اجتماع دار الفتوى.. تحرك سني لمنع “نسف اتفاق الطائف” قبل اختيار رئيس لبنان الجديد

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/09 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/09 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
الرئيس اللبناني ميشال عون مع المفتي من دار الفتوى في بيروت/ رويترز

هل ينتهي انقسام الشارع السني في لبنان؟ هذا السؤال يجري طرحه اليوم في ظل الدعوة التي أعلنها مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان، لاجتماع النواب السنة في دار الفتوى، بهدف مقاربة الاستحقاقين المنتظرين، انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً لميشال عون الذي ستنتهي ولايته في 31 من أكتوبر/تشرين الأول القادم، واختيار رئيس حكومة بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وموقع رئاسة الحكومة يمثل أعلى منصب سني في البلاد. 

الاجتماع الذي دعا له دريان جرى تحديده في 24 سبتمبر/أيلول الحالي في دار الفتوى، وسيشارك به نواب السنة بمعظمهم، فيما اعتذر عن الحضور حتى اللحظة النواب أسامة سعد وإبراهيم منيمنة وحليمة قعقور، وهم نواب قوى التغيير ذات التوجهات المدنية الذين يعتبرون هذا الاجتماع إعادة فرز للخطاب المذهبي والطائفي، والتي تتنافى مع قيم الثورة، على حد وصفهم.

فيما تشير مصادر دبلوماسية عربية رفيعة لـ"عربي بوست" أن تحرك المفتي دريان مدفوع بدعم المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي تحفز هذا المشروع استكمالاً لنشاط السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، الذي أجرى منذ فترة مجموعة من اللقاءات شملت أكثرية النواب السنة، بمن فيهم أولئك المحسوبون على حزب الله.

اتفاق الطائف ومحرمات المس به

تأتي هذه المبادرة في الوقت الذي تأخذ فيه المواجهة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي "منعطفاً طائفياً"، في إطار حديث عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن رفضهما القبول بإعادة تعويم الحكومة الحالية، بالإضافة لرفضهما أن تتولى حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتهاء مدته الدستورية.

هذا الأمر يثير غضب القيادات السنية والنواب ورؤساء الحكومات السابقين، الذين يعتبرون تصرف عون انتهاكاً لاتفاق الطائف وهجوماً على المركز السني الأول من قبل أعلى منصب رسمي مسيحي.

يذكر أن اتفاق الطائف الذي وُقع في عام 1989، ووضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية، نقل جزءاً كبيراً من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء المنعقد برئاسة شخصية سنية.

حينها رفض ميشال عون، الذي عين نفسه رئيس الحكومة الانتقالية، بشدة هذه الوثيقة، التي رعتها السعودية. ولا يزال عون وتياره حتى يومنا هذا يرفضون مخرجات هذا الاتفاق.

ومنذ عودته إلى لبنان بعد 15 عاماً من المنفى في فرنسا، يخوض ميشال عون معركة سياسية شرسة ضد اللاعبين الأساسيين في دستور الطائف، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والقيادات السنية التقليدية، أي نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة.

لذا يؤكد المصدر الدبلوماسي العربي لـ"عربي بوست" أن الحراك السعودي والخليجي عبر المفتي والنواب السنة يهدف لمنع أي مسعى يقوده رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مدعوماً من حزب الله، بهدف طرح تعديل أو نسف اتفاق الطائف.

ويرى أن التزامن بين دعوة المفتي وتغريدة السفير السعودي والتي أشار فيها إلى أن "ميثاق الوِفاق الوطني والذي أقرَّهُ اللُّبنانيّون برعايةٍ عربيةٍ ودوليّةٍ، ليس وهماً ولا أُحجِيَةً غامضةً؛ فهو مُصوغ بلسانٍ عربي فَصيح"، هي خير تأكيد على وجود السعودية في خلفية الاجتماع. 

ميشال عون وجبران باسيل

موقف النواب

في هذا الإطار يشير النائب أحمد الخير إلى تفاقم شعور الإحباط لدى الشارع السني منذ انسحاب زعيم تيار المستقبل سعد الحريري عن اللعبة السياسية، والذي يعد والده الرئيس الراحل رفيق الحريري أحد أهم الرعاة اللبنانيين الرئيسيين لاتفاق الطائف.

ويشير الخير إلى أنه عام 2016، ولولا الشرعية السنية التي مُنحت لميشال عون بدعم من الرئيس سعد الحريري، لما تمكّن ميشال عون من الوصول إلى قصر بعبدا.

ويرى الخير أن غياب المكون السني الصلب قد يؤدي إلى تهميش أهل السنة في البلاد، على الأقل خلال هذه الاستحقاقات، وترك الأبواب مشرعة لسيطرة حزب الله على قرار كل البلاد.

ويشير الخير إلى أن انسحاب سعد الحريري ترك فراغاً لا يمكن لأحد أن يملأه، لهذا نقولها بكل جرأة، سنذهب إلى دار الفتوى من أجل ضمان وحدة أهل السنة، "لسنا طائفة بل أمة لطالما ضمنت الاستقرار والتوازن في الدولة الوطنية"، على حد قوله.

بالمقابل يشير النائب حسن مراد، وهو مقرب من حزب الله، إلى أن الخطوة التي دعا إليها المفتي دريان منتصف الشهر الحالي، ليست سابقة؛ لأن مفتي الجمهورية حين انتخابه استطاع أن يجمع الطائفة كلها.

وأضاف: "الاجتماع المقبل هو لقاء نتشاور فيه بيننا كنواب وزملاء مع سماحته، لتبقى هذه الدار سقفنا الذي نجتمع تحت قبته"، مؤكداً في الوقت نفسه، على ضرورة أن يصدر موقف موحد شبه إجماعي.

"سنبقى نحافظ على روح اتفاق الطائف الذي ندعو إلى ممارسته وتطبيق بنوده جميعاً، كلٌّ على طريقته. نحن نلتزم باتفاق الطائف كله، بنصه الحرفي، مع الحفاظ على أحسن العلاقات المميزة مع سوريا، وليس آخراً، العمل على وضع قانون انتخابات خارج القيد الطائفي على مستوى المحافظات"، على حد قول مراد.

خلية خليجية

في إطار متصل يؤكد المصدر الدبلوماسي العربي أنه جرى تأسيس خلية خليجية هدفها مناقشة السبل المتاحة لدعم لبنان، وأهمها الحفاظ على اتفاق الطائف.

ويؤكد المصدر أن الخلية تضم السعودية وقطر والكويت والإمارات، وأنها اجتمعت مرتين متتاليتين، وتدرس العديد من الخيارات للعودة بشكل تدريجي للبنان.

ولا يخفي المصدر أن الدول شبه متفقة على خطوط عامة واضحة، منها رفض الإتيان برئيس للجمهورية محسوب على طرف محدد لعدم تكرار تجربة ميشال عون، والتي، برأيه، أخذت لبنان بالانحياز لطرف دون آخر، وتحديداً لإيران.

ويشدد المصدر أن شروط إعادة دعم لبنان تنطلق من انتخاب رئيس للجمهورية، وتكليف رئيس للحكومة بخلفية إصلاحية واقتصادية. كذلك يؤكد المصدر رفض الدول الخليجية لفكرة جرى تداولها وهي "إلزام" السنة لحزب القوات اللبنانية، وهذا الأمر بحد ذاته غير منطقي بكون السنة مكوناً له امتدادات إقليمية كبرى، ولا يمكن إعطاء ورقته إلى حزب مسيحي يميني.

رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وميشال عون - رويترز
رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وميشال عون – رويترز

هل يثمر اجتماع دار الفتوى؟

بالمقابل يشدد مصدر حكومي لـ"عربي بوست" أن الاجتماع بحد ذاته فكرة جيدة لتوحيد الجهود، لكن التعويل عليه لجمع النواب السنة على كلمة واحدة في استحقاق رئاسة الجمهورية يبدو أمراً غير وارد لطبيعة انتماء هؤلاء النواب، فجزء منهم بحسب المصدر يتماهى مع حزب الله وجزء من حلفائه، فيما الجزء الآخر مرتبط بعلاقات تجارية مع النظام السوري.

بالمقابل فإن النواب السنة المنضوين في كتلة قوى التغيير لديهم منطلقاتهم السياسية، والتي لا تلتقي مع طرف المفتي والنواب المحسوبين على تيار المستقبل، لذا فإن الاجتماع بحسب المصدر لن تكون له انعكاسات ما لم تكن كلمة سر واضحة من السعودية أو دول الخليج.

تحميل المزيد