أمام خيمة منصوبة في بقعة أرض واسعة مقفرة تلهو الطفلة ليلاس مع شقيقاتها بمياه داخل دلو صغير وهي من سكان الأغوار، تسكب ليلاس الماء على رأس شقيقاتها لتخفف آثار حرارة الشمس الطاغية.
إنها طريقة الفتيات الأربع لتبريد أجسادهن من حرارة الجو، على الجانب الآخر تنتشر خيام بطريقة غير منظمة، إنها خيام الساكنين في منطقة حمصة الفوقا بالقرب من قرية بيت دجن في الأغوار الشمالية.
منذ بداية موجة الحر التي يواجهها العالم، استغلت إسرائيل الفرصة للتنكيل بالفلسطينيين الذين يعيشون بالأغوار، لتمنع عنهم المياه وإمدادات الكهرباء بل وحتى مصادرة براميل المياه الخاصة بهم التي يخزنون المياه فيها ليستخدموها في سكبها على رؤوسهم، إذ لا طريقة إلا للتخفيف من حرارة الجو.
حرارة الخليج.. وفقر إفريقيا
أمام الخيمة وقف محمود بشارات يراقب أطفاله، يقول لـ"عربي بوست": "حياتنا صعبة، الحرارة هنا تصل اليوم إلى ٤٣ درجة ولا نجد طريقة لنواجه هذه الحرارة العالية".
منذ ولادته يعيش محمود هنا، في خيمة من البلاستيك، بلا ماء أو كهرباء منتظمة، والحياة مستمرة في الصعوبة.
يضيف: "الناس تتبرد بالماء، نسكب الماء على رؤوسنا، خط الكهرباء الذي ترينه هنا لا يكفي لتشغيل مروحة صغيرة، هو يكفي للإنارة فقط"، يقول بشارات، ويشير إلى لمبة كهرباء صغيرة متدلية من سقف الخيمة "هذا هو المكيف الخاص بنا".
في زاوية الخيمة البلاستيكية علا بكاء طفل صغير إنه الطفل محمود ذو الـ ٨ أشهر، لا يستطيع النوم بسبب حرارة الجو العالية.
" هذه حياتنا، يمكنكم أن ترونها على حقيقتها، لا بالطريقة التي يرويها السياسيون الذين يزوروننا من فترة لأخرى لأخذ الصور والظهور على الفضائيات"، يقول بشارات وهو يهدهد صغيره قبل أن تأخذه والدته لتضعه في حوض بلاستيكي معبأ بالماء لتبريد جسده.
ليست هذه الخيمة التي ولد فيها أبناء محمود.. إنها الخيمة السادسة التي يبنيها محمود بعد هدم الاحتلال خيامه وحظائر المواشي الخاصة به.
إخطارات بالهدم
"وصلني إخطار جديد بالهدم، الاحتلال يختار أكثر فترات السنة برودة أو حرارة لهدم خيامنا وتشريدنا" يقول محمود.
قرب مبنى صغير من الألومنيوم والحديد "حضيرة للغنم" يزوّد محمود أغنامه بدلو من الماء وآخر من الطعام يشير إلى المبنى والمعروف باللغة المحلية "بركس"، ويقول: "حتى الأغنام أخطرت بالهدم.. وصلنا إخطار بهدم البركس وينفذ خلال شهر على أبعد تقدير".
" تحتاج الأغنام إلى كميات مياه مضاعفة في ظل درجات الحر هذه، صهريج المياه الذي كان يكفيها لثلاثة أيام، يجب تجديده كل يوم في هذا الحر الشديد" يضيف محمود.
" خلال الأسبوع الماضي مات عدد من الأغنام بسبب ارتفاع درجات الحرارة، أصيب القطيع بالمرض، خسارتي كبيرة، صدقيني" يقول بشارات، وهو يتفقد عدداً من الأغنام يظهر عليها الإعياء والمرض.
٦٧٠ عائلة فلسطينية تسكن الأغوار ككل، تعيش غالبيتهم في خيام من البلاستيك والخيش، وتعتمد على تربية المواشي والزراعة، تمنع إسرائيل عنهم شبكات المياه والكهرباء. وتهدم خيامهم باستمرار، بحجة عدم الترخيص أو البناء في أراضي تدريب عسكرية. وتتبع إسرائيل سياسة مصادرة صهاريج المياه من الساكنين الفلسطينيين بهدف التضييق عليهم وإجبارهم على الرحيل عن أراضي الأغوار الشمالية.
مصادرة تنكات المياه
وتعمد إسرائيل لاستخدام كل الوسائل للضغط على ساكني الغور وإجبارهم على الرحيل، خلال موجة الحر الأخيرة زادت إسرائيل من حملات مصادرة تنكات المياه التي يستخدمها السكان للشرب وسقاية الماشية.
أنيس بشارات من منطقة حمصة، يجلس فوق ركام خيامه التي اضطر لهدمها بنفسه بعد مصادرة الاحتلال الإسرائيلي لبراميل المياه التي كان يستعملها هو وعائلته.
" اضطرت عائلتي للرحيل للبحث عن بقعة أخرى يتوفر فيها ماء. وبقيت هنا وحدي لا أعرف ماذا أفعل، كيف يعيش الإنسان بلا ماء في جو كهذا.. إننا ننصهر هنا" يقول أنيس.
داخل براميل بلاستيكية زرقاء يجمع أنيس المياه التي ينقلها عبر التنكات والجرارات الزراعية من مسافة تبعد عن خيمته قرابة ٢٥ كيلو متراً لاستخداماته اليومية هو وعائلته،
لكن إسرائيل صادرت تنك الماء والجرار الخاص به يوم أمس، ونفدت البراميل من الماء المخزن فيها فاضطرت العائلة للرحيل.
يقول الناشط الحقوقي في الأغوار عارف دراغمة: "خلال الشهر الماضي صادرت إسرائيل ما يزيد على خمسة تنكات مياه من سكان الأغوار الشمالية، بالإضافة إلى سحبها صهريج المياه الوحيد الذي يزوّد ٢٥٠ عائلة في منطقة الأغوار بمياه الشرب وري المواشي".
ويضيف دراغمة، الذي يحمل باستمرار وثائق وصوراً توثّق اعتداءات قوات الاحتلال على سكان الأغوار: "ستون عائلة فلسطينية ترحل سنوياً عن مناطق ومضارب الأغوار، الاحتلال يجبرهم على الرحيل، يضيّق عليهم، يمنع عنهم مقومات الحياة الأساسية؛ الماء، الكهرباء، وكل ما يسمح بالعيش الآدمي هنا".
ويؤكد دراغمة أن ١٠ عائلات تركت مناطق الفارسية وحمير في الأغوار الشمالية قبل أقل من ٢٠ يوماً.
"الناس هنا شبعت من الكلام.. الكلام لا يُسمن ولا يُغني.. الكل يتحدث عن الصمود في الأرض، لكن لا أحد يوفر لهؤلاء الأطفال أي دعم للصمود".
"هذه الطفلة تحتاج إلى إدارة كهربائية تساعدها على العيش في درجات الحرارة التي وصلت بالأمس إلى ٤٥ درجة، رش الماء لا يكفي".
ووصل عدد المستوطنات التي أقيمت في مناطق الأغوار إلى قرابة ٣٦ مستوطنة، و٢٢ معسكراً لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كلها مدعومة بشبكات للمياه والكهرباء وكافة الخدمات، التي يُحرم منها المواطنون الفلسطينيون في مناطق الأغوار.
يقول عارف دراغمة إن وسيلة السكان هنا للتخفيف من الحرارة العالية التي تلفح أجسادهم هي "إما رش المياه.. أو لبس قطع من القماش مبللة".