نقص في المادة الخام وضرائب من الاحتلال على دخوله.. أسعار الذهب في فلسطين تزداد وتفوق أسعاره عالمياً

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/07 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/07 الساعة 13:29 بتوقيت غرينتش

الأغلى بين دول الجوار، فالاحتلال يجعل كل شيء فيها مختلفاً تماماً كما غير وجه الحياة فيها، يزداد سعر الذهب في فلسطين بشكل مطرد، وتبلغ الأزمة ذروتها في أشهر الصيف؛ إذ تتزايد الأعراس ويرتفع الطلب على الذهب الموجود في السوق المحلية، فيما تشكل الأسعار في السوق دهشة لدى المواطن حين مقارنتها مع الأسعار العالمية. 

داخل أحد محلات الذهب المعروفة في مدينة نابلس تعاين مجد وعائلتها مجموعة من الأساور اللامعة، تتفقدها بعناية وتسأل النساء الواقفات معها عن رأيهن.

"اختيار الذهب من التفاصيل المهمة في تحضيرات الزواج، إنه يوم غير عادي". تقول مجد، ٢٢ عاماً، والتي تستعد ليوم زفافها المقرر بعد أسبوعين. ويبدو الحماس واضحاً في وجه مجد، فيما تنشغل والدتها في مفاصلة الصائغ في محله الصغير نسبياً والملفوف بواجهات زجاجية تعرض أصناف مختلفة من الذهب.

يعلو صوت الوالدة قليلاً فيما تستدير مجد نحوها لفهم الموضوع لتجد والدتها تجادل الصائغ في سعر إحدى السلاسل الذهبية. 

"تقولون إن سعر الذهب ينخفض!! أين هو هذا الانخفاض؟ مجرد كلام ليس إلا". تقول والدة مجد للتاجر وهي تعيد السلسلة إلى مكانها.  وتضيف: "نحن نشعر بشيء من الخداع عند الشراء.. بصراحة الثقة بيننا كمشترين وبين الباعة آخذة في التراجع.. في الأخبار نسمع انخفاض الأسعار، لكن في المحلات لا شيء يتغير".

يفرض الاحتلال رسوماً مضافة على الذهب، فترفع سعره قبل الدخول إلى فلسطين ليكون أعلى من سعره في السوق العالمي، ناهيك عن نقصه كمادة خام وصعوبة الحصول عليه. 

اختلاف عن الأسعار العالمية

منذ يومين قرأت مجد ووالدتها أخباراً عن أسعار الذهب، يقول الخبر إن الغرام الواحد انخفض بقيمة دولارين. لكن السعر عند التاجر بقي نفسه خلال الأسبوع، "قبل أسبوع كان سعر غرام هذا السوار ٣٩ ديناراً، مبارح نزل سعر الذهب، وهلأ يقول لي سعره ٣٩، فهموني كيف هيك؟". تقول أم مجد.

ووصل غرام الذهب في السوق الفلسطيني قرابة ١٧٣ شيكل، ما يعادل ٤٩ دولاراً. لعيار الـ٢١ قيراط ، فيما يصل سعر الغرام في السوق العالمي حتى منتصف الأسبوع قرابة ٤٦ دولاراً.

وفيما تتغير أسعار الذهب ارتفاعاً وانخفاضاً خلال أيام الأسبوع في البورصة العالمية لا يلمس الفرق في سوق العرض المحلية في فلسطين.

يقول نزيه المصري، تاجر ذهب وصاحب معمل لصياغة الذهب في نابلس: "يحتكم بيع وشراء الذهب إلى سعر الأونصة في البورصة العالمية، لكن في السوق الفلسطيني يحصل رفع يقارب ٢٠٠-٢٥٠ دولاراً على السعر الأصلي للأونصة الواحدة، فمثلاً إذا قلنا إن سعر الأونصة اليوم ٢٠٠٠ دولار فإنها تباع هنا بـ٢٢٥٠ دولاراً". 

لا ذهب خام في السوق الفلسطينية

وفي معمل نزية، الواقع في مركز مدينة نابلس، ينشغل هو لساعة أو ساعتين خلال النهار في جمع وصهر كميات من الذهب، ثم صبها في قوالب حديدية مزخرفة، تمهيداً لعرضها على واجهة محله لاحقاً.. إنها كمية من الذهب القديم الذي جمعه نزيه من زبائن باعوا قطعاً ذهبية في اليوم السابق في المحل ذاته. "تبيع السيدات بعض القطع الذهبية الموجودة لديها. هذه الأيام نشهد وفرة في البيع تنافس كمية الشراء. تباع هذه القطع في محلات الذهب، ونحن نعيد تشكيلها في معاملنا كما ترون". يقول نزيه الذي يصهر سواراً على شكل جنزير تحت النار. 

وأمام نار الصهر توجد طاولة يصف عليها مكابس حديدية منقوشة بزخارف مختلفة، يصب نزيه كمية الذهب المصهور فيها لتخرج على شكل أساور وتعليقات صغيره. يقول نزيه: "لا ذهب خام يدخل إلى السوق الفلسطينية، كل ما ترونه في المحلات هو من خزائن النساء الفلسطينيات، بيع وصهر وأعيد صنعه وتشكيله".

ويجدر الذكر أن مدينة نابلس وحدها كانت تضم حتى عام ٢٠٠٢ قرابة ٢١ معملاً لصياغة الذهب، تركزت في سوق الذهب المعروف في المدينة، وفي بلدتها القديمة، قبل أن تدمرها إسرائيل خلال اجتياحها لنابلس عام ٢٠٠٢. 

إسرائيل تمنع دخول الذهب إلى الأراضي الفلسطينية

هذه معادلة أخرى يصعب على الشارع الفلسطيني فهمها في موضوع تجارة الذهب، الذهب الخام يمنع من دخول الأراضي الفلسطينية بحسب الاتفاقيات مع الاحتلال، ما يلزم بشراء الذهب من السوق الإسرائيلية فقط. هذا الاتفاق يجبر التجار الفلسطينيين دفع قيمة إضافية على سعر أونصة الذهب المعروضة على شاشات البورصة العالمية. ومن جهة أخرى لا تحدد إسرائيل كمية الذهب الخام المسموح بشرائها فلسطينياً. وكما هو معروف لا توجد سبائك ذهب في "خزينة الدولة الفلسطينية"، إن جاز التعبير.

كل ذلك جعل تجار الذهب الفلسطينين يلجأون لإعادة تشكيل الذهب المستعمل المبيع في محلاتهم. ويقول محمد حرباوي، رئيس نقابة تجار الذهب في الضفة: "منع دخول الذهب الخام إلينا، والتعامل مع الذهب المستعمل والقديم يزيد تكلفة الصياغة على المشتري". 

هذه الحقائق تخلق تكلفة أخرى، وهي كلفة الصياغة أو ما يسمى محلياً "المصنعيّة"، وهي زيادة أخرى تضاف على أي قطعة يتجه المواطن الفلسطيني لشرائها، وتعني إضافة دينارين "١٠ شواكل" على كل غرام ذهب زيادة على سعرة الأصلي، بحجة إعادة التصنيع والتشكيل. 

على دفتر سميك يشرح حرباوي طريقة رفع الأسعار في السوق برسوم بيانية ومعادلات حسابية: "إذا كان سعر خاتم الذهب الجاهز ١٠٠ دينار وأنا لم أزد عليه ٥ دنانير زيادة ربح لي، فلمَ أبيعه إذاً؟". يقول حرباوي. "نحن نبيع القطعه بزيادة عن التكلفه شو ما كانت هذه التكلفة". يضيف حرباوي. 

وتعد مدينة الخليل من أكثر المدن الفلسطينية شهرة في صياغة الذهب وتشكيله؛ إذ توزع القطع المصنوعة محلياً في مدينة الخليل على كافة الأسواق في المدن الفلسطينية المختلفة، ويعد الذهب المشغول في الخليل من أجود أنواع الذهب المعروضة في المحلات الفلسطينية، والأغلى من حيث تكلفة الصنع. 

تخزين الذهب عادة قديمة

وعادة ما يزيد الإقبال على شراء الذهب بين الفلسطينيين في فصل الصيف؛ لأن حفلات الزفاف تكثر فيه، ولا يمكن أن يتم الزواج إلا بشراء الذهب للعروس الذي يعد جزءاً من مهرها. 

غير أن العادات الفلسطينية ركزت على إهداء العرائس قطعاً ذهبية يقلدهن إياها الرجال من عائلتها يوم زفافها، ما يجعل الذهب في فلسطين ارتباطاً اجتماعياً وموروثاً ثقافياً أيضاً. 

هذا ما أكده لنا وجيه إبراهيم الذي كان يشتري قلادة من "الليرات الذهبية"، كهدية زواج لابنته، والتي يصادف عرسها الشهر القادم: "تعودنا أن نهدي بناتنا الذهب يوم زواجهن، فهو يحفظ مكانة البنت عند أهل زوجها، كما أنه يعد مكسباً لها يمكن أن تدخره للزمن". يقول وجيه الذي اختار ٥ ليرات ذهبية معلقات بسلسال حلبي، "نوع من سلاسل الذهب". 

والملاحظ في السنوات العشر الأخيرة أن المهور في فلسطين بدأت في الارتفاع، ويرجع الشارع الفلسطيني سبب ذلك إلى ارتفاع أسعارالذهب.

يقول وجيه: "طلبت ٥ آلاف دينار مهراً لابنتي، وكلها ستشتري بها ذهباً، هكذا جرت العادة عندنا أيضاً".

على الجانب الآخر فإن لدى الفلسطينين قناعة بأن الذهب هو قيمة ادخارية، وأن جمع الذهب وتخزينه ينفع في الأيام السيئة، وهو ما ينعكس على كمية الطلب عليه في السوق المحلي.

علامات:
تحميل المزيد