مرة أخرى، يتجه العراق نحو حافة الهاوية، والجميع يحبس أنفاسه في ظل التوتر المتصاعد بين الكتلتين السياسيتين الشيعيتين في البلاد، مع تزايد احتمالية المواجهة المباشرة بين أنصار التيار الصدري، والإطار التنسيقي الشيعي، في الأسابيع الأخيرة.
فمنذ إعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية الخامسة، بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والتي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، تحاول النخب السياسية العراقية وبالتحديد النخب الشيعية، تشكيل الحكومة الجديدة.
ومع اقتراب مرور عام على الانتخابات لم يتحقق أي شيء، بل العكس هو ما يحدث، تتعقد الأمور كل يوم بسبب التنافس الشديد بين رجل الدين الشيعي السياسي الشعبوي، مقتدى الصدر، وخصومه من الإطار التنسيقي الشيعي.
وأمام هذا الموضع، ومع زيادة التكهنات باحتمالية أن تخرج الأمور عن السيطرة، وحدوث اقتتال بين الفصيلين المتنافسين، يبدو أن العراق دخل في نفق مظلم، واحتمالية الأمل ضئيلة في الأيام الحالية.
كيف بدأ مقتدى الصدر "ثورته"؟
بدأ رجل الدين الشيعي والسياسي وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في اتخاذ خطوات كبيرة لتنفيذ ما أطلق عليه "ثورة الإصلاح"، كانت البداية في منتصف شهر يونيو/حزيران 2022.
وأمر الصدر نوابه في البرلمان، والبالغ عددهم 73 نائباً من أصل 329، بتقديم استقالاتهم بشكل مفاجئ وصادم لحلفائه وخصومه، وذلك ما اعتبره احتجاجاً على عرقلة الإطار التنسيقي لعملية تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، كما أصر منذ اليوم الأول بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة.
وبدأ مقتدى الصدر بكسر التقليد الخاص بالنظام السياسي العراقي الذي تأسس منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، وطالب لأول مرة بتشكيل حكومة "أغلبية" بدلاً من تشكيل حكومة توافقية كما جرت العادة في العراق.
ومن أجل تحقيق هدفه، دخل في تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الفائز الأكبر بين الأحزاب الكردية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والكتلة السنية المعروفة باسم "السيادة".
يقول سياسي شيعي بارز لـ"عربي بوست"، "طوال السنوات الماضية، كان مقتدى الصدر جزءاً من النظام التوافقي والمحاصصة فى الحكومة العراقية، لكن بمرور الوقت استطاع تقوية نفوذه داخل الدولة العراقية، وفجأة أراد أن يستولي على السلطة بمفرده، ويقوم بتهميش خصومه من الشيعة، ومن هنا بدأت المعركة الحالية".
لكن بالرغم من الخسارة الفادحة التي طالت أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي، المنافسة لمقتدى الصدر، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإنها استطاعت عرقلة جهود الصدر في تشكيل حكومة يقودها هو وحلفائه من الأكراد والسنة.
وعرقل الإطار التنسيقي الشيعي، عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وهي الخطوة المهمة لتسمية رئيس الوزراء، وتشكيل الحكومة الجديدة، لذلك منع استكمال هذه الخطوة، يعني جمود عملية تشكيل الحكومة.
بعد الضغط الذي مارسه الإطار التنسيقي الشيعي، على القضاء العراقي، أعلنت المحكمة الاتحادية ضرورة حضور ثلثي النواب في الجلسة البرلمانية لاختيار رئيس الجمهورية، وبالمناسبة هو منصب محجوز للمكون الكردي، بحسب اتفاق غير مكتوب بين الساسة العراقيين منذ عام 2005.
وبالرغم من حصول مقتدى الصدر على الأغلبية في البرلمان العراقي، فإنه لم يستطع هو وحلفاؤه اختيار رئيس الجمهورية، لأن ثلث الأعضاء اللازم حضورهم لاكتمال النصاب القانوني لجلسة اختيار الرئيس كانوا من الإطار التنسيقي الشيعي، ولم يحضروا جلسات اختيار الرئيس.
من هنا، أدرك مقتدى الصدر، أنه بالرغم من كونه الفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإنه لن يستطيع أمام عقبة "الثلث المعطل" التابع للإطار التنسيقي الشيعي، تحقيق هدفه في الانفراد بالسلطة وتشكيل حكومة أغلبية، فجاء قرار انسحابه من البرلمان والعملية السياسية برمتها.
وفشلت أيضاً سلسلة من المفاوضات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي، وفشلت حتى محاولة الوساطة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أزمة المالكي والصدر.. تدفع التوتر إلى الشارع
قبل الحديث عن أزمة نوري المالكي ومقتدى الصدر التي لعبت دوراً كبيراً في تدهور الأمور في العراق في الآونة الأخيرة، يجب الإشارة إلى ماهية الإطار التنسيقي الشيعي الذي يقوده بشكل كبير نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق.
الإطار التنسيقي الشيعي هو مظلة ينضوي تحتها العديد من الأحزاب الشيعية القوية في العراق، مثل ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف فتح بزعامة هادي العامري رئيس منظمة بدر ووزير النقل السابق في الحكومة الثانية لنوري المالكي.
ويوجد في الإطار حركة صادقون التابعة للفصيل المسلح "عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، وتحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة رجل الدين الشيعي عمار الحكيم، وتحالف النصر بزعامة حيدر العبادي، وتحالف العقد الوطني بزعامة فالح الفياض زعيم وحدات الحشد الشعبي والمستشار السابق للأمن القومي للحكومة العراقية.
مكونات الإطار التنسيقي الشيعي، تختلف من حيث درجة قربها من إيران أو اعتدالها، فليست جميعها تمتلك نفس الأيديولوجية، ولديها الكثير من الانقسامات، لكنها متوحدة في الخصومة مع مقتدى الصدر، الذي كان جزءاً من الإطار التنسيقي الشيعي قبل أن ينسحب في وقت مبكر من العام الماضي.
وبالعودة إلى الأزمة المتصاعدة بين نوري المالكي ومقتدى الصدر، في بداية شهر يوليو/تموز، وبعد سحب مقتدى الصدر نوابه من البرلمان، ظهرت تسجيلات صوتية يُزعم أنها لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ويُسمع فى هذه التسجيلات المسربة، الصوت المزعوم بأنه لنوري المالكي، وهو يتهم مقتدى الصدر بالدموية، كما أنه تحدث عن خطته لتسليح القبائل التابعة له، إمكانية مهاجمة مدينة النجف في حال استمرار عناد مقتدى الصدر ورغبته في إقصاء الإطار التنسيقي الشيعي.
بالطبع نفي نوري المالكي مسألة أن يكون الصوت الظاهر فى هذه التسجيلات له، وطلب من القضاء العراقي التحقيق في أمرها، ولكن على الجهة الأخرى، كانت هذه التسجيلات المسربة بالنسبة لمقتدى الصدر، إعادة فتح لعداوة قديمة بين الرجلين.
انتصار أعداء الصدر
بانسحاب مقتدى الصدر من البرلمان، استطاع الإطار التنسيقي أن يحصد 130 مقعداً في البرلمان ليشكل الكتلة الأكبر، وذلك استناداً على الدستور الذي يقول إن المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات يعوضون النواب المستقيلين، وبالتالي كانت المقاعد الشاغرة أغلبها من نصيب الإطار التنسيقي الشيعي.
يقول مصدر مقرب من التيار الصدري لـ"عربي بوست"، "التسريبات الخاصة بالمالكي، أغضبت مقتدى بشدة، وشعر حينها أنه أخطأ بأنه ترك المجال للمالكي بانسحابه من البرلمان، وكانت المناقشة داخل التيار الصدري حول كيفية تدارك هذا الخطأ".
وأثناء تفكير مقتدى الصدر تدارك خطأ الانسحاب من البرلمان، كان الإطار التنسيقي يعمل بعد أن حصل على الأغلبية المطلقة في البرلمان، لتشكيل الحكومة الجديدة دون التيار الصدري، وفجأة أعلن الإطار التنسيقي، أنه توصل إلى مرشح توافقي لمنصب رئيس الحكومة، وهو محمد شياع السوداني.
يقول سياسي شيعي بارز مقرب من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، إن "الإعلان عن اختيار السوداني، كان صدمة بالنسبة لمقتدى الصدر، فالمضي في تشكيل الإطار للحكومة الجديدة، واختيار رئيس الوزراء دون التفاوض يعني إقصاء للصدر بشكل كبير، وهذا لن يقبله الصدر بالرغم من انسحابه من البرلمان".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "هناك قادة في الإطار التنسيقي، قالوا للمالكي إن اختيار رئيس للوزراء دون موافقة مقتدى الصدر، سيقود الأمور إلى منعطف خطر، لكن المالكي أصر على موقفه".
على الجانب الآخر، رفض التيار الصدري ترشيح محمد شياع السوداني، لاعتبارات كثيرة أهمها، وبحسب مصر شيعي مقرب من الصدر أن "السوداني مجرد دمية في يد المالكي، ولن نقبل برئاسته للحكومة مهما حدث".
على الرغم من أن محمد شياع السوداني، قد استقال من حزب الدعوة الاسلامية الذي يترأسه المالكي منذ سنوات، وبالرغم أيضاً من سمعته السياسية النظيفة والخالية من الفساد، فإن التيار الصدري رأى أن ترشيحه للحكومة الجديدة مناورة جديدة من المالكي الذي يريد الاستحواذ على السلطة وإقصاء مقتدى الصدر.
في الإطار نفسه، كشف مصدر سياسي شيعي من الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست"، أن "المالكي كان لا يريد ترشيح محمد شياع السوداني، وكان مصمماً على ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، لكن بضغط من قادة الإطار الاخريين، وافق على ترشيح السوداني".
رد الصدر
كان قرار ترشيح محمد شياع السوداني، بمثابة تمهيد لاتخاذ مقتدى الصدر لخطوات أكثر تصاعدية، ففي يوم الأربعاء، 27 يوليو/تموز، أمر أنصاره بالتظاهر واقتحام البرلمان العراقي، في مشهد يذكرنا بسنة 2016، عندما اقتحم أنصار مقتدى الصدر البرلمان للضغط على حيدر العبادي.
وفي 27 يوليو/تموز 2022، هاجم أنصار الصدر مجلس النواب العراقي ليلاً، معلنين رفضهم ترشيح محمد شياع السوداني، لكن بعد ساعات من التظاهر أصدر الصدر أوامره لأنصاره بالانسحاب فوراً من البرلمان، قائلاً "لقد سمع الفاسدين رسالتكم، صلوا ركعتين وعودوا إلى دياركم".
تفاصيل خطة الإطار التنسيقي
بعد ساعات من انسحاب أنصار مقتدى الصدر من البرلمان العراقي، اجتمع قادة الإطار التنسيقي عدة مرات لبحث المستجدات الأخيرة.
وقال مصدر سياسي شيعي من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، إن "قادة الإطار كانوا يعلمون أن مقتدى غير مضمون، وأنه سيلجأ للشارع، لكنهم في البداية ومع انسحاب أنصاره من البرلمان، قللوا من قيمة الخطر المتمثل في لجوء مقتدى إلى الشارع، ووصفوا الأمر بأنه مجرد استعراض للقوة".
تقليل قادة الإطار التنسيقي من الخطر المتمثل في استخدام مقتدى الصدر لسياسية الضغط عبر النزول إلى الشوارع، جعلهم يمضون قدماً في خطتهم التي بدأ التخطيط لها منذ انسحاب نواب التيار الصدري من البرلمان.
يقول سياسي شيعي مقرب من المالكي لـ"عربي بوست" إن "المالكي وبعض قادة الإطار على رأسهم قيس الخزعلي، شعروا بالخطر المتمثل فى رغبة الصدر الهيمنة، وهم يعلمون جيداً أنه لن يتنازل عن نفوذه بمجرد الانسحاب من البرلمان، ولن يوافق على تشكيل حكومة من دونه".
وأضاف أن "المالكي وقادة الإطار قرروا استكمال تشكيل الحكومة، بالاتفاق مع محمد شياع السوداني، على إعطاء بعض الوزارات الهامة منها مكافحة الإرهاب والنفط للأحزاب الشيعية المتنافسة مع الصدر، في محاولة لتقليص نفوذ الصدر من هيكل الدولة".
في الجهة الأخرى، كشف مسؤول عراقي مقرب من التيار الصدري، لـ"عربي بوست" أن "مقتدى الصدر علم بالخطة التي يعمل عليها الإطار التنسيقي، واستشاط غضباً، وأمر أنصاره بالنزول مرة أخرى للشوارع وأعلن اعتصاماً مفتوحاً داخل مجلس النواب".
وفي نهاية شهر يوليو أعلن أنصار التيار الصدري، اعتصامهم المفتوح داخل البرلمان العراقي، مما أعاق الجلسة البرلمانية المخصصة لاختيار رئيس الجمهورية، وتسمية رئيس الوزراء الجديد وتشكيل الحكومة، وبذلك يكون مقتدى الصدر قد قطع الطريق على خصومه.
مواجهة بين الشيعة
بعد أسبوع من اعتصام أنصار الصدر أمر مقتدى الصدر اتباعه بالخروج من القاعة والاعتصام فى باحة المجلس، فامتلأت الساحة بالخيام وتم احضار كميات من الطعام للمعتصمين، وتأمين المنطقة من قبل "سرايا السلام"، الفصيل المسلح التابع لمقتدى الصدر، الذي أُسس على أنقاض جيش المهدي.
أعلن مقتدى الصدر حينها، أن التظاهرات في ساحة البرلمان العراقي، مستمرة حتى تغيير النظام السياسي العراقي بأكمله، معلناً "ثورته" الهادفة للإصلاح.
على الجهة المقابلة، دعا قادة الإطار التنسيقي الشيعي أنصاره للتظاهر للحفاظ على شرعية مؤسسات الدولة، في هذه اللحظة تأهب جميع العراقيين الى احتمالية نشوب مواجهة مسلحة مباشرة بين أنصار كلا الجانبين.
يقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، "نزول أنصار الإطار إلى التظاهر في مقابل أنصار الصدر، لم يوافق عليها بعض من قادة الإطار، لكنها كانت مقترحاً من المالكي والخزعلي".
نزل أنصار الإطار التنسيقي إلى الشوارع على مقربة من الساحة الخضراء، مكان تظاهر واعتصام أنصار التيار الصدري، مرددين شعارات مؤيدة للمالكي على وجه التحديد، ومنددة بمحاولة الصدر لما أسموه الانقلاب على الشرعية.
وقال مسؤول أمني عراقي لـ"عربي بوست": "كنا ننتظر في أي لحظة وقوع مواجهة مسلحة بين الطرفين، خاصة وأننا على علم بكمية السلاح الموجودة داخل الخيام، الخاصة بأنصار مقتدى الصدر، لا نعلم كيف انتهى هذا اليوم بسلام، إنها معجزة من الله".
وقال مصدر مقرب من المالكي لـ"عربي بوست" إن "نزول أنصار المالكي كان ضرورياً، لا بد أن يعلم مقتدى الصدر أنه ليس الوحيد الذي لديه مؤيدين مخلصين مستعدون للنزول إلى الشوارع بإشارة منه، ولا بد أن يعلم أن الشعب العراقي ليس هو فقط أنصار التيار الصدري".
وبالرغم من المخاوف التي كانت تحيط بالعراق من كل صوب في هذه اللحظة، أكد المسؤول الأمني العراقي لـ"عربي بوست"، عدم وجود رغبة حقيقية لدى كلا الطرفين فى الانجرار إلى مواجهة مباشرة.
وقال المتحدث "الجميع يعلم عواقب المواجهة المباشرة، وحتى مقتدى الصدر لا يريد اقتتالاً بين الشيعة، كل طرف يعرف أن بوقوع اقتتال شيعي شيعي سيخسر الجميع، المكاسب التي يحصلون عليها منذ عام 2003 حتى يومنا هذا".
مطالب مقتدى الصدر
بعد اقتحام أنصار التيار الصدري للبرلمان العراقي، واستمرارهم فى الاعتصام خارج البرلمان حتى يومنا هذا، دعا زعيمهم مقتدى الصدر، إلى حل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات مبكرة.
لكن مطالب مقتدى الصدر معقدة للغاية، بحسب الدستور العراقي، إذ يتطلب حل البرلمان طلباً من رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء، أو ثلث أعضاء مجلس النواب، يليه تصويت الأغلبية المطلقة في البرلمان، ومن ثم يدعو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء إلى إجراء انتخابات مبكرة في غضون 60 يوماً من تاريخ يوم الحل.
يقول مسؤول عراقي رفيع المستوى مقرب من الإطار التنسيقي، لـ"عربي بوست"، "بالطبع لن يحدث هذا، الأغلبية المطلقة في البرلمان الأن الإطار التنسيقي، ولن يصوت نواب الإطار على حل البرلمان، بعد أن بدأوا في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، والصدر يعلم ذلك".
لذلك لم يطلب مقتدى الصدر من رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، أو نواب البرلمان الحاليين، حل البرلمان، بل لجأ إلى القضاء العراقي لإصدار أمر بحل البرلمان، وهذا أيضاً أمر مستحيل في الوقت الحالي.
في هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من التيار الصدري، لـ"عربي بوست"، "يعلم الصدر جيداً ومستشاريه السياسيين والقانونيين، أن القضاء لا يملك صلاحية حل البرلمان، لكنهم يضغطون من أجل تعديل كبير فى الدستور العراقي، هذا هو الهدف الأكبر بالنسبة للصدر الآن".
من جهته، يقول مصدر قضائي عراقي لـ"عربي بوست"، "الصدر يريد تصعيد الأمور، هو يعلم جيداً أن القضاء بموجب الدستور العراقي لا يمكنه إصدار حكم بحل البرلمان، لأن ذلك يتطلب تعديل الدستور، وتعديل الدستور يستلزم تصويت البرلمان على التعديلات الجديدة، وهذا لن يحدث".
إذا وافقت أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي على طلب مقتدى الصدر بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، فإنهم لن يتخذوا خطوة الانتخابات المبكرة إلا بعد تعديل القانون الانتخابي الجديد المصادق عليه سنة 2020.
في هذا السياق، يقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست"، "قانون الانتخابات الجديد، أدى إلى هزيمة أحزاب الإطار، وكان هناك سوء توزيع لمرشحيهم بسبب توسيع الدوائر الانتخابية".
وأضاف المتحدث أنه بموجب القانون الانتخابي الجديد استفاد الصدر وحصل على أغلبية المقاعد في البرلمان، لذلك من المستحيل أن يخوض الإطار التنسيقي انتخابات جديدة دون تعديل القانون الانتخابي، لأنهم بذلك سيتعرضون لهزيمة أخرى.
وافق مسؤول عراقي رفيع المستوى مقرب من الإطار التنسيقي على حديث السياسي الشيعي، قائلاً لـ"عربي بوست"، "إذا وافق الإطار على خوض الانتخابات وفقاً للقانون الانتخابي الجديد، فلن يكون هناك حل للمشكلة، وسيكون الصدر أيضاً عالقاً في نفس الأزمة التي تلت انتخابات العام الماضي".
الصدر يرفض الحوار والوساطة
على ضوء الخلفية السابقة، تبدو مطالب مقتدى الصدر غير منطقية، كما أن الموافقة المشروطة عليها من قبل الإطار التنسيقي لن تلقى قبولاً من زعيم التيار الصدري، لذلك بادر رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، بدعوة الجميع إلى الحوار والتفاوض.
ورفض الصدر بشكل قاطع الجلوس مع خصومه على طاولة المفاوضات، حسب ما كشفه مسؤول عراقي مقرب من التيار الصدري لـ"عربي بوست".
وقال المتحدث إن "هادي العامري تواصل مع الصدر وأبدى استعداده للذهاب إليه في مقر إقامته في النجف لكنه رفض، وأبلغه بذلك عبر أحد قادة التيار، كما أن رفض الصدر أيضاً الوساطات الإقليمية، خاصة من طهران، لكنه وافق على مقابلة بلاسخارت، مبعوثة الأمم المتحدة في العراق".
وبحسب المصدر ذاته، فإن مقتدى الصدر وافق على مقابلة بلاسخارت، التي تلعب دوراً مهماً في السياسة العراقية في الآونة الأخيرة، "طلبت بلاسخارت من مقتدى إنهاء اعتصام أنصاره، والجلوس للتفاوض مع قادة الإطار من أجل إنهاء هذه الأزمة، لكنه رفض طلبها، وأبلغها أنه مستمر في التمسك بمطالبه"، يقول المصدر.
وبحسب مسؤولين وسياسيين عراقيين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن قادة الإطار التنسيقي الشيعي حاولوا إقناع المرجعية الدينية الشيعية الكبرى في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، بالتدخل في حل هذه الأزمة، وإقناع مقتدى الصدر بالجلوس مع الإطار التنسيقي للتفاوض، لكن السيستاني رفض.
هل يريد مقتدى الصدر الثورة حقاً؟
وصف مقتدى الصدر، الخطوات التصعيدية التي اتخذها واعتصام أنصاره أمام ساحة البرلمان، بأنها ثورة على الفساد، ووصفها بأنها "ثورة عاشوراء"، التي قام بها الحسين بن علي بن أبي طالب، الإمام الثالث لدى المسلمين الشيعة.
يقول مصدر مقرب من التيار الصدري لـ"عربي بوست"، "يعلم الصدر جيداً أن المطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، لن يوافق عليها خصومه من الإطار التنسيقي، ويعلم أن رفضه الجلوس للتفاوض معهم، سيزيد من تعقيد الأمور، لكنه يرى أنها الطريقة المثلى لتحقيق ثورة الإصلاح التي لطالما رغب بها".
بينما يرى أنصار مقتدى الصدر، أن الرجل يرغب حقاً في تطهير النظام السياسي العراقي الحالي، ويرى آخرون أن المسألة لا تتعدى كونها رغبة في السيطرة والهيمنة على الصوت الشيعي العراقي، وعلى مقاليد السلطة فى البلاد.
يقول دبلوماسي عراقي شيعي مستقل، لـ"عربي بوست"، "أي فساد الذي يريد مقتدى التخلص منه، إنه كان على مدار عشرين عاماً جزءاً من هذا الفساد، وزارتا الكهرباء والصحة منذ سنوات وهما تحت سيطرة التيار الصدري، والوزراتان متشبعتان بالفساد".
ويضيف المصدر ذاته، قائلاً لـ"عربي بوست"، "الصدر أدرك أنه أخطأ بالانسحاب من البرلمان، وهذا القرار عارضه الكثيرون من مستشاريه، وشعر بالخطر الحقيقي وبفداحة قراره عندما علم أن خصومه يحاولون إقصاءه من السلطة، لذلك لجأ إلى لغة الشارع والتهديد بأنصاره، والتلويح باحتمالية حرب أهلية بين الشيعة، ليحصل على المكاسب التى يريدها فى نهاية المطاف".
في نفس الوقت يرى الدبلوماسي العراقي أنه في أي وقت من الأوقات يمكن أن تنقلب ما وصفه بـ"لعبة الثورة": "إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، سيكون أمام الصدر خياران لا ثالث لهما، الأول جر البلاد إلى حرب أهلية، والذي يخرج منها فائزاً هو من سيحكم العراق، والخيار الثاني أن ينسحب من الحياة السياسية بشكل كامل، ويقبل خسارته التي كان جزءاً منها بقراراته المتسرعة".
حتى يومنا هذا، لا يبدو أن هناك مخرجاً آمناً من الأزمة السياسية الحالية في العراق، كما أن احتمالات وقوع البلاد في هاوية الحرب الأهلية بين الشيعة واردة في أي لحظة، وإلى الآن، لم تحاول أي من القوى الإقليمية مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو الولايات المتحدة، التدخل كما جرت العادة لمساعدة الساسة العراقيين على تخطي هذه الأزمة العميقة.
يقول مسؤول عراقي رفيع المستوى لـ"عربي بوست"، "الصراع الحالي بين الإطار والتيار، هو صراع مصالح، صراع على السلطة والهيمنة، وليس صراعاً من أًجل الإصلاح أو تغيير النظام، إذا توصل الطرفان لحل وسط يضمن لكل منهما مصالحه المالية والسياسية، ستنتهى ثورة الصدر المزعومة، لكن هذه المسألة ستحتاج الكثير من الوقت، والشعب العراقي هو الذي يقضي وقته فى القلق والخوف طوال هذه الفترة".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”