كشفت وثائق من سجلات حكومية بريطانية أن المسؤولين كانوا يرون منذ خمسينيات القرن الماضي، أنه "من المحتم" أن تصبح القدس عاصمة لإسرائيل ذات يوم، ولذلك فقد حددوا قطعة أرض بالقدس لاستخدامها سفارةً للبلاد في المستقبل.
الوثائق التي اطَّلع عليها موقع Middle East Eye البريطاني، تتناول بالتفصيل المفاوضات بين الحكومتين البريطانية والإسرائيلية بشأن نقل الأصول المملوكة لبريطانيا منذ عهد الانتداب على فلسطين، وتفاصيل استقرار المسؤولين في البداية على قطعة أرض بالمنطقة المعروفة آنذاك باسم "ثكنات اللنبي" في جنوب القدس، لتكون الموقع المحتمل للسفارة.
غير أن هذا الموقع الذي كان معروفاً باسم منطقة "مساكن المتزوجين"، بيع في نهاية المطاف ضمن مجموعة أراضٍ بيعت إلى الحكومة الإسرائيلية في صفقة أُجريت بين الطرفين عام 1965، ثم أُجِّر للحكومة الأمريكية لاحقاً، وهو الآن الموقع المقترح لمجمع السفارة الأمريكية الجديدة بالقدس.
لكن الوثائق التي اطلع عليها الموقع البريطاني وكشف تفاصيلها هذا الأسبوع، تشير إلى أن الحكومة البريطانية احتفظت بملكية حزام الأراضي المجاورة للموقع، والمسماة "قطعة الأرض البرتقالية"، والتي صارت الموقع المفضل لإقامة السفارة لدى المسؤولين البريطانيين في ذلك الوقت.
يأتي الكشف عن هذه الوثائق في وقت أعلنت فيه رئيسة وزراء بريطانيا، ليز تراس، عن تفكير حكومتها في نقل موقع السفارة البريطانية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وقد أثار ذلك الإعلان جدلاً كبيراً وتساؤلات متجددة عن حقيقة السياسة البريطانية بشأن الوضع في القدس على مدى عقود، وقابله كثير من الفلسطينيين بالاستياء الشديد.
يشار إلى أن رئيسة الوزراء البريطانية، ليز تراس، أعلنت الخميس 20 أكتوبر/تشرين الأول 2022، استقالتها من زعامة حزب المحافظين، وذلك بعد 6 أسابيع من تسلمها منصبها.
موقف متناقض لدى لندن
في معرض التعليق على هذه الأخبار، قالت حنان عشراوي، مفاوِضة السلام السابقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، إنه "إذا صحَّ ذلك، فإن الأمر يمكن وصفه بأنه مشهد آخر من مشاهد النكبة بمعنى ما، فهو استمرار لسرقة فلسطين والتفريط في أراضيها".
كان الموقف المعلن من بريطانيا منذ أمد طويل، هو التماشي مع الاتفاقيات الدولية التي تقتضي تحديد وضع القدس بعد إتمام مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن نقل السفارة من تل أبيب إلى مدينة القدس المقسمة سيكون اعترافاً فعلياً بأنها عاصمة لإسرائيل.
قالت عشراوي إنها لم تفاجأ حين علمت أن الحكومة البريطانية كانت تحتفظ خفيةً بقطعة أرض في القدس وأنها خصصتها لتكون موقعاً لسفارتها، ووصفت ما كُشف عنه بأنه ضرب من "الاستمرار في الظلم الاستعماري"، "فقد كان البريطانيون مَن تنازلوا عن فلسطين منذ البداية، لكنني ظننت أنهم سيدركون أن عصر الاستعمار قد انتهى، وأن الجدير بهم هو السعي لتفكيك الوضع الاستيطاني الاستعماري في فلسطين، وليس تعزيزه".
خطوات قانونية ضد لندن
في غضون ذلك، كشفت صحيفة The Guardian البريطانية أن مجموعة قانونية مناصرة لحقوق الفلسطينيين أرسلت خطاباً إلى ليز تراس؛ لإخبارها بأنهم عازمون على اتخاذ إجراءات المشورة القانونية لمنع أي تحرك حكومي بريطاني في مسار نقل السفارة البريطانية في إسرائيل إلى القدس.
يأتي ذلك بعد أن أعلن "المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين" عن مشاورات قانونية لتعزيز حجته بأن خطوة نقل السفارة ستكون انتهاكاً دولياً من الحكومة البريطانية لالتزاماتها بالقانون الدولي.
أورد المركز أن لديه أسباباً وجيهة للقول بأن نقل السفارة إلى القدس ينطوي على انتهاك لالتزام المملكة المتحدة بالقانون الدولي، لأنه يعني الاعتراف بتدابير تشريعية وإدارية أحادية الجانب وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل بمفردها فيما يتعلق بالقدس. وينتهك أيضاً التزام بريطانيا باتفاقيات جنيف، التي تقتضي احترام اتفاقيات الأمم المتحدة من جميع الدول، حتى تلك الدول من خارج أطراف النزاع.
شملت الإجراءات الإسرائيلية المشار إليها القانون الأساسي الذي أقرته في عام 1980 وأعلنت فيه أن القدس هي عاصمة إسرائيل "الكاملة والموحدة"، غير أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أعلنا مراراً بطلان هذه الإجراءات.
قال كريسبين بلانت، النائب البريطاني عن حزب المحافظين والمسؤول في مركز العدالة، إن "هذا الرأي القانوني الصادر عن مستشار قانوني مستقل، وخبير في هذا المجال، يعزز المخاوف الهائلة من مخاطر دبلوماسية ودينية وسياسية ينطوي عليها قرار التفكير في نقل سفارة بريطانيا بإسرائيل من تل أبيب إلى القدس".
ويرى بلانت أن "مجرد الكشف عن أن بريطانيا تفكر بجدية في هذا الأمر قد تسبب في إلحاق ضرر جسيم بسمعتها، ونال من قدرتها على أداء مهمتها طويلة الأمد بالحفاظ على قدر من التوازن حيال تطلعات الفلسطينيين التي تعرضت للخيانة، لا سيما فيما آلت إليه الأمور من واقع محزن خلال القرن الذي أعقب وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا. ومن ثم فإن مسألة التفكير في نقل السفارة يجب أن تنتهي الآن بالعودة إلى تأييد الوضع القائم".