حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة ألقاها أمس الأربعاء 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، معالجة الانقسام القائم بين مكونات المجتمع الفرنسي، فأثنى على "المسلمين" الذين ماتوا من أجل البلاد في الحرب العالمية الأولى في إشارة منه إلى المواطنين "المغاربة" الذين شاركوا بالحرب، حسب ما نشرته صحيفة The Times البريطانية.
جاءت كلمة الرئيس الفرنسي بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لإنشاء مسجد باريس الكبير، وقال فيها إن تضحيات هؤلاء الجنود كانت الأساس الذي بُنيت عليه فرنسا، وكانت رسالة ماكرون موجهة إلى نحو ستة ملايين مسلم في فرنسا بزعم إبعادهم عن التطرف، فيما أكد في الوقت نفسه أنهم أحرار في ممارسة عقيدتهم بالبلاد.
كما استذكر ماكرون قصة افتتاح الصرح عام 1926 وسط مشاهد من الفرح، وقال إن حفل الافتتاح كان "بياناً للعالم بأنه يمكنك أن تكون فرنسياً ومسلماً في الوقت نفسه". لكنه أقر بأن "بعض الشقوق" نالت من نسيج المجتمع في آخر السنوات، واتخذ مثالاً على ذلك مزاعم الحكومة التي يتفق معها بأن دعاة "متطرفين" على الإنترنت يحرضون التلاميذ المسلمين على ارتداء العباءات في المدارس الفرنسية.
وقال ماكرون إن القوانين المصممة لتوطيد العلمانية، مثل حظر ارتداء التلاميذ للحجاب الإسلامي، ينبغي ألا تُرى اعتداء على الدين، "فالمسلمون ليسوا في جهة والشعب الفرنسي في جهة أخرى، بل هناك توافق بين فرنسا والإسلام".
وقال ماكرون: "سنبذل قصارى جهدنا لضمان أن يتمكن المسلمون من ممارسة عقيدتهم في سلام. والدولة [الفرنسية] إلى جانبكم".
انقسام في فرنسا
ويشار إلى أن هذه القضية أصبحت باعث خلافٍ وانقسام، فالرئيس الفرنسي المحسوب على تيار الوسط السياسي بات عالقاً من جهةٍ بين اليمينيين الذين يتهمونه بالتقاعس عن بذل ما يكفي لمواجهة "المسلمين المتطرفين" على حد وصفهم، ومن الجهة الأخرى يدفع بعض المسلمين بأن القيم العلمانية الفرنسية ساقت البلاد إلى سياسات تمييزية؛ مثل القانون الذي وضع في عام 2011 ويحظر على المسلمات ارتداء البرقع في الأماكن العامة.
ويُقال إن ماكرون سعى إلى اتخاذ طريق وسط بين الاثنين، فندَّد بمن أسماهم المتطرفين وقال إنهم "يستخدمون الدين… لمحاربة الجمهورية [الفرنسية]… بمشروع قائم على الكراهية وبث الفرقة"، واستنكر "خطاب الكراهية" الذي ينشره الشعبويون، في إشارة واضحة إلى أمثال مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.
وحث ماكرون الفرنسيين على "احترام تاريخ البلاد ومبادئها"، ونبذ التعصب وإعلاء "الأخوة".
ووُضع حجر الأساس الأول لمسجد باريس الكبير قبل 100 عام اعترافاً بدور الجنود المسلمين في القتال من أجل فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى.
وجنَّدت فرنسا نحو 300 ألف مسلم من المستعمرات الفرنسية، مات منهم نحو 100 ألف، منهم 70 ألفاً في معركة فردان وحدها.
وقال ماكرون بعد زيارة معرض يروي تاريخ تأسيس المسجد، إن "تضحيات هؤلاء الجنود الذين لن ننساهم أبداً كانت جزءاً من أساس البناء الذي قامت عليه فرنسا الحديثة".