اجتمع العلماء من جميع أنحاء بريطانيا لدراسة طوابير الانتظار المصطفة لرؤية نعش الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، فالحدث يُتيح لهم فرصة فريدة لاستقصاء كيفية تصرف البريطانيين في التجمعات والفعاليات العامة من هذا النوع.
صحيفة The Times البريطانية، قالت السبت 17 سبتمبر/أيلول 2022، إن هذه الفعاليات جاءت فرصة جديرة بالاغتنام لكثير من الباحثين، فهم يتجولون على طول الضفة الجنوبية لنهر التايمز بين جمهور يمكن سؤاله في مختلف الموضوعات، وآلاف الناس ممن لديهم رغبة في شغل وقتهم بأي شيء وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، والغالب أن يروا الدردشة مع باحث فرصة للتخلص من ملل الانتظار.
ومن المتوقع أن نجد العلماء بعد ذلك ينشرون دراسات علمية كثيرة استندت إلى بحوث أجروها في هذه الأيام، وأن تشمل هذه الدراسات آراء وموضوعات مختلفة، مثل الملكية المتشددة والحزن الشخصي والولع بالتاريخ والتقاليد، وغيرها من الأسباب التي جذبت الناس للاصطفاف في مراسم النظرة الأخيرة على النعش، فضلاً عن عوارض الصداقة والألفة التي نشأت بين الناس في هذه التجمعات.
زيارة العلماء للتجمعات
هبَّ علماء نفس الحشود من مختلف الجامعات البريطانية، مثل جامعة "سانت أندروز" وجامعة "إدنبره" وجامعة "دندي" وجامعة "ساسكس" وجامعة "كيلي"، لزيارة التجمعات في جميع أنحاء البلاد وموكب نعش الملكة في إدنبره، لاستقصاء أنماط الحشود وسلوك الناس الذين حضروا لتوديع الملكة وترسيم الملك تشارلز الثالث.
يعمل الباحثون أيضاً على التحدث إلى الناس الذين لم يحضروا هذه التجمعات العامة، وسؤالهم "لمَ لم يذهبوا"، و"ما رأيهم في الحشود".
إذ قال ستيفن ريشر، البروفيسور في كلية طب علم النفس والأعصاب بجامعة سانت أندروز، إن "مجموعة مكونة من 15 باحثاً احتشدت من جامعات مختلفة. اشتغل بعضهم بمراقبة ما يفعله الناس وما يقولونه وما يهتفون به، وآخرون انصرفوا إلى التصوير، وغيرهم أخذ يتحدث إلى الناس في الحشود المنتشرة في جميع أنحاء البلاد وطوابير الانتظار".
وتابع ريشر أن "محنة الانتظار [مدة 10 أو 11 ساعة] أحد الأمور التي تُعنى الدراسات باستقصائها. فهذه المشقة سبب من أسباب المشاركة، والغرض منها إظهار الالتزام. والأمر إنما يستمد معناه من المشقة التي يكابدها المشاركون فيه. وبعضهم يرى الأمر بهذا المعنى: (لقد التزمت الملكة خدمة البلاد 70 عاماً، ألا يمكنني الالتزام [لتحيتها] مدة سبع ساعات)".
حشود"جسدية"
البروفيسور البريطاني أشار إلى أن بعض المجموعات كانت مجرد حشود "جسدية" لا يجمعها إلا القليل من القواسم المشتركة، لكن بعض المجموعات الأخرى كانت حشوداً "نفسية" اجتمعت على إحساس بالغاية والقيم ذاتها، "فعندما يجتمع المرء مع شخص آخر على هوية مشتركة، فإن الغريب لا يعود آخر مختلفاً عنه، وإنما يصبح جزءاً من ذاته الممتدة. فنرى حينها مزيداً من الحميمية بين الناس والتعاون والثقة والاحترام".
وفي معرض الحديث عن أسباب الاحتشاد، قال ريشر إن بعض الناس جاءوا لأنهم "ملكيون متعصبون"، وأكثرهم جاء لأن وفاة الملكة تبدو كوفاة فرد من عائلته؛ فأراد "الحداد من خلال جنازة الملكة وليس من أجلها"، ولبعض الناس فإن الأمر كله يتعلق بأن "يشارك في حدث تاريخي"، "فالأمر ينطوي على ملمحٍ من الخلود. حتى إن العائلات يمكن أن تتوارث روايته عبر الأجيال، فيقول كل منهم لخلفه: لقد كنا هناك".