بعد يوم من انتهاء الإضراب الموسع الذي دعت إليه النقابات العمالية في فرنسا، ما زالت محطات الوقود مُقفلة بسبب إضراب عمال مصافي النفط ومستودعات الوقود المستمر للأسبوع الثاني على التوالي.
وتسبب الإضراب الذي نظمه العاملون في مصافي النفط خلال الأسبوعين الماضيين، في تعطيل توزيع الوقود في جميع أنحاء البلاد، مطالبين بمراجعة الأجور بما يتماشى مع موجة التضخم التي تشهدها البلاد.
وقرر ممثلو الاتحاد العام للعمال الثلاثاء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تمديد حركة الإضراب حتى ظهر اليوم الأربعاء في مصافي المجموعة ومستودعاتها المغلقة حالياً.
غياب الوقود يتسبب في شلل في البلاد
عاين "عربي بوست"، مساء أمس الثلاثاء، وصباح اليوم الأربعاء، التوقف المستمر لمحطات الوقود في العاصمة الفرنسية باريس، بالإضافة إلى استمرار إقفال المستودعات التابعة لشركة "توتال إنيرجي".
3 ساعات أو أكثر هو معدل مدة الانتظار التي يقضيها آلاف السائقين في فرنسا حتى يتمكنوا من تزويد سياراتهم بالوقود منذ أسابيع، إذ باتت المحطات غير المضربة نادرة بشكل متزايد، خاصة في جهة إيل دو فرانس.
وفي جهة إيل دو فرانس أصبح ما يقرب نصف محطات البلاد خارج الخدمة، أما في عموم فرنسا فبلغت نسبة محطات الوقود المضربة عن العمل عموماً الثلث تقريباً.
يقول جان، أحد المواطنين الفرنسيين المتضررين من الأزمة لـ"عربي بوست": "يبدو أن معاناتنا ستطول، كما ترى، جئت للتزود بالوقود، لكن المحطة خارج الخدمة للأسف".
وأضاف المتحدث: "إنها رابع محطة معطلة زرتها حتى الآن، هذا الأمر يؤثر سلباً على عملي وعلى نمط حياتي بشكل عام، خاصة أن وسائل النقل العمومي تشهد هي الأخرى إضرابات متتالية".
داخل محطة وقود أخرى تابعة لشركة "توتال إينرجي" بالدائرة الـ13 بباريس، تبدو ملامح السخط والتذكر واضحة على وجوه الزبائن، بمن فيهم عناصر الشرطة الذين عبروا عن إحباطهم من استمرار الوضع.
من بين الفئات الأكثر تضرراً، عمال قطاع خدمات التوصيل، إذ يقول كريم، وهو واحد منهم: "قد نفقد عملنا في أي لحظة، نحن الفئة الأكثر تضرراً من استمرار الإضراب، خاصة أننا نعمل بواسطة دراجات نارية، وهي وسيلة تتطلب تزويدها بالوقود باستمرار نظراً لوتيرتها الاستهلاكية".
أزمة حادة
بدأ اختلال العرض والطلب على الوقود في فرنسا الذي أدى إلى نقص حاد في الوقود بالتأثير على المضخات التابعة لشركة Total Energies منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2022.
أحد الأسباب، وفقاً للمجموعة، كان قرارها "خفض الأسعار" بمقدار 20 سنتاً للتر الواحد، ما أدى إلى "تدفق كبير" للزبائن بعد فترة وسمت بارتفاع غير مسبوق في أسعار المحروقات، وسط استمرار أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة.
وتجلت هذه الأزمة أساساً في ارتفاع معدلات التضخم وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، بالإضافة إلى خصم إضافي قدره 30 سنتاً، تموله الدولة وتلتزم بتطبيقه حتى نهاية العام الجاري، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الطلب.
في سياق استمرار الأزمة التي تعيشها البلاد، أدى إضراب موظفي المصافي ومستودعات الوقود في TotalEnergies وEsso-ExxonMobil خاصة، إلى إبطاء عمليات التسليم في المضخات بشكل كبير.
ويُطالب المضربون في Total Energies بزيادة أجورهم بنسبة 10٪، مقابل 3.5٪ التي تم التفاوض عليها في بداية العام، إذ حققت شركة النفط العملاقة أرباحاً بلغت 10.6 مليار دولار في النصف الأول من سنة 2022.
وفي شركة Esso-ExxonMobil الأمريكية، تطالب نقابات Force Ouvrière والاتحاد العام للعمال CGT بزيادة قدرها 7.5٪ في الأجور بغض النظر عن الترقية والأقدمية.
أيضاً تُطالب هذه النقابات بمكافأة قدرها 6000 يورو لإعادة توزيع عادل للأرباح، نظراً لكون مجموعة النفط الأمريكية سجلت أرباحاً صافية بلغت 17.9 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2022 على مستوى محطاتها حول العالم.
مفاوضات عسيرة
قرر الاتحاد العام للعمال رفض العرض الذي قدمته مجموعة Total Energies لتجاوز الأزمة، فانسحب من محادثات حول الأجور، وخرجت 4 من مصافي فرنسا السبع ومستودع واحد عن الخدمة.
ويؤثر هذا الإضراب على الاقتصاد مع تعطل العديد من القطاعات من سائقي الشاحنات إلى الممرضات، والحرفيين، والمزارعين الذين يخشى بعضهم ألا يكون قادراً على زراعة الحبوب الشتوية.
تأكيداً لرفض عمال المصافي المضربين لمقترحات شركات الوقود من أجل حل الأزمة، شارك المئات منهم، أمس الثلاثاء، في يوم التعبئة العامة بالعاصمة باريس، حيث تظاهروا للمطالبة برفع الأجور والتوقف عن إجبار العاملين المضربين في المصافي ومستودعات الوقود على العمل.
من جهته، اشترط الكاتب العام للاتحاد العام للعمال فيليب مارتينيز العودة إلى الوضع الطبيعي لإعادة التفاوض مع إدارة Total Energies، موضحاً في تصريح لإذاعة RTL: "يمكن إجراء مفاوضات لتصحيح اتفاق لا يتوافق مع توقعات المضربين".
في المقابل، بدا وزير الاقتصاد والمالية برونو لومير منزعجاً من استمرار تدهور الوضع، فدعا إلى "تحرير مستودعات الوقود والمصافي التي تم منع الوصول إليها واللجوء إلى وسائل لإصدار أوامر تفرض على الموظفين العمل".
وأضاف المتحدث بلهجة حادة: "ولى وقت التفاوض. كان هناك تفاوض، وكان هناك اتفاق (بين "Total Energies" ونقابتين دون الاتحاد العام للعمال)، وهذا يعني أن القوة يجب أن تبقى مع صوت الأغلبية".
في هذا السياق، وحسب تصريح لرئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن أمام الجمعية الوطنية، ظهر الثلاثاء، فقد تحسنت إمدادات محطات الوقود بشكل أكبر، يوم أمس الثلاثاء، إذ يواجه "أقل من 25٪" منها صعوبة، مقابل أكثر من 28.1٪ في الليلة السابقة.