كشفت صحيفة New York Times الأمريكية، الثلاثاء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وثائق "صادمة" صادرة عن الحكومة الفرنسية، تفيد بأن 6 فقط من الجماجم التي استرجعتها الجزائر من باريس قبل سنتين، والمقدر عددها بـ24، كانت لشهداء الثورة، فيما لم يتم التأكد من أصول الجماجم المتبقية.
الجزائر كانت قد رحبت في وقت سابق بقرار باريس إعادة 24 جمجمة تعود لبعض محاربي الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، فيما احتفلت باريس والجزائر بهذه "البادرة القوية" باعتبارها علامة فارقة في الجهود الساعية إلى إعادة بناء العلاقات، والتي أنهت سنوات من التوتر الدبلوماسي بين باريس والجزائر، إلا أن ملكية الجماجم بقيت للحكومة الفرنسية حتى بعد تسليمها للجزائر في عام 2020، ولم تكشف أي من الحكومتين عن هذه المعلومات، في محاولة منهما للحفاظ على المنافع الدبلوماسية التي جلبتها عملية الإعادة.
فيما قالت الصحيفة الأمريكية إن "الإعادة المعيبة" كما وصفتها، كشفت عن مشكلة أوسع نطاقاً تتمثل في عمليات الإعادة، التي غالباً ما تكون مشوشة وسرية ولا تصل بالطبع إلى مستوى الطموحات لتصحيح أخطاء الحقبة الاستعمارية.
السيناتورة الفرنسية كاثرين مورين ديسايلي، التي عملت لفترة طويلة على عملية إعادة رفات الشهداء، قالت إن القضايا الدبلوماسية بين البلدين سادت على المسائل التاريخية، واعترفت بفشل العملية، فيما لم ترد الحكومة الجزائرية ولا مكتب ماكرون على طلبات التعليق من الصحيفة الأمريكية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الموافقة في الواقع تمت بموجب اتفاقية وقعتها الجزائر وباريس في 26 يونيو/حزيران 2020، والتي تضمنت ملحقاً من أربع صفحات يوضح بالتفصيل هويات الرفات.
ولا يزال حجم المشكلة غامضاً إلى حد كبير، وفقاً للصحيفة، لا سيما عندما يتعلق الأمر برفات البشر، حيث يحتوي متحف الإنسان على ما يقرب من 18000 بقايا من جميع أنحاء العالم.
وكشف تقرير سري أصدره المتحف في عام 2018، أنه يضم المئات من الرفات "التي يُحتمل أن تكون موضع نزاع"، والتي يمكن طلبها في المستقبل، وتشمل عظاماً تعود إلى زوجة مؤسس إمبراطورية توكولور في غرب إفريقيا في القرن التاسع عشر، وبقايا أمير حرب سوداني حكم جزءاً من تشاد في تسعينيات القرن التاسع عشر، وعظام عائلة من الإنويت الكنديين.
وبحسب ما ورد، برزت قضية "الجماجم" لأول مرة في أوائل عام 2010، عندما بدأ المؤرخ الجزائري علي فريد بلقادي البحث في متحف البشرية.
ويعود تاريخ جماجم المتحف إلى بدايات التاريخ البشري حتى القرن العشرين، وقد تم جمعها من خلال الحفريات الأثرية والحملات الاستعمارية، ومن بينهم العشرات من زعماء القبائل في غرب إفريقيا، والأمريكيين الأصليين، والمتمردين الكمبوديين.
وصف المؤرخ الجزائري بلقادي اكتشاف الجماجم بمتحف البشرية بباريس بأنه "اكتشاف فظيع يتحدث عن الهمجية الاستعمارية".
واكتشف بلقادي أن المتحف لا يزال يحتوي على جماجم لمقاتلين ومدنيين خلال الغزو الفرنسي للجزائر في القرن التاسع عشر، وتم حفظ الجماجم في صناديق من الورق المقوى، وكان من بينهم قادة المقاومة من معركة زعاتشة، وهي قرية دمرتها القوات الفرنسية بعنف عام 1849، حيث عُرضت الرؤوس على أعمدة وأعيدت لاحقاً إلى فرنسا ككؤوس حرب.
ووصف بلقادي الاكتشاف بأنه "اكتشاف فظيع يتحدث عن الهمجية الاستعمارية".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة كانت رئيسية في جهود ماكرون للمصالحة مع الجزائر من خلال أعمال رمزية للاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي، ولكن ماكرون كان يسير أيضاً على أرض حساسة، إذ لم تكن فرنسا على النقيض من دول أخرى، تحدد سياسة واضحة فيما يتعلق بمجموعاتها من بقايا الحقبة الاستعمارية.