انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، الأحد الماضي، صورة للأسير الفلسطيني محمد عبيد الذي تركته قوات الاحتلال الإسرائيلي على جانب الطريق قرب ما يسمى حاجز السبع بالقرب من مدينة الخليل في الضفة الغربية، بحالة إعياء جسدي وعدم إدراك ذهني ووضع نفسي سيئ، إذ لم يتمكن من التعرف على عائلته، ليتم نقله إلى مستشفى عالية الحكومي.
قرر الاحتلال الإفراج عن عبيد من السجن (40 عاماً من قرية عنزة في محافظة جنين) يوم الأحد الماضي 24-7-2022، وصل بواسطة سيارة نقل الأسرى المنوي إطلاق سراحهم في ذلك اليوم وأُنزل منها على جانب حاجز السبع وترك هناك، لا يقوى على الحركة أو الكلام.
خرجنا لاستقباله يوم الإفراج عنه.. لم يأتِ
أحمد عبيد، شقيق المحرر محمد عن تفاصيل ما حدث قال: "يوم الأحد كان موعد الإفراج عن أخي محمد، وصلت أنا وشقيقي الأكبر إلى حاجز السبع وانتظرنا في الجهة المخصصة لعائلات المفرج عنهم لاستقباله، وصلت الحافلة وبدأ خروج المحررين منها، لكن أخي محمد لم يخرج ولم نرَه، بعد مدة سألت الأسرى المحررين عن أخي محمد قالوا لي إنه كان معهم في الحافلة وإنه كان مريضاً جداً طوال الطريق ولم يستطع التحدث مع أحد منّا، سألتهم لماذا لم يصل حتى الآن فقالوا لي لا نعرف".
وأضاف أحمد: "بعد قليل وصل عدد من العمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر وكانوا يتحدثون فيما بينهم عن شاب ملقى على الأرض ولا يوجد أحد معه، طلبت منهم المساعدة لأصل إليه، لأنه يمنع علينا الوصول إلى تلك الجهة من الحاجز، فقام أحد الشبان بحمله ونقله إلينا".
يصف أحمد لحظات اللقاء الصعبة مع أخيه محمد: "رأيت شاباً يحمله بين ذراعيه من بعيد ويتقدم به إلينا، لم أصدق أن هذا هو شقيقي محمد، حضنته وبكيت، سألته عن حاله لم يستطع الإجابة، سألته ماذا أصابه، لم يكن يقوى على الكلام، وكان ينظر إلينا باستغراب كأنه لا يعرفنا، كان كأنه فاقد للوعي".
الحالة التي كان عليها محمد أصابت شقيقه بالصدمة لأن شكله تغير كثيراً، فقد الكثير من الوزن ولم يكن يدرك ما حوله. بينما كان يتمتع بصحة جيدة قبل اعتقاله كما تقول عائلته.
لكن الأصعب كما يقول أحمد أن والدته ووالده الكبيرين في السن واللذين كانا ينتظران وصول محمد في المنزل في قرية عنزة سمعا بما أصابه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. يقول: "لا أعلم من أخذ صورة لأخي محمد لحظة وصوله إلينا. هذه الصورة انتشرت بسرعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وللأسف شاهدها كل من والدي ووالدتي، الخبر كان كالصاعقة عليهما، خصوصاً الوالدة، لقد انهارت حين رأته على هذه الحال".
اعتقل بصحة ممتازة، وخرج فاقداً للذاكرة
كان محمد عبيد قد اعتقل في فبراير/شباط من العام 2021 وحُكم عليه بالسجن لمدة 18 شهراً قضاها في سجن النقب الصحراوي. وتؤكد عائلته أنه كان بصحة ممتازة وقت اعتقاله وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، وأنه فقد حوالي 40 كيلو من وزنه في السجن.
بدأنا رحلة البحث عن محمد عبيد في مشافي الضفة؛ بداية من مستشفى عالية الحكومي في مدينة الخليل؛ حيث نقل مباشرة إليه من حاجز السبع وصولاً إلى مستشفى جنين الحكومي حيث يرقد اليوم.
سألنا الأطباء عن الوضع الصحي لمحمد فقالوا: "محمد وصل إلينا بحالة تعب وهزال شديد، تبين من الفحوصات الطبية التي أجريت له وجود بعض المشاكل في الكلى نتيجة لنقص شديد في السوائل في جسمه ونقص عدد من المعادن أيضاً". وأكد الأطباء المسؤولون عن حالته حاجته لرعاية خاصة لفترة طويلة من الوقت حتى يستطيع العودة لوضعه الطبيعي، كما بيّن الأطباء ضرورة عدم الحديث المباشر معه في تفاصيل ما عاشه في السجن في الفترة الحالية لضمان عدم انتكاسته.
نفس الحالة تقريباً حدثت من الأسير المحرر منصور الشحاتيت من قرية خرسا في محافظة الخليل، والذي أمضى 17 عاماً في سجن النقب الصحراوي، وخرج العام الفائت.
صدم ذوو الشحاتيت بحالته لحظة الإفراج عنه، كما أن الوضع الذي وصل إليه صدم المجتمع الفلسطيني ككل، فقد بدا واضحاً عليه عدم التركيز وعدم القدرة على الإجابة عن أسئلة الصحافيين المتواجدين في المكان ساعة وصوله. لكن الأبرز كان عدم تعرف الشحاتيت على والدته التي كانت في انتظاره بالقرب من حاجز السبع الذي وصل اليه عند الإفراج عنه.
وعلى الرغم من مضي العام على خروج الشحاتيت من سجن النقب، إلا أن رحلة علاجة مستمرة. فهو يعاني من أزمة نفسية، كما أنه فقد ذاكرته نتيجة ضربة على رأسه في السجن، بحسب عائلته.
عبيد ليس الأول
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فقد حصلت العديد من الحالات المشابهة لحالة المحرر محمد عبيد، لأسرى تعرضوا لمشاكل صحية وصدمات نفسية مختلفة خلال اعتقالهم، آخرها حالة الأسير الطفل أحمد مناصرة الذي ما زال يعاني حتى الآن من أزمة نفسية ويحتاج إلى رعاية صحة ونفسية خاصة، وما زالت المحاكم الإسرائيلية ترفض الإفراج عنه رغم وضعه الصحي المتعثر .
وفي أواخر العام 2021 أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الأسير نبيل الرجوب، 21 عاماً، بعد قضائه 8 أشهر في سجون الاحتلال، غير أن الرجوب لم يتمكن من التعرف على والدته ولا لمسها أو الحديث معها، وذلك بسبب أساليب التعذيب التي تعرض لها خلال أشهر اعتقاله، وكان منها تقييد يديه وقدميه في الزنزانة وإطلاق الكلاب البوليسية عليه. إضافة لعزله في زنزانة انفرادية خلال الأيام العشرة الأخيرة له في السجن.
يقول فارس قدورة، مدير نادي الأسير الفلسطيني، إن نادي الأسير لم تصله أي معلومة عن وضع صحي سيئ لمحمد عبيد طوال فترة اعتقاله وإن النادي فوجئ بالحالة التي خرج عليها كما تفاجأ أهله.
ويؤكد قدورة أن تشخيص الأطباء لمحمد يؤكد أنه فقد الكثير من المعادن والأملاح، وهذا سبب تردي حالته الصحية وعدم قدرته على الحركة والكلام. ويضيف: "تواصلت عبر الهاتف مع المحرر عبيد، بعد وصوله إلى المستشفى بساعات، وكان يجيب عن أسئلتي حول صحته بشكل ممتاز، وكان مدركاً لما حوله، كما أن الأطباء أكدوا لي أنه خلال أيام يمكن أن يعود لوضعه الطبيعي إذا حصل على العلاج اللازم".
نادي الأسير الفلسطيني- وعلى لسان مديره قدورة فارس- حمَّل الاحتلال مسؤولية الحالة الصحية والنفسية التي وصل إليها المحرر عبيد.
وبين أن عدداً كبيراً من الأسرى الفلسطينيين يحتاجون لفترات علاج وتأهيل نفسي طويل بعد خروجهم من الأسر لصعوبة ظروف اعتقالهم في السجون الإسرائيلية، ولطرق التحقيق القاسية التي يتعرضون لها.