أثارت كلمة وزير التربية والتعليم الفني المصري، رضا حجازي، في الجلسة العامة لمجلس النواب، الثلاثاء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تحفظات بين أولياء أمور الطلبة، بعد فتح ملف الدروس الخصوصية ومشاكل التعليم.
اعترف الوزير بالتعليم الموازي، متمثلاً في مراكز الدروس الخصوصية التي تجذب إليها ملايين الطلاب سنوياً، وكشف عن قرب تقنين أوضاعها رسمياً، في خطوة تمهد لأن يكون التعليم الموازي حاضراً بقوة، وقد يسبق في الأهمية المدارس الحكومية التي تستقطب الفقراء، وتعاني تدهوراً ملحوظاً في أوضاعها.
وبعد قرار الوزير تعالت أصوات تتساءل لماذا تتخذ الحكومة هذه الخطوة، على الرغم من أن وزارة التربية والتعليم كانت تروج لفكرة القضاء على الدروس الخصوصية، وقد أخذت بالفعل خطوات عملية وقامت بتشميع عدد من المراكز المعنية بتقديم خدمات الدروس تلك، فما الذي تغير في سياسة الوزارة؟
وأدلى حجازي ببيان أمام مجلس النواب المصري، الثلاثاء، كشف فيه عن جملة من الإجراءات التي ستتخذها الوزارة خلال الفترة المقبلة، بالتوافق مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، وعلى رأسها "ترخيص سناتر الدروس الخصوصية من قبل الحكومة، حيث يتم إعطاء المعلم ترخيصاً للعمل".
47 مليار جنيه خارج تحكم الدولة
وأرجع ذلك إلى أن "فاتورة الدروس الخصوصية في مصر تصل إلى 47 مليار جنيه سنوياً، ولا تعلم الحكومة أو الوزارة عنها شيئاً"، ما يشير إلى نوايا الحكومة الاستفادة من تلك العوائد، عبر فرض ضرائب على المراكز التي تستضيف الدروس، وكذلك على المعلمين الذين يعملون بها.
وذهب حجازي إلى أبعد من ذلك، حينما أكد أن وزارته ستُغير اسم "مجموعات التقوية" (وهي حصص إضافية يحصل عليها الطلاب داخل المدرسة بمقابل مادي رمزي، وتشكل أحد الخيارات المحدودة التي أمسك بها الوزراء السابقون للحد من انتشار الدروس الخصوصية)، إلى "مجموعات الدعم"، وسنقوم بإسناد الإشراف عليها لشركات خاصة، وفقاً لشروط سيتم وضعها.
التخلي عن تعليم الفقراء
وعبّرت تصريحات وزير التربية والتعليم الحالي عمّا كان يدور في أذهان المواطنين، من أن الدولة في طريقها للتخلي عن تعليم الفقراء، بعد أن تركت الكثافات تتضاعف بصورة هائلة داخل المدارس، وغضت طرْفها عن العجز المتصاعد في أعداد المعلمين، والذي وصل إلى أكثر من 300 ألف معلم وفقاً لأرقام رسمية.
وسط توقعات بأن يفوق الواقع تلك النسب، إلى جانب إهمال بنياتها وتركها عرضة للسقوط، دون أن تلتزم بالحد السنوي المقرر لإنشاء مدارس جديدة، ونهاية بإتاحتها الفرصة أمام المستثمرين لبناء مدارس حكومية، مقابل مصروفات تقول إنها زهيدة.
يقول خبير تربوي، رفض ذكر اسمه، إن قرارات وزير التعليم الأخيرة جاءت لتنفيذ سياسة النظام الحالي، الذي رفع شعار "لا خدمات بدون مقابل"، لاسيما حين تحدث وزير التربية والتعليم السابق طارق شوقي بشكل غير مباشر، حينما تحدث عن أن التعليم "سلعة تخضع للعرض والطلب".
وهو ما يظهر من عدم إقدام الحكومة على تعيين معلمين جدد طيلة السنوات الثماني الماضية، وهو أمر لم يحدث من قبل، وتسبَّب في وجود عجز هائل لم يتم سده إلى الآن، حتى مع الإعلان عن تنظيم مسابقة لتعيين 150 ألف معلم على مدار خمس سنوات تبدأ من العام الحالي، إذ بدأ العام الدراسي الجديد دون تعيين أحد، إلى جانب إلغاء مسابقات أخرى جرى تنظيمها.
التعليم ضحية إملاءات صندوق النقد
ويبرهن المصدر سحب الوزارة قراراتها الخاصة بمنح المعلمين الذين يعملون حصصاً إضافية عن نصابهم القانوني عشرين جنيهاً (دولار واحد) في مقابل الحصة الواحدة، وكذلك عدم منحها حقوق المعلمين الذين تعاقدت معهم بالحصة العام الماضي، وبحثها عن عاملين بالتطوع.
وطرح حجازي خلال بيانه الذي ألقاه أمام البرلمان حلاً لمشكلة عجز المعلمين، تمثّل هذه المرة في تقليل مدة الدراسة بكليات التربية، لتصبح 3 سنوات فقط بنظام الساعات المعتمدة، ويكون العام الرابع بمثابة تدريب عملي لدى وزارة التربية والتعليم، وهو ما يساعد في سد العجز في عدد المعلمين، بحيث لا تتكفل الوزارة بأي ميزانيات مالية نظير عمل هؤلاء في المدارس، بعد أن عزف المتطوعون وكذلك مدرسو الحصة عن طلبات العمل بالمدارس، لعدم حصولهم على أي حقوق مالية.
وعلق المفكر السياسي عمار علي حسن في تدوينة له عبر حسابه على موقع التغريدات "تويتر"، قائلاً: "إن الحكومة تتراجع تدريجيّاً في تمويل التعليم، في انتهاك صريح للدستور".
الصندوق السيادي يستحوذ على تركة سلاح التلميذ
لا يمكن الفصل بين التوجه الأخير للحكومة المصرية وبين استحواذ صندوق مصر السيادي ومنصة مصر للتعليم (خاصة)، على حصة أغلبية في "سلاح التلميذ"، مطور محتوى التعليم الأساسي، والذي يعد أكثر الكتب الخارجية انتشاراً بين الطلاب، ويشكل أحد آليات التعلم التي لا غنى عنها، مع ضعف محتويات الكتب المدرسية، لتدخل الحكومة بشكل مباشر في بيزنس الكتب الخارجية المكملة للدروس الخصوصية.
تقول أميرة ممدوح، ولية أمر، إلى أن الوزارة اختارت تحقيق مكاسب سريعة لها عبر الاستفادة من أموال السناتر، بعد تقنينها وإرغامها على دفع الضرائب، وذلك على حساب أولياء الأمور الذين انتظروا طيلة السنوات الماضية، على أمل تطوير التعليم، وبعد أن سمعوا وعوداً كثيرة بأن العام 2020 سيكون عاماً للقضاء على الدروس الخصوصية، لكن الذي جرى هو العكس تماماً.
وتضيف أن "الرأي العام لم يكن متوقعاً بأي حال من الأحوال أن يذهب وزير التعليم إلى البرلمان ليعترف أمام نواب الشعب بالتعليم الموازي، الذي يبخس حق المصريين الدستوري في الحصول على تعليم مجاني في مراحل التعليم الأساسي.
وتوقعنا أنه سيواجَه بسيل من الانتقادات، بعد تكرار حوادث الإهمال منذ انطلاق العام الدراسي، وأن يقدم خططاً أمام مجلس النواب لحل أزمة كثافة الفصول المدرسية، لكنه تجاهل هذا الأمر".
خدعة القضاء على الدروس الخصوصية
أثبتت خطوة وزير التعليم الأخيرة أن ما كانت تروج له وزارة التربية والتعليم والأجهزة المحلية الأخرى، من أنها تستهدف القضاء على الدروس الخصوصية، لم يكن حقيقياً.
لأن المراكز التي قامت الأجهزة الأمنية أو المحلية بتشميعها وغلقها أغلبها عاودت العمل في اليوم التالي لإغلاقها، مقابل دفع رشاوى مالية، كما أن خطوات التطوير التي تحدثت عنها الوزارة في السابق، وقالت إنها تهدف للقضاء على الدروس الخصوصية، أسهمت في انتشارها على نطاق أوسع بدلاً من تحجيمها.
وكشفت نتائج بحث الدخل والإنفاق التي أعلنها الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، أن متوسط إجمالي ما ينفقه المصريون نحو 26 مليون أسرة في جميع محافظات الجمهورية، على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية يبلغ نحو 47 مليار جنيه، بنسبة تمثل 37.7% من إجمالي الإنفاق على قطاع التعليم.
مؤشرات النتائج أكدت أن إجمالي متوسط الإنفاق السنوي للأسرة على التعليم في جميع المحافظات يبلغ 5 آلاف و184 جنيهاً، وأن نسبة الإنفاق منها على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية تبلغ 37.7%، بقيمة 1954.368 جنيه للأسرة الواحدة.
وأشارت إلى أن نسبة الإنفاق على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية في الحضر للأسرة الواحدة تبلغ 2314.8 جنيه سنوياً، تمثل 32.2% من قيمة الإنفاق على التعليم في الحضر، وقيمتها 7189.1 جنيه سنوياً، مقابل 1686.33 جنيه، تمثل 45.6% من إجمالي 3698.1 جنيه قيمة الإنفاق على التعليم في الريف.
وبخلاف تلك الأرقام، كان وزير التربية والتعليم السابق طارق شوقي قد قدرها في اجتماع سابق للجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الوزارة عام 2018، بنحو 111 مليار جنيه سنوياً.
تقنين السناتر على خطى ترخيص السايس
يؤكد مسؤول حكومي سابق، رفض ذكر اسمه، أن قرارات الحكومة المرتبطة بالأنشطة الربحية غير الرسمية والظواهر التي تفشل في إخمادها، تشير إلى أنها تلجأ إلى الحل الأسهل والأكثر فائدة بالنسبة لها، دون النظر إلى عوائد ذلك على المجتمع، وأن إقدامها على تقنين الدروس الخصوصية أمر غير مألوف تربوياً، لكن يمكن توقعه في إطار قرارات أخرى أقدمت عليها مثل ترخيص "السايس"، وكذلك فرض ضرائب على اليوتيوبرز والبلوجر.
ويضيف أن مساعي الحكومة للاستفادة من الأنشطة الاقتصادية الموازية ستكون نتائجها كارثية على التعليم، مع عزوف الطلاب عن الذهاب إلى المدرسة، واكتفائهم بالدروس الخصوصية، وكان من الممكن الاستفادة المادية بتقنين تلك المراكز وتوجيهها لتقديم أنشطة تعليمية وتدريبية أخرى، تثقل مهارات المقبلين عليها من كافة المراحل العمرية، ولا ترتبط فقط بالطلاب.
ويشير إلى أن خطوة الحكومة الحالية تبرهن على أنها ليس لديها غضاضة في ترخيص أنشطة غير قانونية أخرى، ما دامت لا تستطيع حظرها ووقفها، وتسعى للاستفادة المالية من ورائها، ومثل هذه القرارات تجعل هناك يقيناً بأن السياسات الاقتصادية لا تدار بفكر استراتيجي، وتنشر مزيداً من القلق بشأن قراراتها الخاصة بالتعامل مع المشكلات والأزمات الداخلية.
وانكشف الهدف الحقيقي وراء قرارات وزير التعليم الحالي، منذ العام الماضي، حينما بدا أن هناك تضارباً في القرارات الحكومية الخاصة بمراكز الدروس الخصوصية.
وفي الوقت الذي أعلن فيه وزير التعليم المصري السابق، طارق شوقي، أنه يحارب الدروس الخصوصية، وسط الحملات التي تشنها أجهزة الدولة لإغلاق المراكز الخاصة، خرجت وزارة المالية لتطالب المدرسين وأصحاب مراكز الدروس الخصوصية بالتوجه إلى مأموريات الضرائب لفتح ملفات ضريبية.
وطالب عدد من نواب البرلمان، مع حالة الغضب الشعبي التي أثارها هذا التعارض، الحكومةَ بتوضيح سياستها وخطتها تجاه الدروس الخصوصية، وانتقدوا حالة التخبط والقلق التي يعيشها أولياء الأمور، ما بين الالتزام بتوجيهات وزارة التربية والتعليم بالتوقف عن الدروس الخصوصية رغم عدم وجود معلمين بالمدارس لشرح المناهج للطلاب نظراً للعجز الكبير في عدد المعلمين، واللجوء للدروس الخصوصية الموكلة إليهم.
الضريبة أولاً
الغريب في الأمر أن مصلحة الضرائب المصرية برّرت ذلك "بأنها ليست مع تقنين المراكز، لكنها تريد الضريبة، واعتبرت أن فتح ملف ضريبي لا يعد سنداً قانونياً لتقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية، وأنها تستهدف الحصول على ضرائب من مليون و900 ألف منشأة تعمل عبر الاقتصاد غير الرسمي، مشيرة إلى أن هدف القرار إدراج تلك المنشآت في الاقتصاد الرسمي.
وتشير إحدى الدراسات، التي أعدها اتحاد الصناعات المصرية، إلى أن حجم الاقتصاد السري أو غير الرسمي يصل لنحو 4 تريليونات جنيه، بما يعادل 60% من حجم الاقتصاد القومي، والمقدر بنحو 400 مليار دولار، أي ما يزيد على 7 تريليونات جنيه.
وبرَّر مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم قرارات الوزارة، بتأكيده أنها تسعى للحصول على عوائد الضرائب لتوجيهها نحو توفير ميزانيات لتعيين معلمين جدد، كما أنها تمضي في الأهداف ذاتها المرتبطة بالحد من الدروس الخصوصية عبر الارتقاء بمجموعات التقوية.
منوهاً بأنها ستستعين بصندوق تمويل المشروعات التعليمية للارتقاء بالمنظومة، والعمل على أن يحصل المعلمون على حقوقهم المادية بعد كل حصة، لجذبهم إليها، مع تأخر صرف عوائدهم المالية، ومن ثم عزفوا عنها خلال العامين الماضيين.
مخاوف أمنية من تجمهر مئات الطلاب أمام السناتر
وذهب المصدر ذاته إلى بعد أمني يتعلق بمخاوف الأجهزة الأمنية من تجمهر مئات الطلاب أمام قاعات السناتر الكبيرة، والتي تصل في بعض الأحيان لأن يتكدس 500 طالب في مكان واحد، وتخشى من أن يشكل ذلك تهديداً يصعب التعامل معه، وأنها تهدف لأن يكون هناك عدد محدد من الطلاب مسموح بحضوره للحصة الواحدة.
واكتفى عدد من النواب بالإعلان عن مواقفهم الرافضة لخطة وزير التعليم، دون أن يكون هناك موقف من نواب الأغلبية، الذين يتبعون حزب مستقبل وطن (ظهير الحكومة)، وانتقد النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أوضاع التعليم في مصر، قائلاً: "ضمير الشعب المصري يرفض أن يكون التعليم مجالاً للتمييز الطبقي بين المواطنين، التعليم في العالم كله واحد للجميع، عدا المدارس الدولية، وإن شرعنة الدروس الخصوصية هي شهادة وفاة التعليم الحكومي".