بعد عام من الجمود السياسي في العراق، منذ إجراء الانتخابات البرلمانية العامة في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، استطاع مجلس النواب العراقي، بعد الكثير من الأحداث الدامية، انتخاب رئيس للجمهورية، والذي بدوره، بحسب الدستور العراقي، تم تعيين رئيس الوزراء العراقي والخطوة المقبلة هي تشكيل حكومة عراقية جديدة، تكون الحكومة السابعة منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003.
ولكن تبقى تساؤلات عن الطريقة التي تم انتخاب رئيس الجمهورية بها في اللحظات الأخيرة، وهل سيقدر محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الجديد، أن يشكل حكومة إصلاح؟ وماذا عن نصيب الصدريين من وزارات الحكومة الجديدة؟
محمد شياع السوداني.. المرشح المفضل لخصوم الصدر
بحسب الدستور العراقي، بعد انتخاب رئيس الجمهورية وهو بالمناسبة منصب شرفي، يقوم الرئيس الجديد بتعيين رئيس الوزراء الذي تم الاتفاق عليه من قبل أكبر كتلة برلمانية، وهي حالياً الإطار التنسيقي الشيعي، بعد استقالة نواب التيار الصدري الذين كانوا قبل الاستقالة الجماعية، في شهر يوليو/تموز الماضي، أكبر كتلة برلمانية، ومن ثم يكون أمام رئيس الوزراء الجديد 30 يوماً لتشكيل حكومته، والذهاب بها إلى البرلمان للتصويت عليها، ومنحها الثقة اللازمة لبدء عملها.
بعد الحركة الاحتجاجية الجماهيرية واسعة النطاق، أو ما يعرف باسم "حركة تشرين"، والتي طالبت بإسقاط النظام السياسي العراقي الحالي، وقدم عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء آنذاك، على إثرها استقالته، تم طرح اسم السوداني كمرشح وسط لرئاسة الحكومة، خاصة بعد استقالته من حزب الدعوة الإسلامية، ويعلن استقلاله عن النخب السياسية الحالية.
في هذا الصدد، يقول قيادي بارز في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، "في عام 2019، عندما تم طرح اسم السوداني، خاصة بعد استقالته من حزب الدعوة وتأسيس حزب الفراتين الخاص به، رفض نوري المالكي ترشح السوداني، بالرغم من قرب الأخير من المالكي، زاعماً أن السوداني غير مؤهل لتولي هذا المنصب".
لكن الآن، وافق نوري المالكي، بحسب السياسيين العراقيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، على ترشيح محمد شياع السوداني، بالرغم من رفض مقتدى الصدر لهذا الترشيح.
يقول سياسي عراقي شيعي مقرب من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، "في المرحلة الحالية، السوادني هو أفضل خيار كرئيس للحكومة، الرجل لديه سجل نظيف من خلال عمله في الوزارات المختلفة، كما أنه مستقل، ولديه حزب مستقل خاض الانتخابات بشكل مستقل، وحصل على عدد من المقاعد، الكثيرون داخل الإطار التنسيقي يرون أنه الخيار الأفضل لتولي الحكومة".
الصدريون: السوداني رجل المالكي في الحكومة
على الجهة المقابلة، في التيار الصدري، الذي على ما يبدو أنه سيتم استبعاده من الحكومة المقبلة، مازال مقتدى الصدر والعديد من قادة التيار الصدري يرفضون السوداني رئيساً للحكومة.
يقول قيادي في التيار الصدري لـ"عربي بوست": "السوداني ظِل المالكي، ورجله في الحكومة، هو المرشح المفضل للمالكي في المقام الأول، وترشيحه كان ضمن خطة الإطاحة بالصدريين من الحكومة، والتي يحارب المالكي لتنفيذها بأسرع وقت".
وبحسب قيادي ثانٍ في التيار الصدري، فإنهم يتوقعون الإطاحة بالصدريين من المناصب الإدارية المتواجدين بها حالياً من قبل السوادني وحكومته، فيقول لـ"عربي بوست"، "المالكي وحلفاؤه يريدون إنهاء وجود التيار الصدري من الحياة السياسية والمناصب الحكومية تماماً، والسوداني هو أداة المالكي لتنفيذ هذا المخطط، لكننا لن نجلس مكتوفي الأيدي".
جدير بالذكر أن التيار الصدري، وبحسب العديد من المسؤولين والسياسيين العراقيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، في تقارير سابقة، يسيطر على العديد من المناصب الإدارية الهامة داخل هيكل الدولة، ولديه مئات من المناصب.
وفي هذا الصدد، يقول مسؤول حكومي سابق، لـ"عربي بوست": "بالطبع سيحاول المالكي إنهاء النفوذ الصدري من المؤسسات الحكومية، وبالطبع لن يستطيع السوداني الذي يدين بالفضل للمالكي رفض طلبه هذا، وفي نفس الوقت لا أتوقع أن يظل مقتدى الصدر صامتاً حيال هذا الأمر، لذلك أتوقع أن نشهد المزيد من الاحتجاجات والاضطرابات في الأشهر القادمة".
هل سينجح السوداني في تشكيل حكومة إصلاح؟
بعيداً عن رفض التيار الصدري، أو كون محمد شياع السوداني المرشح التوافقي المفضل لخصوم مقتدى الصدر في الإطار التنسيقي الشيعي، هناك تساؤل مهم يدور في أذهان العراقيين الآن، هل سينجح السوداني في تشكيل حكومة إصلاح، وبعبارة أخرى: هل يمكن لحكومة السوداني أن تكون جيدة بالنسبة للعراق؟
بالنظر إلى سجل محمد شياع السوداني في مناصبه السابقة، نرى أن الرجل لم يتم توجيه أي اتهامات له بالفساد كغيره من الوزراء، كما أن فترات عمله في الوزارات المختلفة كانت فترات هادئة ومستقرة، لا يشوبها الكثير من الأحداث الصاخبة.
في هذا الصدد، يقول مسؤول عراقي سابق مقرب من الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست": "صحيح أن السوداني ليس لديه أي تاريخ مع الفساد، خلال عمله الوزاري، لكن في نفس الوقت، ليس لديه إنجازات كبيرة في الوزارات التي شغلها".
كما يرى محمد عدنان، المحلل السياسي المقيم بالعراق، أن مهمة السوداني في تأمين حكومة إصلاحية شبه مستحيلة، فيقول لـ"عربي بوست": "صحيح أن السوداني يتمتع بخبرة إدارية كبيرة، لكن منصب رئاسة الحكومة خطوة كبيرة بالنسبة له، وبالرغم من أنه أعلن استقلاله من قبل، لكن المالكي هو من دفع به إلى هذا المنصب، ويتعين عليه دفع ثمن هذه الخطوة، بعبارة أخرى لن يستطيع السوداني التخلص من سيطرة المالكي على الحكومة المقبلة بسهولة".
يجب على رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، والذي جاء بناء على ترشيح الإطار التنسيقي الشيعي، توزيع الحقائب الوزارية على الأحزاب التي دعمته للوصول إلى منصبه، وهذه مهمة شاقة للغاية، من جهة يحاول إرضاء الأحزاب التي وقفت خلفه ودفعت به إلى هذا المنصب، ومن جهة أخرى يجب عليه أن يشكل حكومة مستقلة إلى حد ما، تكون قادرة على قيادة بعض الإصلاحات في العراق، الذي تحيط به العديد من المشكلات الرئيسية، على رأسها أزمة الجفاف التي تضرب أنهار البلاد، ومحاربة الفساد الذي عانى منه العراقيون منذ سنوات طويلة.
يقول المسؤول العراقي السابق لـ"عربي بوست": "السوادني أمام معادلة صعبة، الأحزاب التي دفعت به تريد الحفاظ على الاستمرار في مناصبها وتأمين الموارد المالية لها، وهذا يتعارض مع أي خطط لمكافحة الفساد والقيام بإصلاحات جادة".
وعلى ما يبدو فإن السوداني قد بدأ في اختبار هذه المصاعب بسرعة كبيرة، كان من المفترض أن أمامه مهلة 30 يوماً لتشكيل حكومته وعرضها على البرلمان لمنحها الثقة، لكن بحسب مصدر سياسي مقرب من الإطار التنسيقي الشيعي، فإن السوداني سيقدم حوالي 15 وزيراً يوم السبت المقبل، وستبدأ الحكومة في عملها مع استكمال الوزراء الباقين في وقت لاحق.
لكن ما سبب هذا الاستعجال؟ يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "وصل إلى قادة الإطار التنسيقي نية أنصار مقتدى الصدر القيام بمظاهرات واسعة في الأيام المقبلة، لذلك أرادوا الانتهاء سريعاً من تشكيل الحكومة الجديدة، لضمان عدم انهيارها قبل تشكيلها".
ويضيف المصدر قائلاً: "الإطار التنسيقي مصمم على إنجاح الحكومة المقبلة، ويعلقون الآمال على السوداني لتفادي أي تدهور للعراق في الأسابيع والأشهر القادمة".
كواليس اختيار الرئيس في ظل أزمة الأكراد
أولاً عقد مجلس النواب العراقي جلسة اختيار رئيس الحكومة، في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022، لكن كادت هذه الجلسة أن تفشل بسبب الأزمة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين على منصب رئيس الجمهورية، المخصص للأكراد منذ عام 2003.
منذ بداية الأزمة السياسية في العراق، أي بعد الانتخابات العامة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، دخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي يعتبر أكبر حزب في إقليم كردستان العراق المستقل والمتمتع بالحكم الذاتي نسبياً، في صراع مع منافسه الأضعف، الاتحاد الوطني الكردستاني، على منصب رئيس الجمهورية.
ما التسوية التي نجحت في إنقاذ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية؟
لكن ما التسوية التي نجحت في إنقاذ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية؟ يقول قيادي سياسي بارز في الإطار التنسيقي الشعبي لـ"عربي بوست": "كان حلفاؤنا في الاتحاد الوطني الكردستاني يصرون على إعادة ترشيح برهم صالح، وهذا ما كان يثير عناد الحزب الديمقراطي الكردستاني، ودفعهم إلى التمسك بترشيح ريبير أحمد، المرفوض من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني".
وبرهم صالح هو الرئيس العراقي السابق الذي ترك منصبه منذ أيام قليلة، بعد انتخاب الرئيس الجديد، وهو سياسي بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني، وليس على وفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني.
يقول مسؤول كردي في الاتحاد الوطني الكردستاني، ومقرب من الرئيس السابق برهم صالح لـ"عربي بوست": "الحزب الديمقراطي الكردستاني يكره برهم صالح، لأنهم يرون أنه يقف ضد مصالحهم في الحكومة الفيدرالية، لهذا السبب كانوا يصرون على ترشيح مرشح من الحزب الديمقراطي الكردستاني للإطاحة ببرهم صالح، المرشح المفضل لدى الاتحاد الوطني الكردستاني".
لكن في الساعات الأخيرة توصل قادة الإطار التنسيقي الشيعي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى صفقة تضمن لجميع الأطراف مصالحهم.
يوضح سياسي شيعي في الإطار التنسيقي، كان حاضراً هذه المفاوضات، لـ"عربي بوست": "استطعنا إقناع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني بترشيح مرشح آخر غير برهم صالح، وفي نفس الوقت يكون مرحباً به من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، لأن هذه هي الحالة الوحيدة التي سيوافق فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني على التنازل عن منصب رئيس الجمهورية".
رشح الاتحاد الوطني الكردستاني، عبد اللطيف رشيد، كخيار أوسط، في هذا الصدد يقول قيادي بارز في الإطار التنسيقي، ومقرب من نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، لـ"عربي بوست": "استطاع السيد المالكي إقناع بافل طالباني بترشيح عبد اللطيف رشيد، كمرشح مرحب به من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقبل بافل الأمر".
جدير بالذكر، أن بافل طالباني وهو رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وافق بعد مفاوضات استمرت لساعات على ترشيح عبد اللطيف رشيد، الذي تم طرح اسمه أيضاً من قِبل الحزب الديمقراطي الكردستاني.
يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": إن رشيد سياسي عاقل، وبالرغم من أنه صهر جلال طالباني فإنه بعيداً عن الصراع السياسي بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
عبداللطيف رشيد، متزوج من شقيقة زوجة جلال طالباني، مؤسس الاتحاد الوطني الكردستاني، ورئيس العراق سابقاً (2005-2014)، وكان الوزير السابق للموارد المائية في الحكومة الفيدرالية في بغداد.
يعلق مسؤول حكومي عراقي على اختيار عبد اللطيف رشيد، فيقول لـ"عربي بوست": "رشيد سياسي هادئ، لا يتدخل في أي صراع، ولا يهدد مصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني، لذلك وافق عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني كحل وسط للأزمة الكردية".
270 نائباً شاركوا في التصويت على رئيس الجمهورية
بعد الموافقة على ترشيح عبد اللطيف رشيد، سحب ريبير أحمد، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني ترشحه من البرلمان، وتم التصويت على السيد رشيد مقابل برهم صالح، حصل رشيد بعد جولة ثانية من التصويت السري في البرلمان، على 162 صوتاً، بينما حصل صالح على 99 صوتاً فقط.
يقول مصدر برلماني عراقي لـ"عربي بوست": "شارك حوالي 270 نائباً في التصويت على رئيس الجمهورية؛ ما يؤمّن النصاب القانوني لاختيار رئيس الجمهورية".
تجدر الاشارة هنا إلى أن المحكمة الاتحادية العليا العراقية، قد أصدرت قانوناً تفسيرياً في الأشهر الماضية، بضرورة أن يكون النصاب القانوني لجلسة اختيار رئيس الجمهورية ثلثي أعضاء البرلمان، وهو الأمر الذي عطل مقتدى الصدر وتحالفه مع السنة والأكراد في التصويت على رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة أغلبية وطنية، بعد مقاطعة نواب الإطار التنسيقي الشعبي لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية؛ ما دفعه في النهاية إلى مغادرة البرلمان.
من هو السوداني؟
كان محمد شياع السوداني هو المرشح المفضل للإطار التنسيقي الشيعي، والذي رفضه التيار الصدري في وقت سابق، وترتب على هذا الرفض الاحتجاجات الدامية التي قام بها أنصار مقتدى الصدر، واقتحامهم للمنطقة الخضراء شديدة التحصين في العاصمة بغداد، وما تلاها من اشتباكات مسلحة بينهم وبين القوات الأمنية الحكومية والفصائل المسلحة الشيعية من خصوم مقتدى الصدر، في نهاية شهر أغسطس/آب الماضي.
ولد محمد شياع السوداني في عام 1970، في محافظة ميسان، جنوبي العراق، كان لعائلته تاريخ من النضال ضد نظام صدام حسين، وقد تم إعدام والده من قبل قوات صدام حسين وهو في سن العاشرة، وفي مرحلة شبابه شارك في الثورة الشعبانية عام 1991، وهي ثورة شيعية ضد حكم صدام حسين.
لم يغادر السوداني العراق حتى الغزو الأمريكي لبلاده والإطاحة بنظام صدام حسين، مثلما فعل العديد من السياسيين الشيعة العراقيين، وبذلك يصبح أول رئيس وزراء عراقي ظل في العراق أثناء وبعد حكم صدام حسين.
بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، تولى السوداني العديد من المناصب الإدارية، وتولى منصب محافظ محافظة ميسان، وفي وقت لاحق تولى وزارة حقوق الإنسان في حكومة نوري المالكي الثانية (2010-2014)، وبعدها تولى منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي.
كان السوداني حتى وقت قريب عضواً في حزب الدعوة الإسلامية، الذي يترأسه حالياً نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وزعيم ائتلاف دولة القانون، الإطار التنسيقي الشيعي والخصم اللدود لرجل الدين الشيعي والسياسي المثير للجدل مقتدى الصدر.