلى تحالف فتح، الذي يترأسه هادي العامري، على رأس وزارة النقل، وبذلك يكون العامري حصل على وزارة واحدة فقط في حكومة العراق الجديدة.
وكانت منظمة بدر، التي يترأسها هادي العامري، قد سيطرت على وزارة الداخلية في أغلب الحكومات، لكن في الحكومة الجديدة رفض رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني، ترشيحات هادي العامري لرئاسة وزارة الداخلية.
يقول مصدر مقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، إن "العامري قدم مرشحيه لوزارة الداخلية كما جرت العادة، لكن جميع الترشيحات تم رفضها من قبل السوداني، الذي أصر على اختيار وزير الداخلية بنفسه بدون تدخل من أحد من قادة الإطار".
كيف اختار السوداني وزارة الداخلية؟
كشف مصدر مقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، أنه "بعد الكثير من الشد والجذب، وافق قادة الإطار التنسيقي على اختيار السوداني لوزير الداخلية، لأنه رأى أن وزارة الداخلية يجب أن تتحلى ببعض الحيادية، لذلك من الضروري أن تبتعد عن منظمة بدر".
وكان دائما ما يُنظر إلى وزارة الداخلية العراقية على أنها مخترقة من قِبل إيران، لسيطرة منظمة بدر برئاسة هادي العامري، على هذه الوزارة، لكن بحسب السياسيين والمسؤولين العراقيين، نجح السوداني في فرض مرشحه لوزارة الداخلية، وهو عبد الأمير الشمري.
أيضاً يقول مصدر "عربي بوست" إن "محمد شياع السوداني، أصر على ترشيح وزير المالية دون تدخل أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي، ورفض كل الأسماء التي تم رُشحت له، ووصفهم بأنهم مجرد موظفين وليسوا وزراء".
وأضاف المصدر نفسه أن "قادة الإطار التنسيقي فرضوا مرشحيهم في العديد من الوزارات، ومارسوا الكثير من الضغوط على السوداني، لكنه أصر على تعيين وزراء المالية والداخلية بنفسه".
اختار محمد شياع السوداني، طيف سامي، لتولي وزارة المالية، وهي التي نالت جائزة وزارة الخارجية الأمريكية للمرأة الشجاعة، وكان يُطلق عليها لقب "المرأة الحديدية" عندما كانت تعمل في الوزارة.
ماذا عن باقي الحقائب الوزارية؟
ذهبت وزارة الصحة التي كان يُسيطر عليها التيار الصدري في السابق، إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهو واحد من أبرز الأحزاب السياسية الشيعية، ويترأسها الشيخ همام حمودي.
أما وزارة العمل فذهبت إلى أحمد الأسدي، وهو عضو كلتة السند الوطني في البرلمان العراقي، والذي كان يُصر على تولي وزارة الزراعة، لكن السوداني رفض بقوة.
أما بالنسبة إلى فصيل عصائب أهل الحق، وهو فصيل شيعي مسلح مقرب من إيران، ويترأسه قيس الخزعلي، الذي كان مُتعاوناً مع السوداني، حسب مصدر "عربي بوست"، فقد حصل على وزارة التعليم العالي.
وقال المصدر نفسه إن "الخزعلي لم يدخل في منافسة على الوزارات المهمة مثل المالية والنفط وغيرهما، واختار وزارة التعليم العالي، لكن في الوقت نفسه نصب عينيه على جهاز المخابرات وجهاز الأمن الوطني".
وكان يتولى جهاز المخابرات العراقي، رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، والذي اتهمته الفصائل المسلحة الشيعية من بينها عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، بالتورط في عملية اغتيال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس.
وإلى الآن لم يقم رئيس الوزراء العراقي بتعيين رئيس لجهاز المخابرات وجهاز الأمن، لكن مصادر أمنية عراقية قالت لـ"عربي بوست"، إن "السوداني قام في الساعات الأولى من يوم أمس السبت بإقالة عدد كبير من المسؤولين في جهاز المخابرات، والمحسوبين على فريق مصطفى الكاظمي".
يقول قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، "قريباً ستتمكن عصائب أهل الحق، من السيطرة على جهاز المخابرات والأمن، الخزعلي يقف بكل ثقله وراء السوداني، ولا بد للأخير أن يعطي المكافأة القيمة لداعميه".
ماذا عن أقوى منصبين في الحكومة؟
إلى الآن، لم يقم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة العراقية الجديد، بتعيين رئيس لمكتبه، أو ما يسمى ديوان رئاسة الوزراء، وهو منصب هام وحساس.
يقول مصدر مقرب من السوداني، لـ"عربي بوست"، "لم يحسم السوداني أمره إلى الآن في مسألة المرشح لرئاسة مكتب رئاسة الوزراء، لكن هناك ضغوط كبيرة عليه من قبل المالكي والخزعلي لترشيح شخص مقرب منهما".
وبحسب المصدر ذاته، فإن "هناك صراعاً خفياً بين المالكي والخزعلي على هذا المنصب، فالسوداني يعلم مدى أهمية هذا المنصب، وأن وجود شخص مقرب من المالكي أو الخزعلي به يعني تقييداً؛ لذلك فالاختيار صعب حتى الآن".
هناك منصب آخر مهم، وهو أمين مجلس الوزراء، والذي يتولاه إلى الآن حميد الغزي، "هذا المنصب خطير وهام للغاية، فهو الذي ينسق بين الوزارات، ويساعد رئيس الوزراء في تنفيذ برنامجه لعمل الحكومة"، يقول مصدر "عربي بوست".
الحكومة الثالثة للمالكي
أثناء تقديمه لوزراء حكومته، وعد محمد شياع السوداني، بمحاربة الفساد الذي دمر العراق، والعمل على الإصلاحات وتحسين الخدمات العامة، لكن البعض لا يرى أنه قادر على ذلك.
يقول مسؤول حكومي سابق لـ"عربي بوست"، إن "السوداني رجل سياسي قدير، وله تاريخ طويل في العمل الإداري، لكن الرجل تعرض لضغط كبير من أجل تنفيذ رغبات الإطار التنسيقي، والعمل على الإصلاحات يضر بالمصالح السياسية والمالية لهذه الأحزاب، لذلك من الصعب توقع أن تقدم حكومة السوداني الكثير".
ووصف المسؤول الحكومي السابق، حكومة السوداني بأنها أشبه بحكومة ثالثة للمالكي، الذي تولى ولايتين لرئاسة الوزراء من عام 2006 إلى 2014، فبصمة المالكي في الحكومة الجديدة واضحة وبشدة، لم يستطع السوداني التخلص منها".
كما أشار السوداني إلى إمكانية إجراء انتخابات مبكرة بعد عام واحد، وهذا مطلب رجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدر، لكن يرى البعض أن السوداني غير جاد في هذا الأمر.
يقول سياسي شيعي بارز لـ"عربي بوست"، "أراد السوداني إيصال رسالة لتهدئة مقتدى الصدر، عندما قال إنه سيدعو إلى انتخابات مبكرة بعد عام من الآن، لكن لا أعتقد أن يفي بوعده، لأنه يُحاول تجنب تحريك الصدر للشارع ضده".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”