لا تسير الحكومة المغربية، التي يقودها رجل الأعمال وصاحب شركة للمحروقات، عزيز أخنوش، وفق ما خططت له في الاستغناء عن المصفاة الوحيدة لتكرير البترول في المغرب، والتي تعود لشركة الصناعة والتكرير "سامير".
لكن يبدو أن ملف هذه المصفاة "حارق" زيادة، باعتباره جزءاً مما تعانيه المملكة من ارتفاع في أسعار المحروقات، وبشكل خاص الغازوال والبنزين، والتي انعكست على ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
منذ بدايته، لم يتضمن برنامج الحكومة، أو بالأحرى برنامج حزب التجمع الوطني للأحرار (حل أولاً في انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021) الذي يترأسه أخنوش، أي إشارة إلى إعادة تشغيل مصفاة سامير التي توقف الإنتاج بها في 2015. بل تحجّجت هذه الحكومة بكون مسطرة التحكيم الدولي التي ما زالت جارية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي تعيق استغلال المصفاة.
غير أن هذا المبرّر، لا يقنع هيئات مدنية وبعض الأحزاب والمركزيات العمالية الذين يدافعون عن المصفاة، ويطالبون الحكومة لإعادة الحياة إلى سامير، مع توجيههم لمقترحات تشريعية بهذا الخصوص عن طريق البرلمان المغربي.
وتزداد قناعة هؤلاء يوماً بعد آخر، خصوصاً بعد أزمة المحروقات في العالم، حيث مطلب إعادة تنشيط مصفاة سامير، ليس لكونها معلمة صناعية تاريخية أو شركة وطنية، بل لكونها أداة وجزءاً مهماً من الحل لخفض الأسعار.
تخبط وتناقض حكومي
برز تخبط جديد للحكومة في مسألة تبريرها لتوقف سامير عن الاشتغال، إذ أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، في مجلس النواب الأسبوع الماضي، أن وزارتها تدرس السيناريوهات التقنية والاقتصادية لإيجاد الحلول المناسبة لملف شركة سامير، مشيرة إلى أنها لم يسبق لها أن أكدت أن المغرب ليس في حاجة للمصفاة.
كانت الوزيرة قبل أيام فقط، أكدت خلال استضافتها في برنامج حديث مع الصحافة على القناة الثانية الرسمية المغربية، أن المغرب لا يحتاج إلى مصفاة سامير. وقالت الوزيرة بالحرف: "هل اليوم المغرب محتاج إلى مصفاة؟ أعرف أن البعض لن يعجبه الأمر، ولكن الجواب القصير هو لا".
في البرنامج نفسه، أكدت الوزيرة الوصية أيضاً، أن إعادة تشغيل مصفاة سامير المحمدية، هو ملف معقد جداً بسبب مشاكل عميقة تراكمت لمدة عشرين سنة، ما بين المستثمر والحكومة المغربية، كما أنه ملف استثماري، أكثر منه ملفاً يمس قطاع المحروقات.
"ارحل" تربك الحكومة
خلافاً لذلك، يذهب المراقبون إلى أن التصريحات المتناقضة لوزيرة الانتقال الطاقي، وتراجعها عن موقف الرفض الباتّ لتحريك عجلة تكرير البترول في مصفاة سامير، يعود إلى ضغط الحملة الواسعة الانتشار التي يقودها نشطاء على فيسبوك وتويتر، والتي تطالب بتخفيض أسعار البنزين والغازوال ورحيل رئيس الحكومة. https://cutt.us/8ge8i
يقول رئيس فريق التقدم والاشتراكية (معارض) بمجلس النواب، رشيد حموني: "كل هذه التناقضات في التصريحات تدل على أن المشكل لا يعزى إلى التحكيم الدولي أو شيء آخر؛ بل هناك إرادة حكومية في عدم تشغيل مصفاة سامير".
وتابع حموني، في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه "حتى حزب الاستقلال الذي يعد مكوّناً أساسياً في الحكومة الحالية، كان برنامجه الحكومي قد تضمن نقطة إعادة تشغيل سامير، وفي شهر فبراير/فبراير 2021 كان فريقه في البرلمان قدم مقترح قانون لتأميم سامير؛ فماذا تغير بعد ذلك".
وكان مقترح الفريق البرلماني لحزب الاستقلال (مشارك)، دعا إلى تفويت أصول الشركة المغربية لصناعة التكرير (سامير) لحساب الدولة، طبقاً لأحكام المادة 71 من الدستور المتعلقة بتأميم المنشآت ونظام الخوصصة، وتخويل الحكومة إمكانية التدخل لضمان الأمن الطاقي والتوازن بين العرض والطلب في هذا المجال لحماية الاقتصاد الوطني والقدرة الشرائية للمستهلك المغربي ما دام الأمر يهم مجالاً حيوياً بالنسبة للبلاد. https://cutt.us/Zqz1X
هنا يتضح أنه يوجد "لوبيات قريبة من مراكز القرار في الحكومة، سواء كانت مشاركة في الحكومة أو من خارجها، تريد عدم إعادة تشغيل تلك المنشأة التي كانت تلعب دوراً كبيراً في مجال تكرير البترول وطنياً"، يشدد رئيس فريق التقدم والاشتراكية المعارض.
ضغط ضد استئناف سامير
في السياق ذاته، يرى رئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول (غير حكومية)، الحسين اليماني، أنه يوجد "في البلاد معسكر يدعو إلى القضاء على الصناعة؛ ومنها تكرير البترول، ولو على حساب المحافظة على الصناعة الوطنية وتطويرها".
وندد اليماني، في حديثه لـ"عربي بوست"، "بالموقف السلبي للحكومة الذي يعاكس المطالبة بالعودة الطبيعية لتكرير وتخزين البترول بشركة سامير، والمحافظة على المكاسب التي توفرها هذه الجوهرة الوطنية للاقتصاد الوطني، وبمكافحة غلاء أسعار المحروقات عبر استئناف نشاط المصفاة المغربية".
لذلك "فكل المقومات المالية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، تجمع على ضرورة عودة سامير إلى المنظومة الطاقية للمغرب، وكل ما ينقص حتى اليوم هو الإرادة السياسية؛ والمسؤولية ملقاة على عاتق الحكومة التي يستولي رئيسها على الحصة الكبيرة من سوق المواد البترولية والغاز في المغرب"، يسجل رئيس جبهة إنقاذ المصفاة.
وأضاف نفس المصدر: "نحن وصلنا لمرحلة تتطلب قراراً حاسماً في الموضوع، والتاريخ سيكتب من بقي بجانب الشعب ومصالحه، ومن عانق مصالحه الخاصة حتى وإن تعارضت مع مصالح المغرب والمغاربة".
تجاوز صدمات بترولية
على خلاف التوجه الحكومي دائماً فيما يخص "أزمة المصفاة"، تترافع "الجبهة الاجتماعية المغربية" (غير حكومية) من جانبها بشكل مستمر حول ملف تخفيض أسعار المحروقات المرتبط بعودة مصفاة سامير إلى ساحة الطاقة الوطنية.
وأفادت عضو الجبهة الاجتماعية، والبرلمانية السابقة، رجاء كساب، أنه "لحدود الآن فالمصفاة ما زالت قادرة على الإنتاج بشكل تنافسي وبميزانية لن تفوق 200 مليون دولار"، متأسفة على أن "الحكومة الحالية كما السابقة، رفضتا بمبرّرات مغلوطة مقترح قانون يرمي إلى تفويت أصول الشركة للدولة؛ باعتبار الأخيرة ستتمكن بهذه الطريقة من استرجاع ديونها المتراكمة على الشركة".
كما أن "تشغيل المصفاة سيساهم في الرفع من المخزون الوطني للمحروقات بنحو 60 يوماً من الاستهلاك، وسيساهم في الضغط على اللوبيات المتحكمة في السوق من أجل تنزيل الأسعار الفاحشة بنحو 2 درهم من الغازوال، إضافة إلى المكاسب في اقتصاد العملة الصعبة والمكاسب الاجتماعية والاقتصادية والتنموية"، تردف كساب في اتصالها بـ"عربي بوست".
لهذا تعزّز مطلب "عودة سامير للإنتاج بشكل طبيعي مع ارتفاع أسعار المحروقات وخطر اضطراب الإمدادات بعد اشتعال حرب روسيا والغرب، وأيضاً لأن المصفاة تساهم في رفع المخزونات، إلى جانب أن هذه الصناعة شيدت تاريخياً في زمن الصدمات البترولية وبغاية الوقاية من المخاطر المباشرة والآنية للسوق العالمية"، توضح عضو الجبهة الاجتماعية.
واعتبرت ذات المتحدثة أن "الحكومة تعيش على إيقاع تضارب المصالح، وتنتصر حتى الآن لخيار استمرار الوضع الحالي، وتحاول التهرب من مسؤوليها في المساعدة على إحياء المصفاة المغربية، وهو ما يتنافى مع وجوب حماية مصالح المغرب المرتبطة بصناعة تكرير البترول".
قصة مصفاة سامير
فكر المغرب مبكراً، غداة استقلاله، في إحداث مصفاة بترول تؤمّن احتياجات المملكة من المحروقات، وهو ما تحقق فعلاً عام 1959 في عهد حكومة عبد الله إبراهيم بإحداث سامير، وهي اختصار بالفرنسية لـ"الشركة مجهولة الاسم المغربية والإيطالية لتكرير النفط".
وفي سنة 1973 قرّرت الدولة مغربة الشركة بشراء حصص الإيطاليين، وبعد سنوات أدرجت في بورصة الدار البيضاء عام 1996، ليتقرر خصخصتها بعد سنة من هذا الدخول في عهد حكومة عبد اللطيف الفيلالي بتحويل 67.27% من رأسمال المصفاة المغربية إلى مجموعة "كورال السويدية"، التي يملكها رجل الأعمال السعودي محمد الحسين العمودي.
ووقّعت الحكومة في 2004 اتفاقية استثمار مع مجموعة العمودي من أجل تحديث المصفاة وتطويرها وتوسيع أنشطتها، إذ تعهّد رجل الأعمال السعودي باستثمار 300 مليون دولار لهذا الغرض، في حين ظل الأمر حبراً على ورق.
نتيجة لتنصل المستثمر السعودي من التزاماته، بدأت مسيرة تصفيته لممتلكات شركة سامير، التي تضمّنت فنادق وعقارات، إضافة إلى حصص في شركات التأمين، إذ راكم من وراء ذلك أرباحاً كبيرة.
ووصلت الشركة في نهاية 2015 لوضعية غير متوقعة، بعدما تراكمت ديونها لفائدة الجمارك والبنوك المغربية، وصلت إلى 40 مليار درهم، الشيء الذي جعلها تدخل المسطرة القاضية في المحكمة التجارية في الدار البيضاء، التي قضت بتصفيتها في 2016.