تنتشر أكياس البلاستيك التي تحتوي على جثث، بعضها مقطع الأوصال، في شوارع العاصمة الكولومبية بوغوتا منذ أشهر، في مؤشر على تصاعد العمليات الانتقامية بين العصابات الفنزويلية المتناحرة.
هذه الجثث المغلفة المنتشرة في الشوارع تثير رعباً، يفوق الرعب الذي سببته التفجيرات التي نفذها أحد أشهر مهرّبي المخدرات بابلو إسكوبار، وحتى الرعب الناجم عن عمليات القتل التي نفّذتها عصابات يسارية ومجموعات يمينية، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
منذ يناير/كانون الثاني 2022، عُثر على 23 جثة مغلفة بأكياس بلاستيكية متروكة في المدينة، وقال وزير الأمن أنيبال فرنانديز دي سوتو للوكالة الفرنسية إن هذه "عمليات قتل عنيفة إما خنقاً أو بواسطة الأسلحة النارية أو حتى بالسكاكين وتتم بكثير من القسوة".
يقود أثر الدم إلى ثمانٍ من المناطق الـ19 في المدينة التي عانت من الجريمة المنظمة، لكنها نجت من الأسوأ الذي شهدته كولومبيا على مدى عقود من العنف.
يتسبب تقطيع الأوصال في الصدمة الأكبر للسكان، وتُحمّل عصابتا "ترين دي أراغوا" و"لوس ماراكوتشوس" اللتان تشكّلتا في فنزويلا، إلى جانب مجموعة ثالثة لم يتم التأكد من هويتها بعد، مسؤولية عمليات القتل الأخيرة.
الوزير دي سوتو قال إن "عمليات القتل الـ23 الفظيعة التي شهدناها والتي عثر فيها على جثث داخل أكياس، ترتبط بنزاع بين مجموعات إجرامية تتقاتل من أجل السيطرة على عائدات غير مشروعة".
أضاف المسؤول الذي يشرف على قوة خاصة تضم 1300 عنصر في الشرطة والمخابرات أن حرب العصابات "تتصاعد".
كان قد عُثر، في سبتمبر/أيلول 2022، على الجثث الأربع "المغلّفة" مقطعة الأوصال لأول مرة.
أكدت الشرطة وجود "منازل تقطيع" ومراكز تعذيب في العاصمة، أشبه بتلك التي اكتُشفت في مناطق نائية تسيطر عليها مجموعات لتجارة المخدرات تنخرط في أعمال قتالية.
يُشير دي سوتو إلى أن الضحايا أعضاء في عصابات متناحرة، ولدى معظمهم سجلات جنائية، وأضاف أنهم "يرهبون (خصومهم) عبر طريقة عمل مروعة".
تبيع العصابات المخدرات وتبتز الأعمال التجارية المحلية، وتفيد صحيفة "إل تييمبو" بأن المجموعة الثالثة "خلية مافيا مكسيكية" تقيم علاقات قوية مع كارتيل "سينالوا".
كانت السلطات قد اشتبهت منذ العام الماضي بأن عصابة "ترين دي أراغوا" حاضرة في بوغوتا، حيث يقطن ربع المهاجرين الفنزويليين المقيمين في كولومبيا والبالغ عددهم 1,8 مليون شخص.
قبل ذلك، عبر أفراد العصابة الحدود إلى إدارة نورتي دي سانتاندير، حيث اشتبكوا مع "جيش التحرير الوطني"، وهي مجموعة ماركسية.
في البداية، "سيطرت (العصابات) على الأراضي المحيطة بالحدود، وفرضت رسوماً على الفنزويليين الذين يعبرون بشكل غير شرعي"، وفق ما أفاد جيريمي ماكديرموت، المدير في مركز InSight Crime المتخصص بأبحاث الجريمة المنظمة.
بعد ذلك، انتشرت في أنحاء كولومبيا ومن بنما إلى تشيلي وفرضت رسوم "حماية" واستغلت المهاجرين الضعفاء، كما سجّل تواجدها في البرازيل والإكوادور والبيرو.
من جانبه، أشار أمين المظالم المسؤول عن السلامة العامة، إلى ارتباط المنظمة بمنشقين عن حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، التي كانت أكبر مجموعة متمردة في البلاد إلى أن وقعت على اتفاق سلام عام 2016 وشكلت حزباً سياسياً.
أما "لوس ماراكوتشوس" فهي أقل شهرة من "ترين دي أراغوا"، لكنها تنشط في كولومبيا منذ فترة أطول (منذ العام 2019).
يشير إيزاك موراليس، وهو محقق لدى "مؤسسة السلم والمصالحة" PARES، إلى أن "لوس ماراكوتشوس" تبقي "مركز عملياتها في سجون" فنزويلا.
كانت الشرطة قد ألقت القبض على عشرة من أعضاء العصابة، وطلبت من الإنتربول مساعدتها في العثور على خمسة آخرين فرّوا إلى فنزويلا.
يأتي ذلك في وقت أعاد فيه الرئيس اليساري الجديد لكولومبيا غوستافو بيترو إقامة علاقات دبلوماسية مع البلد المجاور، بعد نحو أربع سنوات من العداوة بين سلفه إيفان دوكي المحافظ والرئيس الفنزويلي اليساري الشعبوي نيكولاس مادورو.
كانت تحقيقات PARES قد كشفت عن أربعة تنظيمات فنزويلية غير شرعية على الأقل ضمن مئة مجموعة إجرامية تنشط في بوغوتا، وقالت رئيسة البلدية كلوديا لوبيز إن القياديين في "ترين دي أراغوا"، نينو غيريرو وجيوفاني، يديران المنظمة من سجن في فنزويلا.