حذَّرت منظمات الإغاثة من أن كل الأطفال السودانيين تقريباً الذين بلغوا سن الدراسة لا يحصلون على التعليم، إما عن طريق تفويت الصفوف الدراسية كلياً وإما بسبب عراقيل خطيرة، وفقاً لما نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
أعادت المدارس في بعض الولايات فتح أبوابها هذا الأسبوع بعد تأجيلات بسبب الفيضانات العارمة، لكن ملايين الأطفال لا يزالون غير قادرين على الذهاب إلى المدارس، مما يجعل البلاد في مواجهة "كارثة بين الأجيال".
إذ إن الفقر والافتقار إلى المعلمين المؤهلين وإضرابات طواقم التدريس وإرث جائحة كوفيد-19 وانخفاض معدلات تلقي اللقاحات، تعد بين عوامل كثيرة أسهمت في نشأة هذه الأزمة.
تقول وزارة التعليم السودانية إن الفيضانات والهجمات التي ينفذها المسلحون دمرت أكثر من 600 مدرسة خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول. وعادةً تكون المدارس مجرد هياكل بنايات تفتقر إلى الأثاث والمياه الجارية والمراحيض.
تفاصيل صادمة
جاء في بيان مشترك لمنظمة أنقذوا الأطفال ومنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة: "هناك نحو 6.9 مليون فتاة وفتى، أي ما نسبته واحد من كل ثلاثة أطفال في سن الدراسة، ممن لا يذهبون إلى المدرسة في السودان. كما أنّ دراسة 12 مليون طفل آخرين ستتقطع بشكل كبير بسبب نقص المعلمين، ووضع البنية التحتية، والحاجة إلى توفير بيئة تمكّن الأطفال من التعلّم وتجعلهم يحققون إمكاناتهم الكامنة في حدّها الأقصى".
وتعد ولاية وسط دارفور الأشد تأثراً، حيث لا يذهب 63% من الأطفال إلى المدرسة، وفي ولاية غرب دارفور، تبلغ النسبة 58%، فيما تبلغ النسبة في ولاية كسلا شرق السودان 56%.
تخلّفت غالبية الأطفال في الصفوف الدراسية عن إحراز تقدم في مسيرة تعليمهم؛ فنحو 70% من أطفال المدارس الحكومية البالغة أعمارهم 10 سنوات لا يستطيعون قراءة الجمل البسيطة، وذلك بحسب اليونيسيف.
قال أوين واتكينز، مسؤول الاتصالات في يونيسيف السودان: "إنها كارثة بين الأجيال. الأطفال هم دائماً مستقبل أي بلد. الاستثمار فيهم هو الشيء الصائب الذي يجب القيام به، وسوف يسهمون إسهاماً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد".
أضاف أن وجود الأطفال "في المدرسة لا يتعلق بالرياضيات والقراءة والكتابة فحسب، بل إنهم يتعلمون أيضاً المهارات الاجتماعية… في بيئة محمية".
فيما قال أحمد الصافي، وهو معلم ومدير مدرسة سابق في منطقة أم عشر بالضواحي الجنوبية للعاصمة السودانية الخرطوم، إن شارعه يضم 20 منزلاً، كل منزل بداخله ما بين ثلاثة وأربعة أطفال في كل أسرة لا يذهبون إلى المدرسة.
وأوضح: "لا يستطيعون ببساطةٍ الذهاب إلى المدرسة وهم جوعى. كثير منهم يتوجب عليه الذهاب إلى السوق لبيع الأكياس البلاستيكية أو أي شيء من أجل إطعام أنفسهم فقط".
وأضاف: "برغم أني معلم وكنت مدير مدرسة في مرحلة ما من حياتي، اكتشفت أن ابني اعتاد تفويت حصص دراسية والذهاب لبيع تذاكر سينما في أم درمان. وعندما سألته، قال لي إنه لا يستطيع الذهاب إلى المدرسة بينما هناك بعض الأساسيات غير موجودة في حياته. كما تعرفون يدفعون لنا القليل جداً، وفي ظل أننا معلمون فلا نستطيع إطعام أطفالنا بصورة ملائمة. لم أستطع إرسال أطفالي الثلاثة إلى الجامعة. أنهوا التعليم الثانوي وساعدوا أخاهم الصغير للذهاب إلى الجامعة، ودَرَس الإعلام لكنه لم يحصل على وظيفة. وفي النهاية صار عامل بناء، وهو ما لا يتطلب أي مهارات إعلامية".
تابع قائلاً: "حتى من يذهبون إلى المدرسة لا يتعلمون أي شيء، لأن الفصول مزدحمة بما يصل إلى 140 تلميذاً. كيف يمكن للمعلمين والمعلمات أن يؤدوا عملهم في تلك البيئة".
وقال محمود إسحاق، المعلم البالغ من العمر 55 عاماً: "لقد انهارت الفصول في الفيضانات، حتى منازلنا انهارت. إننا الآن في خيام". لدى إسحاق ابن يبلغ من العمر 16 عاماً، وكان لديه ابن آخر يبلغ من العمر 10 أعوام لكنه فقده في الكارثة.
أضاف: "قرى بأكملها غيرت المهن التي يمتهنها أبناؤها. تحول الأطفال إلى بائعين في المدرسة، مثلما فعل المدرسون. أبيع الآن البصل في السوق بدلاً من التدريس. بعض أطفالي يساعدونني، لكن غالبيتهم فتيات ولذا لا يستطعن العمل".