حمل اسم مصر ورمز أبو الهول.. ما قصة العلم الاستعماري الذي أثار جدلاً في مراسم تتويج تشارلز الثالث؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/11 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/27 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
يظهر في العلم المرفوع ضمن المراسم اسم مصر ورمز أبو الهول - Social Media

يُعد حرس الكولد ستريم (Cold Stream) أحد أقدم الأفواج المستمرة في الخدمة بالجيش البريطاني. ورغم أنه معروف بواجباته الاحتفالية رفيعة المستوى في المراسم والمناسبات التي تقرها العائلة الملكية، فإن وحدة المشاة تلك تُعد قوة قتالية من النخبة، وقد لفتت أنظار كثيرين، خاصةً المصريين، خلال الأيام الماضية.

إذ إنها خلال مراسم إعلان تتويج تشارلز الثالث ملكاً لبريطانيا خلفاً لوالدته إليزابيث الثانية، التي توفيت عن عمر ناهر الـ96 عاماً الخميس 8 سبتمبر/أيلول عام 2022، رفعت في مسيرتها التي جابت العاصمة لندن، راية ظهر عليها رمز لأبو الهول المصري، وذكر لمعركة التل الكبير، مع اسم مصر في المنتصف يعلوه التاج.

هذا العلم دفع كثيراً من المتابعين في مصر والدول العربية إلى انتقاد الملكية البريطانية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتنديد بالماضي الاستعماري الذي قالوا إن المملكة المتحدة تحتفي به في مناسباتها المهمة.

فما قصة العلم الذي حمل اسم مصر في مسيرات تتويج ملك بريطانيا الجديد؟

الكتيبة المقاتلة تمارس المراسم الاحتفالية الرسمية في المملكة المتحدة - Flickr
الكتيبة المقاتلة تمارس المراسم الاحتفالية الرسمية في المملكة المتحدة – Flickr

من هم حرس الكولد ستريم الذين رفعوا العلم؟

الفرقة التي تداول صورها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال الأيام الماضية، هي فرقة مشاة باسم حرس "الكولد ستريم" أو (Coldstream Guards)، وهم جنود متخصصون في عمليات الأدوار الخفيفة.

تلك العمليات تشمل إجراء الاستطلاع وتشغيل المدافع الرشاشة وقذائف الهاون، والاشتباك مع قوات الأعداء سيراً على الأقدام وفي المركبات الخفيفة.

هذا التنوع يجعل الفوج إحدى أهم الوحدات القتالية بالجيش البريطاني. في الوقت ذاته، يلعب حراس كولد ستريم أيضاً دوراً احتفالياً كحماة للقصور الملكية، وضمن ذلك قلعة وندسور وقصر باكنغهام في قلب العاصمة لندن.

وتُعتبر الفرقة واحدة من أقدم وأشهر فرق المَسيرات العسكرية في العالم. فهو أقدم فوج مستمر في الخدمة بالجيش البريطاني حتى اليوم، وتعود أصوله إلى الحرب الأهلية الإنجليزية.

تم تشكيل الفوج لأول مرة عام 1650 باعتباره فوج المشاة الأساسي. ثم أصبحت الفرقة تُعرف باسم حراس الكولد ستريم في عام 1670، عند وفاة قائدها، الجنرال جورج مونك.

وقد شاركت الكتيبة الأولى لحرس الكولد ستريم في كل الحروب التي دارت بسبب التدخل البريطاني في دول العالم على مر التاريخ، وضمن ذلك احتلال مصر مطلع القرن الماضي، واحتلال فلسطين، وغزو أفغانستان والعراق.

أثار العلم الكثير من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة - Social Media
أثار العلم الكثير من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة – Social Media

شكل الراية التي يرفعها الفوج العسكري

بشكل عام، تستخدم الكتيبة لونين لأعلامها. يُعرف الأول باسم اللون الملكي أو لون الملكة إليزابيث الثانية، ويسمى اللون الثاني باللون الفوجي، أو لون الأفواج البريطانية.

الألوان الملكية للكتيبة الأولى لها خلفية قرمزية وتحمل نجمة وسام الرباط في الوسط، مع رمز التاج الإمبراطوري أعلاه. إضافة إلى ذلك، هناك أسماء أبرز 47 من أصل 117 معركة خاضتها الكتيبة في تاريخها.

وهي مُرتبة بالتسلسل الزمني في صفوف عمودية على جانبي التاج الملكي الذي يحتل المنتصف، وآخرها كان مشاركتهم في حرب الخليج الثانية عام 1991، لتحرير الكويت.

يحمل الراية في المراسم والاحتفالات الرسمية الملكية جندي من الكتيبة، يتبعه فوج من الحرس المشاة المسلحين بالسيوف.

المعارك والحروب التي شارك فيها الفوج في الشرق الأوسط

حارب الفوج في الحرب الإنجليزية الهولندية الثانية (1665-1667)، ثم حاربوا في مدينة طنجة المغربية التي وقعت تحت الاستعمار البريطاني، ضد الثورة المغاربية في أواخر ستينيات القرن السادس عشر.

كما خاض عدداً من الحروب الأخرى حول العالم على مدار نصف قرن أخرى، ثم انتقل إلى جبل طارق في عام 1800، قبل أن يهبط في خليج أبو قير بمصر في مارس/آذار من العام التالي.

معركة أبو قير في الإسكندرية

في مطلع القرن التاسع عشر، كانت الكتيبة البريطانية ضمن الجيش الإنجليزي الذي قاتل في الإسكندرية عام 1801 فيما يُعرف بمعركة أبو قير الثانية، التي قامت ضد الاحتلال الفرنسي في مصر.

إذ وصلت حملة بريطانية بقيادة رالف أبركرومبي إلى الإسكندرية بغرض طرد ما تبقى من القوات الفرنسية، وتمكنت من إجبارهم على التقهقر.

بعدها عاد فوج الكولد ستريم إلى بريطانيا، ولم يخدموا في الخارج حتى حرب القرم (1854-1856).

ثم في عام 1882، تم إرسال الكتيبة مجدداً إلى مصر، للتصدي لأحمد عرابي.

الفوج يتكون من عدة كتائب شاركت في مختلف عمليات بريطانيا عبر التاريخ - Flickr
الفوج يتكون من عدة كتائب شاركت في مختلف عمليات بريطانيا عبر التاريخ – Flickr

معركة التل الكبير ومطامع القوى العظمى في مصر

في أواخر القرن التاسع عشر ظلت مصر، التي كان يحكمها الخديوي آنذاك، جزءاً رمزياً من الخلافة العثمانية. وظل لبريطانيا وفرنسا اهتمام كبير بالبلاد بسبب قناة السويس، حيث وفرت الطريق الأفضل لهما إلى مستعمراتهما الآسيوية؛ الهند وأستراليا لبريطانيا، وما كان يُعرف آنذاك بـ"الهند الصينية" لفرنسا.

في سبعينيات القرن التاسع عشر، تدهور الوضع السياسي والاقتصادي لمصر، من خلال سوء الإدارة والفساد. فشكلت بريطانيا وفرنسا لجنة للإشراف على الحكومة المصرية.

وبحلول عام 1881، أطلق الأميرلاي أحمد عرابي بك، الضابط بالجيش المصري، مع ضباط مصريين آخرين ثورة ضد الخديوي توفيق والبريطانيين والفرنسيين.

فقصف سرب بحري بريطاني بقيادة الأدميرال سيمور دفاعات الإسكندرية، وميناء مصر الرئيسي على الساحل الشمالي، في 11 يوليو/تموز عام 1882.

وتجمعت قوة عسكرية بريطانية بقيادة السير جارنت ولسيلي لغزو مصر، بهدف الاستيلاء على القاهرة وتنصيب الخديوي توفيق حاكماً صورياً تابعاً لها، مع تمديد السيطرة الأنجلو-فرنسية على البلاد.

التل الكبير.. ساحة المعركة الأخير لهزيمة عرابي

نزلت القوة البريطانية التي شارك فيها فوج الكولد ستريم بالإسكندرية في الأسبوع الثاني من أغسطس/آب عام 1882. وكانت أهداف القوة هي تأمين قناة السويس، ثم الزحف حتى العاصمة، القاهرة.

لكن مع مواجهة الجيش البريطاني لقوات أحمد عرابى في الإسكندرية توجهت قوات الاحتلال إلى محافظة الإسماعيلية بالقرب من مدينة القصاصين ودارت معركة بينهم وبين قوات عرابي عُرفت باسم "معركة القصاصين". انتهت تلك المعركة بتراجع قوات الجيش المصري بعدما وصلت إمدادات للقوات البريطانية في أثناء المعركة.

وكانت هزيمة القوات المصرية بقيادة الزعيم أحمد عرابي في معركة التل الكبير بالإسماعيلية على أيدي القوات البريطانية، سبباً فى دخول الإنجليز للقاهرة بعدها حيث استقبلهم الخديوى، ووقع عرابي في الأسر ليتم الحكم عليه بالإعدام ثم يُخفف الحكم للنفي.

وينتهي الأمر بوقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزي لعقود طويلة بلغت أكثر من 73 عاماً، حتى خروج آخر جندي بريطاني من مصر في 18 يونيو/حزيران 1956.

بطبيعة الحال كان هذا التدخل، الذي شاركت فيه كتيبة مشاة الكولد ستريم الإنجليزية، فوزاً محورياً لمستقبل الاحتلال البريطاني لمصر آنذاك، ما جعل اسم المعركة "التل الكبير" (Tel-El-Kbir) يندرج ضمن أسماء المعارك البارزة المندرجة ضمن معارك الفوج الملكي المشرِّفة له.

فوج المشاة يتمتع بتاريخ طويل من المعارك والحروب عبر العالم - Flickr
فوج المشاة يتمتع بتاريخ طويل من المعارك والحروب عبر العالم – Flickr

معارك الكتيبة في المنطقة العربية خلال الحرب العالمية الثانية

عند اندلاع الحرب، كانت الكتيبة الثالثة تخدم في مصر المفروضة عليها الوصاية البريطانية. وقد انضمت "الكولد ستريم" إلى حملة توجهت لشمال إفريقيا، قبل أن يتم القبض عليها وتدميرها في معارك طبرق بين قوات الحلفاء والمحور، في يونيو/حزيران عام 1942. 

وبعد إعادة تشكيل الكتيبة مجدداً أواخر العام نفسه، عادت أوائل عام 1943، عندما انتشرت في سوريا للتصدي لقوات المحور. ثم في مارس/آذار 1944، انتقلت الكتيبة إلى الجبهة الإيطالية.

بعد الحرب، خدمت الكتيبتان الأولى والثالثة من قوات الكولد ستريم بفلسطين في أثناء وقوعها تحت الانتداب البريطاني. تم نشر الفوج  الأول بعد ذلك في ليبيا وقبرص ومنطقة قناة السويس في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

بعد تدخل الكتيبة في فلسطين أثناء الاستعمار، انتشرت الفرقة الثالثة من الكتيبة البريطانية في ليبيا ومنطقة قناة السويس وألمانيا، قبل أن يتم حل الفرقة في عام 1959.

الكتيبة العسكرية تشارك في المراسم الاحتفالية والمعارك الحربية حسب الحاجة - Flickr
الكتيبة العسكرية تشارك في المراسم الاحتفالية والمعارك الحربية حسب الحاجة – Flickr

حرب الخليج.. وتاريخ 1991 الذي يتوسط الراية

بحلول عام 1991، شاركت الكتيبة الأولى من فرقة مشاة الكولد ستريم في حرب الخليج الثانية، عندما غزا العراق جارته الكويت في العام 1990-1991. لذلك تتوسط علم المعارك الأبرز التي خاضها الفوج كلمة "الخليج 1991" أو (Gulf 1991).

ثم لاحقاً في الآونة الأخيرة، شارك الفوج في حرب العراق عام 2005، في أثناء الغزو الأمريكي الذي امتد في الفترة من 2003 وحتى 2009.

كما شاركت الكتيبة البريطانية في الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2007 كقوات إضافية على الأرض، ثم في 2009 و2010 على التوالي.

تحميل المزيد