صادرات إلى الخليج وأسواق متطورة ومراكز تجارية.. كيف تغير شكل الحياة في مناطق إدلب وشمال غربي سوريا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/10 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/10 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
ورشة تصنيع ملابس في إدلب - عربي بوست

من تحت الركام والدمار تنهض محافظة إدلب وأرياف حلب بمشاريع اقتصادية وصناعية وعمرانية وصفها البعض بـ"العملاقة"، يشرف على إدارتها وتمويلها رجال أعمال سوريون وآخرون مستثمرون عاشوا لسنوات في بلاد اللجوء تركيا والأردن.

قرر هؤلاء العودة مؤخراً إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، واستثمار أموالهم بمشاريع متعددة، بعد أن شهدت محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، هدوءاً على الصعيد العسكري والأمني، بالإضافة إلى التسهيلات المقدمة من قبل حكومة "الإنقاذ السورية".

مشاريع وأسواق جديدة

تواصل شركات إعمار ومقاولات تشييد عشرات "المولات" والمراكز التجارية لبيع السلع التجارية والغذائية في مدن (سرمدا والدانا وحزانو وكللي ومدينة إدلب)، والمقرر افتتاحها نهاية النصف الثاني من العام الجاري 2022.

مول تجاري في إدلب السورية - عربي بوست
مول تجاري في إدلب السورية – عربي بوست

كما افتتح مستثمرون آخرون عشرات الورش والمنشآت لصناعة الألبسة الجاهزة وصناعات غذائية كالمربيات والكونسورة واللحوم والحبوب، إلى جانب عشرات المعامل والمصانع للصناعات المتعلقة بالحديد ومنشآت قص الأحجار، وبناء التجمعات السكنية على طريقة المدن النموذجية والمطاعم وملاهي ألعاب الأطفال والمقاهي.

كل هذه المشاريع وغيرها ساهمت في تغيير شكل ونمط الحياة في مناطق إدلب وما حولها، والتي كانت من قبل أقرب لمناطق الإيواء والمخيمات دون بنى تحتية ملائمة لاستيعاب الملايين الذين يعيشون بتلك المناطق.

 أسواق حديثة بمعايير متقدمة

على الطريق المسماة بـ "الطريق الزراعية" الواصلة بين مدينتي الدانا وسرمدا 40 كيلومتراً شمال إدلب، افتتح تجار ومستثمرون سوريون مؤخراً، نحو 10 أسواق للتجارة بالألبسة الجاهزة من الإنتاج المحلي، بينها "سوق الحرير" و"سوق الزهراوي" و"سوق الحمرا" و"كارول مول".

قبل نحو شهر تقريباً، تسّلم أكثر من 100 تاجر جملة للألبسة الجاهزة محلاتهم بمساحة 120 متراً للمحل الواحد في سوق الزهراوي، بعد مرحلة بناء استمرت لأكثر من عام ونصف العام تقريباً بجهود مقاولين سوريين وشركات بناء سورية.

يتميز السوق بتجهيزه بأفضل الخدمات وفق معايير تشابه المعايير والمواصفات الأوروبية أو الدول المتحضرة من حيث جودة البناء والتجهيزات والخدمات الصحية والأمنية.

الملابس الجاهزة في إدلب ليست للاستهلاك المحلي فقط - عربي بوست
الملابس الجاهزة في إدلب ليست للاستهلاك المحلي فقط – عربي بوست

يأتي هذا عقب الانتهاء وتدشين سوق آخر قريب منه أطلق عليه التجار "سوق الحرير"، ويضم أكثر من 50 متجراً لبيع الملبوسات الجاهزة والعطورات والتجهيزات المنزلية والأدوات الكهربائية. وأشرف على بنائه وتجهيزه مجموعة من الشركاء الممولين السوريين، ووصلت تكلفة بنائه حوالي مليون دولار أمريكي، بحسب أبو أمجد واحد من تجار مدينة حلب، في حديثه لـ "عربي بوست".

ويضيف أبو أمجد: "لا بد من النهوض مجدداً والاستمرار بالحياة من جديد لنزرع الأمل في نفوس أبنائنا وأحفادنا وتوفير أقصى ما نملكه لهم ولأهلنا السوريين، والطريق الوحيد إلى ذلك هو بناء المشاريع الصناعية والأسواق والاعتماد على الإنتاج المحلي".

المحلي مقابل المستورد

مثل هذه الأسواق والمشاغل والمنشآت الصناعية وإنتاجها يوفر على المواطنين في المنطقة نقوداً كثيرة مقارنة بالصناعات الأجنبية المستوردة التي تعتمد في أسعارها على الدولار الأمريكي حصراً.

إذ تتراوح أسعار البنطال الجينز المستورد بين 300 و400 ليرة تركية أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي حوالي 20 دولاراً. أما الصناعة المحلية وبذات جودة القماش والموديل لا يتجاوز سعره 10 دولارات. كذلك الملبوسات النسائية والأواني المنزلية التي باتت تصنع اليوم محلياً وتراجعت نسبة استيرادها إلى النصف تقريباً.

"عربي بوست" تجول في منطقة إدلب وزار عدداً من المنشآت والورش والمشاغل لإنتاج الملابس الجاهزة، بينها مشغل ينتج عماله العباءات الرجالية على مدار الساعة دون كلل أو ملل، في مدينة الدانا شمال إدلب، يملكه أبو عدنان (55 عاماً)، وهو نازح من مدينة معرة النعمان جنوب شرقي إدلب الواقعة على الأتوستراد الدولي حلب – دمشق.

إحدى الورش في إدلب - عربي بوست
إحدى الورش في إدلب – عربي بوست

ويقول أبو عدنان: "صناعة العباءات الرجالية ورثناها أباً عن جد منذ زمن بعيد، واشتهرت مدينة معرة النعمان، منذ مئات السنين، بهذا النوع من صناعة الملبوسات الرجالية الشتوية (العباءات) لقربها من البادية السورية ووفرة الفرو (صوف الأغنام)".

كانت هذه المهنة مصدر دخل بالنسبة لعشرات العمال، وكان يجري تصدير الكمية الأكبر من الإنتاج، قبل الحرب السورية، إلى دول عربية عدة ومن بينها دول خليجية. ومع بدء الحرب السورية وقصف النظام للمدن والمعامل والمنشآت الصناعية، فر أصحابها منهم داخل سوريا وآخرون خارجها وبقينا دون عمل لسنوات.

وأضاف أبو عدنان أنه مع توافر الظروف الملائمة مؤخراً للعودة إلى مزاولة مهنة صناعة (العباءات)، والهدوء والاستقرار الأمني وتوقف القصف عن شمال إدلب، بادر هو ومجموعة من الأقارب لافتتاح مشغل لصناعة العباءات وألبسة رجالية أخرى، بعدما لاقت طلباً في أسواق الشمال السوري.

ولم يقتصر الإنتاج على السوق المحلية، بل قاموا بإعادة التواصل مع عدد من التجار في إحدى الدول الخليجية، وإبرام عقود بتصدير كمية كبيرة من الإنتاج في مدة زمنية محددة (قبل دخول فصل الشتاء).

ويجري الآن العمل بكل طاقة المشغل بفريق من العمال يصل في بعض الأحيان إلى حوالي 40 عاملاً يعملون على مدار الساعة على شكل نوبات وورديات كل وردية (12 ساعة) وبأجر يتراوح بين 10 إلى 15 دولاراً يومياً، وربما يصل في بعض الأحيان أجرة العامل في اليوم الواحد إلى 20 دولاراً بحسب كمية إنتاجه. كل هذا وفر فرص عمل لعدد كبير من الشبان.

تجارة السيارات الأوروبية المستعملة

على دوار سرمدا شمال إدلب، افتتح سوريون أكبر سوق للسيارات الأوروبية المستعملة التي يصدرها تجار سوريون في دول أوروبية عدة، وشحنها بحراً إلى تركيا ومن ثم إلى الأراضي السورية عبر منفذ "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، وبيعها في أسواق الشمال السوري للمواطنين بأسعار تناسب الجميع.

إذ يشير البعض إلى أنه يجري بيع أكثر من 40 ألف سيارة سنوياً، فيما يقوم بعض التجار بتصدير عدد لا بأس به من تلك السيارات إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي سوريا.

يقول أبو سائر، وهو تجار وصاحب معرض لبيع السيارات الأوروبية في سرمدا: "وفرت تجارة السيارات أرباحاً مالية كبيرة للتجار على مدار السنوات الأخيرة الماضية. في المقابل ساهم دخول السيارات الأوروبية المستعملة سد شريحة كبيرة من المجتمع بالسيارات وبأثمان تناسب أوضاعهم المادية ودخلهم".

مركز تجاري قيد الإنشاء في إدلب - عربي بوست
مركز تجاري قيد الإنشاء في إدلب – عربي بوست

إذ تباع السيارة من طراز هونداي "سنتافيه" موديل 2003 بحوالي 3000 دولار أمريكي وصعوداً بحسب موديل التصنيع والماركة للسيارات. 

فيما ساهمت تجارة السيارات ووفرتها في مناطق الشمال السوري بانتعاش عمل كراجات الصيانة وبيع قطع التبديل التي وفرت أيضاً آلاف فرص العمل للشبان السوريين.

بات مؤخراً بإمكان كل مواطن يعيش في المنطقة اقتناء سيارة، بعد أن كان حلم كل سوري امتلاك سيارة حديثة بسعر الاستيراد بعيداً عن الضرائب التي كان يفرضها النظام السوري كضرائب الرفاهية وغيرها على أصحاب السيارات وقد تصل في بعض الأحيان إلى 10 آلاف دولار أمريكي في الوقت الذي لا يتجاوز سعرها من بلد المنشأ ألفي دولار.

موارد دخل المواطنين

وأوضح محمد حاج أحمد، وهو ناشط وباحث في الشؤون الإنسانية والمدنية في إدلب، لـ"عربي بوست"، أنه تتعدد مصادر دخل شريحة كبيرة من السوريين في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا، كل حسب عمله، فهناك فئة تتلقى مساعدات مالية شهرية من أقربائها المغتربين قد تكفي في سد حاجتهم مؤقتاً.

بينما هناك فئة لا بأس بها تعمل بالزراعة والفلاحة وإنتاج المحاصيل الزراعية كالقمح والكمون وحبة البركة والكزبرة (وغالباً ما يجري تصدير الفائض منها إلى تركيا وبيعها بالدولار الأمريكي). إضافة إلى أنواع أخرى من الزراعات كالخضار ومنها البطاطا والباذنجان والخيار والبصل والثوم، وتعتبر مواسمها مصدر دخل سنوي بالنسبة لهم، وقد حسن خلال السنوات الأخيرة الماضية من أوضاعهم المادية، ووفرت لهم تلك المواسم كثيراً من المال والمتطلبات.

مصنع مدافئ في مدينة الدانا شمال إدلب - عربي بوست
مصنع مدافئ في مدينة الدانا شمال إدلب – عربي بوست

كذلك الموظفون في المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري يحصلون على رواتب شهرية تتراوح بين 300 و400 دولار أمريكي، وآخرون يعملون في ورش البناء والصناعة والصيانة.

وفئات حصلت على وظائف وفرص عمل في مؤسسات وإدارات حكومة "الإنقاذ السورية" التي تمسك بالجانب الإداري في إدلب المدعومة من فصيل "هيئة تحرير الشام"، أبرز الفصائل التي تسيطر على إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، التي وفرت كل عناصر الأمن والاستقرار من خلال الأقسام الشرطية والأمنية ومفارز شرطة المرور المنتشرة في أكثر من 40 منطقة، والتنظيم الإداري والعملي للمجتمع من خلال الدوائر الحكومية التي تسهل على التجار عمليات الإستيراد والتصدير 

الصادرات تشمل الحبوب والتوابل والألبسة الجاهزة وأحجار البناء

أحمد السيد هو أحد التجار السوريين بريف حلب والذي عاد مؤخراً من تركيا وبدأ باستثمار أمواله بالتجارة بالمحاصيل الزراعية ومواد البناء.

يقول لـ"عربي بوست" إن عودة الزراعة والصناعة إلى مناطق الشمال السوري وافتتاح المشاريع الصناعية الكبيرة، ساهمت بشكل فعلي بنمو الجانب الاقتصادي والمالي والمعيشي، وحسن من حال التجار أو شريحة كبيرة من المواطنين على حد سواء.

فقد وصلت قائمة المواد التي يصدرها السوريون إلى تركيا وبلدان عربية أخرى إلى حوالي 30 مادة ومنتجاً، منها حبوب القمح والشعير والحمص والعصفر وحبة البركة وزيت الزيتون، إلى جانب الألبسة الجاهزة التي يجري تصنيعها في معامل إدلب وعفرين وأعزاز بريف حلب بأيدٍ سورية ماهرة.

إضافة إلى صناعة حجر البناء الذي يستخرج من الجبال وتقطيعه ونحته بأفضل المواصفات والأشكال وتصديره إلى دول الخليج العربي الذي حاز على تصنيف أفضل حجر مقاوم لكل العوامل الجوية.

تحميل المزيد