رفض الفرنسي صلاح عبد السلام، المحكوم عليه في فرنسا بالسجن مدى الحياة؛ لضلوعه في هجمات باريس 2015، المثول أمام المحكمة في بروكسل، حسبما نشرت وكالة فرانس برس، الإثنين 12 سبتمبر/أيلول 2022، وذلك في مستهل جلسات محاكمته لدوره في اعتداءات نفذتها الخلية الجهادية نفسها بالعاصمة البلجيكية في مارس/آذار 2016.
حيث اقتيد الفرنسي، البالغ من العمر 32 عاماً، وهو أحد عشرة متهمين في هذه المحاكمة، من زنزانته فيما لا يعتزم المثول أمام هذه المحكمة، بحسب محاميه. وبعد دقائق على افتتاح الجلسة نحو الساعة الـ9.30 (7.30 ت.غ)، عبَّر عن رغبته في مغادرة قفص الاتهام، كما أفاد مراسل وكالة فرانس برس. وقال متوجهاً إلى رئيسة المحكمة: "طريقة معاملتك لنا غير عادلة".
اتهامات بالإرهاب
كان يشير إلى شروط المثول في أقفاص اتهام فردية مغلقة، وخلف زجاج شبّهه محامو الدفاع بـ"أقفاص"، وهي تحد من فرص التواصل، بحسب قولهم.
صباح الإثنين، اقتيد المتهمون التسعة الذين يُفترض أن يمثلوا أمام المحكمة، من السجن وهم يواجهون اتهامات بالإرهاب. لكن العديد منهم سرعان ما انتقدوا هذه "الأقفاص" بعد حضورهم أمام المحكمة.
في حين أدت هجمات بروكسل التي نفذها ثلاثة انتحاريين بمطار بروكسل وفي محطة مترو أنفاق مكتظة، إلى مقتل 32 شخصاً وجرح المئات. وسيُحاكم مشتبه به عاشر، يُعتقد أنه قُتل في معارك بسوريا، غيابياً.
من جانبه قال التونسي سفيان عياري المتواطئ في هروب عبد السلام: "نحن كالكلاب هنا". وبعدما كان أعرب في بادئ الأمر عن رغبته في البقاء، غيّر صلاح عبد السلام رأيه عندما رأى محمد عبريني وسفيان عياري وآخرين من المتهمين يتم اقتيادهم.
حيث قال للرئيسة: "أعلم أنه ليس قرارك، هذه الصناديق"، لكن بسبب ذلك "تبدأ المحاكمة بطريقة عادلة". وأضاف أن "غالبية المتهمين لا يريدون المثول، وأنا أيضاً أريد الانضمام إليهم" في زنزانات مبنى العدل. وافق ثلاثة متهمين فقط على البقاء.
تفجيرات بروكسل
من جانبها قالت رئيسة المحكمة إنها ستصدر قرارها بهذا الشأن الجمعة عند الساعة الـ14.00 (12.00 ت.غ)، قبل أن تعلن مساءً رفع الجلسة.
يُذكر أنه وفي صباح 22 مارس/آذار 2016، فجَّر مسلحان نفسيهما في مطار بروكسل-زافنتيم الدولي، فيما فجَّر ثالثٌ نفسه بعد ساعة في مترو العاصمة الأوروبية. وكانت الحصيلة 32 قتيلاً وأكثر من 340 جريحاً.
في هذه المرحلة، أحصت النيابة الفيدرالية 960 مدعياً بالحق المدني، مما يجعل هذه أكبر محاكمة على الإطلاق تنظَّم في بلجيكا أمام هيئة محلفين شعبية.
فيما كشف التحقيق بسرعة، لا سيما بفضل جهاز كمبيوتر تم العثور عليه في سلة مهملات، أن منفذي هجمات 22 مارس/آذار كانوا على صلة بمنفذي اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني (130 قتيلاً في باريس وسان دوني)، أعضاء في الخلية نفسها التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية والتي تشكل قسم كبير منها على الأراضي البلجيكية.
الإسراع في تنفيذ التفجير
يبدو أن اعتقال عبد السلام في 18 مارس/آذار 2016، ببروكسل هو الذي سرّع انتقال أعضاء الخلية الآخرين إلى التنفيذ.
في هذه المحاكمة التي تجري بمقر حلف شمال الأطلسي السابق في بروكسل والذي تحوَّل إلى مجمع قضائي كبير، لن تبدأ المداولات إلا في أكتوبر/تشرين الأول. لكن جلسة تمهيدية كان يُفترض أن تحل، يوم الإثنين، مختلف النقاط الإجرائية، لا سيما تحديد ترتيب مثول الشهود الذين سيتوالون على المحكمة، وصولاً حتى يونيو/حزيران 2023.
أما بشأن أقفاص الاتهام، فعبَّر محامي محمد عبريني "رجل القبعة" الذي ترك عربة المتفجرات في المطار قبل أن يفر، عن "اشمئزازه". وقال ستانيسلاس أشكينازي: "سيدتي الرئيسة، لا يمكننا إجراء محاكمة في هذه الظروف، دمِّري هذا الشيء من أجلي، لا تتقبلي هذا الأمر! لديك السلطة لهدمه، فاهدموه".
بدورها قالت المحامية ديلفين باسي، وكيلة عبد السلام: "نحن لا ندافع عن هانيبال ليكتر (في إشارة إلى شخصية خيالية لقاتل متسلسل وآكل للحوم البشر في رواية التنين الأحمر)، ولا عن نمر على وشك الانقضاض". وهدّدت بأنها ستلجأ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ للاحتجاج على "معاملة غير إنسانية ومهينة"، ما قد يؤدي إلى إرجاء المحاكمة.
في الجبهة الأخرى ردت ماريز أليي، وكيلة إحدى الجمعيات التي تمثل الأطراف المدنيين، على هذه التصريحات، وقالت: "لا يمكن الحديث عن معاملة غير إنسانية للمتّهمين بالنظر إلى العنف الشديد الذي تعرّض له الضحايا".
محاكمة طويلة
من جهته أقر فريق المدعي العام الفيدرالي بالهيئة غير المسبوقة لقفص الاتهام (محاكم الجنايات البلجيكية عادةً ما تكون مجهّزة بقفص اتّهام واحد مفتوح)، لكنه اعتبر أنه "مبرر ومتناسب"، بسبب "متطلّبات الأمن" في قضية إرهاب.
في بروكسل، هناك ستة من المتهمين العشرة بينهم عبد السلام وعبريني وعياري وأسامة كريّم (الذي عاد أدراجه مع متفجراته بعد دخوله المترو) معنيون بالمحاكمة الطويلة التي انتهت في نهاية يونيو/حزيران في باريس، بتهم اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني.
كلهم باستثناء واحد سيكون عليهم الرد على تهمة "القتل في إطار إرهابي" ويواجهون عقوبة السجن مدى الحياة. يحاكَم البلجيكي-المغربي إبراهيم فريسي بتهمة "المشاركة في أنشطة مجموعة إرهابية"، ويواجه عقوبة تصل إلى السجن عشر سنوات أمام محكمة، بحسب أحد محاميه.
في مواجهة المتهمين، يعتبر الضحايا المحاكمةَ محطة مهمة في إطار عملية خروجهم من معاناتهم.
من جانبه قال المسعف المتطوع فيليب فاندنبرغ، أحد هذه الأطراف المدعية والذي لا يزال يعاني من تبعات الصدمة ومن كوابيس بعد ست سنوات على وقوع الهجمات: "حياتي دُمرت بالكامل وخسرت أصدقائي وهوايتي كطيار". وأضاف: "نأمل أن يتم الاعتراف بمعاناتنا وأن يشكل ذلك بداية أمر آخر".