حصار واشتباكات ودروع بشرية.. تكتيك “وعاء الضغط” للجيش الإسرائيلي في عملياته بالضفة الغربية

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/29 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/29 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
تكنيك وعاء الضغط

يواصل جيش الاحتلال عملياته العسكرية في الضفة الغربية، التي أطلق عليها اسم "كاسر الأمواج" منذ نحو 6 أشهر، والتي جاءت ضمن أهداف حددها الجيش لضرب الخلايا العسكرية للمقاومة الفلسطينية التي يتهمها الجيش بالوقوف خلف العمليات التي ضربت العمق الإسرائيلي في الفترة ما بين مارس وأبريل من هذا العام بتكنيك وعاء الضغط.

استراتيجية وعاء الضغط

لجأ جيش الاحتلال خلال نشاطه العملياتي لاستراتيجية عسكرية تعرف اصطلاحاً بـ"وعاء الضغط"، وهو تكتيك عملياتي مركز ولكنه متعدد المراحل، يلجأ إليه الجيش لتحييد الطرف المنوي استهدافه سواء بالاعتقال أو الاغتيال، وقد بات هذا التكتيك العسكري عنواناً للعملية العسكرية الجارية في مناطق شمال الضفة الغربية والتي كان آخرها عملية الاغتيال التي جرت أمس الأربعاء 28/9/2022 في جنين والتي راح ضحيتها 4 شهداء فلسطينيين.

صمم هذا الإجراء العسكري لتضييق الخناق على المطارد المنوي اغتياله دون إيقاع الخسائر بقوات الجيش أو على الأقل تقليل تكلفة المواجهة للحد الأدنى، ويتم عبر القصف والتدمير الممنهج باستخدام وسائل الضغط النفسي من قبيل الاستعانة بأهل المطلوب لإجباره على تسليم نفسه، أو إطباق الحصار عليه حتى تسليم نفسه أو يستشهد.

إجراءات هذا التكتيك

قال يواف زيتون، من صحيفة يديعوت أحرونوت، إن أولى خطوات هذا التكتيك العسكري هي المعلومة، إذ يتولى جهاز الشاباك هذه المهمة، ويقوم بالبحث عن أي معلومة عن المطارد المنوي اغتياله، باستخدام الوسائل البشرية (العملاء على الأرض) أو الوسائل الإلكترونية من رصد وتنصت وتتبع إلكتروني للهواتف النقالة، وحتى أدوات الذكاء الصناعي كالتعرف على الوجه عبر كاميرات المراقبة المنتشرة بشكل كبير في الضفة الغربية.

وما أن يتم رصد مكان الهدف تبدأ القوات الخاصة التابعة للجيش وأهمها وحدات دوفدوفان التي تعتبر من الوحدات الأكثر نشاطا في الضفة الغربية، بالحشد الكبير حول منزل المطارد ليبدأ فرض حصار مركز يبدأ من الخارج عبر إغلاق منافذ الدخول والخروج من الحي أو المنزل الذي يتحصن فيه، بهدف قطع إمدادات الدعم عنه، ويتخلل ذلك اشتباكات وإطلاق نار وقذائف راجمة وقنابل يدوية، وقد تستغرق هذه العملية لساعات إلى أن تنفذ الذخيرة منه ليضطر لتسليم نفسه أو اغتياله إن أصر على ذلك.

اللجوء لأدوات الضغط النفسي لاستهداف المطارد

ياسر مناع الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشؤون الإسرائيلية قال لـ"عربي بوست" إن "أبرز ما يلجأ إليه الجيش في هذا التكتيك هو استخدام الضغط النفسي والمعنوي على المطارد عبر الاستعانة بأقاربه من الدرجة الأولى كالأم والأب والزوجة وحتى الأبناء ليستخدمهم كدروع بشرية ليحتمي خلفها، ما يجبر المقاوم على وقف إطلاق النار خشية من استهداف أقاربه، وقد تكرر هذا الحدث تقريبا في كل النشاط العسكري الذي أجراه الجيش خلال عملية كاسر الأمواج". 

وأضاف المتحدث أما "توقيت هذا العملية فيكون غالبا في أوقات الليل المتأخرة أو ساعات الصباح الأولى، ولهذا غرض متعلق بعنصر المفاجأة، وإرهاق المطارد جسديا وذهنيا، وبالنظر لما تم رصده من حالات طبقت فيها هذا التكتيك، كان الجيش يتجنب ساعات الذروة في النهار، لمنع التواصل والتنسيق مع رفاقه من عناصر المقاومة".

وتابع "يشبه هذا التكتيك عملية فك احتجاز الرهائن، إذ يتصور الجيش في هذه العملية بأنه يتعامل مع قنبلة موقوتة، يجب الحذر منه خلال نشاط العملية لاعتقاله ما أمكن، والقضاء عليه عبر اغتياله لمنع أي عملية انتقامية حال نجح في الفرار من مكان الاستهداف."

كما يحرص الجيش في هذه العملية على جلب جرافات لهدم المنزل بعد الانتهاء من العملية، ووفقا لشهود عيان تحدثوا لـ"عربي بوست" فإن آليات التدمير التابعة للجيش تكون جزءا أساسيا من الرتل العسكري الذي يأتي لتصفية المطلوب، وهذا متعلق برفع تكلفة المواجهة، وكجزء من سياسة العقاب الجماعي بحق أقارب المطارد.

خيار أقل كلفة من المواجهة المفتوحة

بنظر قادة الجيش فإن هذا الإجراء الوقائي عبر تكتيك "وعاء الضغط" هو أقل كلفة من خيار المواجهة المفتوحة، أو حتى اللجوء للاجتياح الضخم لمناطق ذات مساحات شاسعة كمدن جنين ونابلس أو تنفيذ عملية "السور الواقي2" لأن ذلك يعني فتح جبهة واسعة قد يضطر الجيش حال قرر ذلك للاستعانة بكامل قوات المشاة لديه لتغطية هذه المساحات الواسعة.

اعتبار أخر يبرره الجيش في هذا النشاط العملياتي المحدود والمركز، هو الخشية من فتح جبهات جديدة، وتحديدا في غزة التي هددت فصائل المقاومة فيها بالدخول في مواجهة مفتوحة حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء أو سعت عبر عمليات واسعة لتنفيذ مجازر بحق المدنيين، وهو ما يخشاه الجيش بالنظر للتفوق العسكري الذي أظهرته غزة في المواجهات الأخيرة وتحديدا في معركة سيف القدس في مايو/ أيار 2021.

قال إليشع بن كيمون المراسل العسكري لهيئة البث الإسرائيلية أن قادة الجيش في المنطقة الوسطى، يخشون من تدهور محتمل للأوضاع في ظل تنامي ما يعرف بظاهرة الجيل الجديد من المقاومين، في ظل انهيار وضعف السلطة الفلسطينية الغير قادرة على ضبط الأمن في مناطق جنين ونابلس.

وأضاف التكتيك الحالي للجيش هو وقائي بالدرجة الأساسي تجنبا لمواجهة مفتوحة ليست مضمونة النتائج، بالنظر للظروف الميدانية والسياسية التي تختلف كليا عن ظروف عملية السور الواقي التي جاءت في ذروة انتفاضة الأقصى.

اللواء المتقاعد والخبير العسكري يوسف الشرقاوي اعتبر أن "سير العملية العسكرية الجارية في الضفة الغربية، تمثل استنزافا للجيش، الذي لن يصمد طويلا، لذلك جاء تهديد رئيس الأركان أفيف كوخافي باستخدام سلاح الجو والطائرات المسيرة، لذلك لا يمكن الحكم بنجاح تكتيك وعاء الضغط المطبق حاليا، وقد نشهد عملية عسكرية موسعة ولكنها مركزة تستهدف مخيمات جنين ونابلس، ولكنها تحتاج وقتا لبضعة أسابيع أخرى لحين استقرار الحكومة والانتهاء من أولويات الأزمة مع لبنان وانتخاب رئيس الأركان الجديد".

وأفادت صحيفة هآرتس أنه منذ إطلاق عملية كاسر الأمواج ارتقى 87 شهيدا فلسطينيا، منهم 37 في مدينة جنين، و17 من مدينة نابلس، وتجاوز عدد المعتقلين 1500 معتقل، ورصد الجيش 140 حادثة لإطلاق النار ضد قواته، وتم تحييد 258 عبوة ناسفة كانت معدة لاستهداف قوات الجيش والمستوطنين، وهذه الأرقام هي الأضخم منذ هبة القدس في العام 2015 المعروفة بمعركة بوابة الإلكترونية.

تحميل المزيد