كل عام، يسافر حوالي 40 ألف طالب من طلاب المدارس الثانوية الإسرائيلية، إلى معسكرات الموت النازية في بولندا، من أجل تشكيل جزء مهم في هويتهم اليهودية والإسرائيلية، لكن تل أبيب ألغت تلك الزيارات هذا العام، بعد مطالبة بولندا المشاركة في تحديد المحتوى التعليمي للطلاب الإسرائيليين.
موقع Middle East Eye البريطاني قال، الأحد 14 أغسطس/آب 2022، إن هذه الرحلات، التي تنظمها مدارس وحركات شبابية ومؤسسات خاصة، مهمتها تثقيف المشاركين عن الهولوكوست، وإحياء ذكرى ضحاياها، لأنها تشكل جزءاً مهماً في تشكيل هويتهم.
وهذا الصيف، وفقاً لبيانات وزارة التعليم الإسرائيلية، كان يُتوقع تنظيم حوالي 127 رحلة، تضم حوالي 14 ألف طالب، إلى بولندا في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب.
لكن في منتصف يونيو/حزيران، أعلن وزير الخارجية آنذاك (ورئيس الوزراء الآن) يائير لبيد، أن إسرائيل ستلغي جميع هذه الرحلات، وأن هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ في الحال.
وكان السبب المباشر لإلغاء هذه الرحلات هو تأويل الحكومة البولندية الجديد لقانونها المتعلق بمعهد إحياء الذاكرة الوطني.
فهذا القانون، الذي صدر عام 2018، يعاقب أي خطاب علني أو ضمني يدّعي أن الشعب البولندي يتحمل المسؤولية عن الهولوكوست، أو تعاون مع النازيين.
والتأويل الجديد لهذا القانون وسع نطاقه ليشمل المواطنين غير البولنديين، الذين يتحدثون على الأراضي البولندية.
وبناءً على هذا التأويل، أصرت الحكومة البولندية على أن تشارك في تحديد المحتوى التعليمي لمجموعات الطلاب الإسرائيليين.
لكن لبيد قال لوسائل الإعلام: "ليس من حق البولنديين أن يملوا علينا ما نعلِّمه للأطفال الإسرائيليين".
توتر بين البلدين
واعترضت بولندا أيضاً على حمل أفراد الأمن الإسرائيليين أسلحة على الأراضي البولندية خلال هذه الرحلات، التي بدأت منذ عام 1986، حين جددت بولندا وإسرائيل العلاقات الدبلوماسية بينهما. لكن إلغاء الرحلات يسلط الضوء على التوترات المتنامية بين البلدين.
إذ تتصاعد التوترات بين إسرائيل وبولندا منذ عام 2015، حين صعد حزب القانون والعدالة القومي المحافظ إلى السلطة، وسنّ سياسات يُنظر إليها على أنها معادية لإسرائيل والشعب اليهودي.
وازدادت العلاقات توتراً بعد تمرير تشريع عام 2018، المشار إليه في إسرائيل باسم "قانون الهولوكوست"، الذي منع أي نقاش عن معاداة بولندا للسامية وتورطها في الهولوكست، وشجع البولنديين على اعتبار أنفسهم ضحايا نبلاء وأبطالاً، للنازيين أولاً، وللاتحاد السوفيتي من بعدهم.
قانون حول "ممتلكات اليهود"
والعام الماضي، اندلعت أزمة دبلوماسية أخرى حين وافق البرلمان البولندي على قانون يفرض قيوداً على قدرة اليهود على استعادة ممتلكاتهم التي كانت تخصهم قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، والتي استولى عليها النازيون وأُممت لاحقاً خلال الحكم الشيوعي. وأدى هذا الخلاف الدبلوماسي إلى تدهور العلاقات.
غير أن العلاقات تحسّنت بعض الشيء بعدما ساعدت بولندا في إخراج الإسرائيليين واليهود من أوكرانيا حين بدأت الحرب.
ولكن نشأ نزاع آخر في أواخر يوليو/تموز، حين طالب ممثلون عن المعهد البولندي للأفلام، الذين قدموا للمخرج الإسرائيلي باراك هيمان، منحة قدرها 188 ألف شيكل (54,500 دولار) لإكمال فيلم عن النحات داني كارافان المُتوفى مؤخراً، باسترداد أموالهم.
ويسلط الفيلم الضوء على مخاوف كارافان من استغلال منحوتة صنعها في بولندا، مخصصة للبولنديين الذين حاولوا إنقاذ اليهود خلال الهولوكوست، لتعزيز الأجندة القومية للحكومة البولندية.
ويطالب المسؤولون البولنديون باسترداد أموالهم؛ لأن الفيلم، على حد قولهم، "يحرف التاريخ"، لأنه يصور خبراء يزعمون أن البولنديين الذين حاولوا مساعدة اليهود أعدادهم محدودة نسبياً.
وأطلق هيمان حملة تمويل جماعي، وصلت سريعاً إلى هدفها، وصاحبها عدد من تعليقات المساهمين فيها، الذين أعلنوا أن مساهمتهم كانت لمنع بولندا من تغيير التاريخ.