في آخر حوار أجرته مع مجلة "جي كيو" (GQ) مع الممثل رامي يوسف، أعلنت بيلا حديد عن الفرص الكثيرة التي خسرتها بعد أن تخلّت عنها مجموعة من الماركات العالمية التي ألغت تعاقدها معها، بسبب دفاعها المُستميت عن فلسطين.
الحوار جاء كجزء من الدعاية للموسم الثالث من مسلسل "رامي" (Ramy)، الذي سيُعرض عبر منصة hulu، والذي تؤدي فيه حديد أولى تجاربها التمثيلية من خلال شخصية غريبة الأطوار بعض الشيء، تلعب فيها دور صديقة رفيق رامي.
وصحيح أنها -مقابل خسارتها لعروض عملٍ كثيرة- فإنها تربح فرصاً أخرى، إلا أن واقع الحال هذا يمكنه أن يلخّص حياة عارضة الأزياء الأمريكية من أصولٍ فلسطينية، والتي لم تتوانَ يوماً في الدفاع عن أصولها.
بيلا حديد.. ومراهَقة غير سهلة
وُلدت إيزابيلا حديد وترعرعت في لوس أنجلوس، بولاية كاليفورنيا الأمريكية. والدها مطوّر العقارات الأردني من أصل فلسطيني محمد حديد، ووالدتها عارضة الأزياء الهولندية السابقة يولاندا حديد.
وإيزابيلا هي الابنة الوسطى لمحمد ويولاندا، بين شقيقتها الأكبر سناً جيجي حديد، وشقيقها الأصغر أنور حديد. كما لديها شقيقتان من والدها رجل الأعمال، هما مارييل وآلانا.
من جهته، وُلد محمد حديد بالناصرة في 1948، عام النكبة الفلسطينية.. ما اضطرّ العائلة إلى الهرب من فلسطين، واللجوء إلى سوريا، بعدما فقدت منزلها في صفد لعائلةٍ يهودية كانت العائلة آوتها وساعدتها.
تنقلت العائلة بين دمشق، وتونس واليونان، قبل الاستقرار في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث كان والد محمد (أنور) يعمل في مقرّ إذاعة صوت أمريكا (VOA) ككاتب ومحرّر ومترجم. ومنذ ذلك الوقت، أي حين كان محمد حديد في الـ14 من عمره، بقيت العائلة في الولايات المتحدة.
نشأت بيلا حديد وسط عائلتها التي عاشت في سانتا باربرا على مدى عشر سنوات. في سنوات المراهقة، كانت تمارس الفروسية وحلمت بالمشاركة في الألعاب الأولمبية، لكنها اضطرّت إلى التخلّي عن المنافسة عام 2013 بسبب معاناتها مع داء "لايم المزمن".
لم تعلن عن إصابتها بالداء حتى أكتوبر/تشرين الأول 2015؛ وقد شُخّصت إصابتها، جنباً إلى جنب، مع والدتها يولندا وشقيقها أنور عام 2012.
وداء لايم هو عبارة عن بكتيريا تأتي من الحيوانات وتنتقل عبر القراد، وهي قادرة على إحداث خمجٍ بدخول الجسم والتكاثر فيه في حال عدم توفر الحديد. ويُمكن لهذه البكتيريا أن تتسبب بطفح على العين، وبالحمى المتنقلة المزمنة، إضافةً إلى التهاب عضلة القلب والمفاصل، واضطراب في نبضات القلب وأمراض عصبية.
بعد انفصال والديها عام 2000، عاشت بيلا مع والدتها بولندا وشقيقيها أنور وجيجي حديد في كاليفورنيا. وقد وصفت بيلا تلك الفترة بأنها "كانت انفصالاً عن جذورها العربية والمُسلمة"، وأنها تمنّت كثيراً لو عاشت مع والدها.
لم تكن طفولتها، ولا حتى سنوات مراهقتها، سهلة؛ فلطالما كانت الشخص العربي والمُسلم الوحيد في المدرسة أو في الجامعة، أو في أي مكانٍ تواجدت فيه، وقد تعرّضت للتنمّر بسبب ذلك.
في حوراها الصادق مع سارة حاجي، أوضحت بيلا أنها لا تشير دائماً إلى كونها مُسلمة لأنها لا تمثل الصورة النمطية للمُسلمات؛ لكن واحدةً من أفضل ذكرياتها مع رامي يوسف، بطل مسلسل رامي، "هي عندما صلّينا سوياً"، مُؤكدةً أنها تجد ألفة في بيئتها العربية والفلسطينية.
حرب مُعلنة على "عدوة إسرائيل"
منذ شهرين تقريباً شنّ اللوبي الصهيوني حرباً شرسة على شركة "سواروفسكي" النمساوية، الرائدة في مجال صناعة الكريستال، لاستعانتها ببيلا حديد ضمن حملتها الإعلانية الجديدة.
وقد وصفت شركة الاستيراد الإسرائيلية "كريستيانلو جروب" -وهي المستورد الأول لسواروفسكي في فلسطين المحتلة- الأمر بأنه عداءٌ واضح للسامية، وهي التهمة التي يوجهها اللوبي الصهيوني والمناصرون له إلى كل من يدافع عن الشعب الفلسطيني.
كما أوضحت مجموعة "كريستيانلو" أنها لن تسمح بأن تكون بيلا حديد، الوجه الدعائي للحملة في فلسطين المحتلة.
لكن من جهتها، دافعت سواروفسكي عن حديد مُشيرةً إلى أن قِيَمها تناسب الشركة، وأنها عارضة أزياء ناجحة تركت بصمةً واضحة في المجال، مؤكدةً أن الشركة لا تأخذ إجراءات بناءً على الآراء السياسية ولا تُصدر أي تصريحات سياسية.
سواروفسكي دافعت عن بيلا، لكن حديد ليست سعيدة الحظ دائماً في تعاقداتها. فقد ألغت عدة شركات عالمية تعاقداتها معها، بسبب دفاعها عن وطنها الأم فلسطين.، لا سيما وأن الصحافة الصهيونية دائماً ما تصفها على أنها "معادية إسرائيل".
بيلا حديد.. المناصرة للقضايا الإنسانية
"لستُ قادمة إلى هذه الحياة لأكون عارضة أزياء"؛ بهذه العبارة أوضحت بيلا حديد في حوارها مع مجلة "جي كيو" أنها لا تندم على خسارتها لعملٍ أو علاقاتٍ، بسبب دفاعها عن فلسطين.
فهي تعتقد أن هدف وجودها في الحياة أعمق وأبعد من أن تكون مجرّد عارضة أزياء، وأنها -وبفضل شهرتها- ستستخدم صوتها المسموع لإعلاء أصوات الفئات المستهدفة والتي سلبت أصواتها عنوة.
وهذا بالتحديد ما تقوم به حديد عبر كلّ مقابلاتها وحساباتها على وسائل التواصل، التي تسخّرها من أجل الدفاع عن فلسطين ورفع الصوت عالياً ضدّ الظلم الذي يعيشه الفلسطينيون.
ومؤخراً كانت أعلنت في منشورٍ لها عبر صفحتها الرسمية على إنستغرام، قائلة: "بن غوريون قال: سيموت الكبار وسينسى الصغار؛ وأنا قطعتُ وعداً على نفسي أني لن أسمح لأحد أبداً أن ينسى بلدنا الجميلة فلسطين وشعبها".
ورغم تصريحاتها المباشرة ضدّ إسرائيل، ودعمها غير المشروط لفلسطين، إلا أن شهرتها لم تتأثر؛ كذلك الأمر بالنسبة للمحبة التي يكنّها لها جمهورٌ عريض من كلّ أصقاع الأرض، وخصوصاً البلاد العربية.
كيف لا، وهي الصادقة والواضحة التي لا تخجل من الحديث عن أي أمر؛ عن علاقتها بأمها (التي كانت تصفها بـ"البجعة السوداء" وحطّمت لها ثقتها بنفسها بسبب هوسها بمعايير الجمال)، عن سنين مراهقتها أو معاناتها مع الاكتئاب واضطراب القلق المستمر، كلّ ذلك جعلها في مكانةٍ مختلفة عن باقي عارضات الأزياء العالميات. فكما وصفتها شركة سواروفسكي، "هي مثالٌ قوي للتعبير عن النفس".
في الحلقة الثالثة من "ريب بودكاست" تحت عنوان "رأي عام"، الذي تقدّمه الصحفية الأمريكية ذات الأصول العربية نور تاجوري، استضافت فيها صديقتها بيلا حديد والتي عبرت بدورها عن أنها كانت متوترة من إجراء هذا الحوار.
استجمعت بيلا شجاعتها وأوضحت أنها تعرف الحقيقة بما فيه الكفاية، وتعرف عائلتها بما فيه الكفاية؛ لأن يجعلها تتحدث عن الشعب الفلسطيني بصدقٍ كاف. كما أعلنت حديد أنها منذ عامها الرابع عشر، عندما كتبتْ على يدها بالألون "الحرية لفلسطين"، أصبحت تُنعت بأسماء وكنايات تحمل كراهية، وأنها مذاك قوبلت بعداءٍ من كثيرين.
لكنها في الوقت نفسه تعترف أن الأمر كان بسيطاً للغاية، "فأنا أتمنى الحرية لشعب أبي"، ومنذ ذلك الوقت قرّرت بيلا أنها ستصبح ناشطة ومتحدثة عن فلسطين دوماً.
الأمر لا يتوقف عند فلسطين بالنسبة لها، فبيلا حديد صوت عالٍ ليقول الحقيقة دائماً، وتنتهز كل الفرص لنصرة القضايا الإنسانية. فهي تحدثت أيضاً عن الهجوم الروسي على أوكرانيا، وفيضانات باكستان، كما أعلنت مؤخراً عن دعمها للنساء الإيرانيات في مطالبتهن بالحرية بعد مقتل مهسا أميني.
مستقبل واعد لا يبدو أنه يتأثر بالعداء
في الشهر الجاري شاركت بيلا حديد في أكثر من عرض لأكثر من ماركة عالمية، منها Fendy، ومايكل كورس، وBurberry.
كما حققت حلمها مؤخراً على حد قولها بأنها أصبحت فتاة الغلاف على آخر أعداد مجلة i-D البريطانية، كما كانت الغلاف للذكرى الخمسين لمجلة "دابليو".
فبرغم الحملات الشرسة عليها فإن مستقبل بيلا كعارضة أزياء عالمية لا يبدو أنه سيتأثر كثيراً، وربما يرجع ذلك لأن بيلا ترى نفسها أبعد من مجرد عارضة أزياء.
فقد وجدت بيلا حديد صوتها وحقيقتها، بعد أن أخبرها أهالي أصدقائها -وعلى مدى سنوات- بأن والدها كاذب، وأن قضيته غير مُحقة.. الأمر الذي شكّكها في هويتها، وكبرت وهي تبحث عنها، حتى وجدتها أخيراً.