التحذيرات الداخلية تنتصر على الضغوطات الدولية.. لماذا تراجعت مصر عن دعوة “الإخوان” في الحوار الوطني؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/07 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/07 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
لماذا تراجعت مصر عن دعوة "الإخوان" للمشاركة في الحوار الوطني - رويترز

شهد الشارع السياسي في مصر حالة من الجدل خلال الأيام الماضية، بعد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشكل واضح عدم دعوة جماعة الإخوان المسلمين للمشاركة بالحوار الوطني، الذي انطلق يوم الثلاثاء 6 يوليو/تموز الحالي، مخالفاً بذلك توقعات واسعة حول مشاركة الجماعة، التي تصنفها القوانين المصرية "إرهابية" في الحوار، ليكون ذلك توطئة لإعادة إدماجهم في العملية السياسية في مصر بعد 9 سنوات من الإقصاء.

وقال الرئيس المصري، في لقائه مع عدد من الإعلاميين يوم الأحد 4 يوليو/تموز الحالي، إن الحوار الوطني الأول بعهده سيكون للجميع باستثناء فصيل واحد، دون أن يسميه، لكنه أشار إليه بأنه الفصيل الذي كان يحكم مصر قبل 30 يونيو/حزيران. وبرر السيسي موقفه بأن الإخوان رفضوا عرضه بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل 30 يونيو/حزيران 2013 كي يقول الشعب كلمته، سواء باستمرارهم في الحكم أو بقائهم في العملية السياسية، لكنهم فضلوا اللجوء إلى القتل، على حد قوله.

حاولت "عربي بوست" معرفة السر وراء هذا التغير في الموقف من مشاركة الإخوان في الحوار، وحقيقة ما يحدث الآن في الكواليس.

مشاركة الإخوان في الحوار الوطني لم تكن مطروحة

مصدر مسؤول بمجلس أمناء الحوار الوطني أكد لـ"عربي بوست" أن جماعة الإخوان كتنظيم لم تكن على قائمة المدعوين التي تم التوصل لها خلال الاجتماعات التمهيدية المتعددة التي جرت للتحضير للحوار الوطني.

وأوضح أن كل ما تم التصريح به خلال الفترة الماضية لم يكن سوى اجتهادات تخص أصحابها، مثل تصريح حمدين صباحي في قناة الميادين حول إمكانية دعوة الإخوان للمشاركة في الحوار الوطني، بشرط اعترافهم بثورة 30 يونيو/حزيران، وما أفرزته من نظام سياسي، وكذلك الاعتراف بدستور 2014.

وأضاف المصدر أن حمدين صباحي "لا يمثل إلا نفسه"، على حد تعبيره، وتجلى هذا في خروج أكثر من نائب بالبرلمان المصري، فضلاً عن العديد من الكتاب والصحفيين للهجوم على تصريحاته ووصفها بغير المسؤولة، كاشفاً أنه لا يعرف ما إذا كان صباحي لديه ضوء أخضر من أي جهة مسؤولة في مصر ليدلي بما قاله.

لكنه – حسب علمه – في اجتماعات مجلس أمناء الحوار الوطني، فإن مشاركة جماعة الإخوان غير مطروحة من الأساس، وكان هذا الطرح موجوداً منذ الاجتماع الأول، وبالتالي فإن تصريحات الرئيس السيسي عن عدم دعوة الجماعة إلى الحوار ليست مفاجئة.

وكان ضياء رشوان، نقيب الصحفيين المصريين والمنسق العام للحوار الوطني، صرح عقب أول جلسات مجلس أمناء الحوار يوم الثلاثاء بأن هذا الحوار يتسع للجميع، لكن اللجوء للعنف والقتال خارج عن أي تعريف للحوار، ومَن حرض وشارك ليس على قاعدة هذا الحوار؛ لأنه لا يعترف بشرعية ودستور هذه الدولة.

سجال بين الأجهزة السيادية حول مشاركة الإخوان

مصدر بجهاز سيادي مصري كشف في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" أن الفترة الماضية شهدت جدلاً بين الأجهزة السيادية حول مشاركة بعض أعضاء جماعة الإخوان ممن لا يؤيدون العنف، ومن يتسمون بالعقلانية في الحوار الوطني، باعتبار أن ذلك يحقق أكثر من هدف للنظام السياسي المصري.

أول هذه الأهداف هو تخفيف الضغوط الخارجية التي زادت في الفترة الأخيرة، خصوصاً الضغوط الإقليمية بضرورة إعادة إدماج الإخوان كجماعة، أو حتى كأفراد في العملية السياسية.

ويتمثل الهدف الثاني في محاولة تفتيت الجماعة على مستوى القيادة مثلما فعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين استقطب الشيخ أحمد حسن الباقوري، ما تسبب بطرده من الجماعة.

والهدف الثالث هو إضفاء مصداقية على جدية النظام في التحاور مع أطياف المجتمع، وفي القلب منهم الإسلاميون الذين يشكلون نسبة غير قليلة من المجتمع المصري، مضيفاً أن أبرز القيادات الإخوانية التي كانت مطروحة هم سعد الكتاتني وأحمد فهمي، اللذان كانا يرأسان مجلسي الشعب والشورى على التوالي بعد ثورة يناير.

وأضاف المصدر أنه – في المقابل – كانت هناك جهة أخرى لديها اعتراضات حادة على دعوة الإخوان كجماعة أو كأفراد للمشاركة في الحوار الوطني بحكم أن رفع الحظر عن الجماعة سيمكنها من التسلل إلى العمل السياسي مجدداً؛ لامتلاكها قاعدة شعبية واسعة تستطيع استخدامها للضغط على النظام من أجل العودة.

كما بررت تلك الجهة رفضها بأن دعوة أفراد من الإخوان للحوار الوطني ستتسبب في خلاف بين جبهة المؤيدين للنظام والمشاركين في الحوار.

وكشف المصدر أن الجهة السيادية الرافضة لدعوة الإخوان نشطت في الأيام الماضية في حشد الإعلاميين التابعين لها والمقربين من المخابرات العامة؛ للتحذير من دعوة الجماعة أو أن تؤدي جلسات الحوار الوطني إلى السماح بعودة الإخوان للعملية السياسية في مصر، ومنهم إبراهيم عيسى، الذي أكد أن الحوار الوطني لا يلزمه ولا يلزم أي مصري حال عودة الإخوان للحياة السياسية في مصر، وعمرو أديب الذي قال في برنامجه إن الحوار الوطني لأبناء الوطن والناس الذين يريدون الحفاظ على الوطن، وليس هدمه، على حد تعبيره.

وأضاف المصدر أن السجال بين الراغبين في مشاركة الإخوان والرافضين كان مستعراً منذ دعوة الرئيس السيسي للحوار في نهاية رمضان الماضي، وكانت قناعة الرئيس تتجه أكثر نحو دعوة بعض الأعضاء العقلانيين من الإخوان، الذين لم يشاركوا في العنف.

لكن الشروط التي أعلنتها جماعة الإخوان على موقعها الإلكتروني يوم 4  يونيو/حزيران الماضي لقبولها المشاركة في الحوار كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وأسكتت الجهات الراغبة في دعوتهم.

وكان الموقع الإلكتروني لجماعة الإخوان المسلمين قد نقل عدم ممانعة الجماعة في الحوار الوطني بهدف تحقيق المصالحة الوطنية والإصلاح الشامل، بشرط أن تتوفر له شروط النجاح والاستمرار، وفي مقدمتها توفر حسن النية وبناء الثقة، ومن أهم خطواتها العملية البدء بإطلاق سراح كل من لم يتم تقديمه إلى المحاكمة من المعتقَلين، ويعقبه الإفراج عن جميع المعتقلين – أيًّا كانت انتماءاتهم السياسية – في كل القضايا التي نشأت منذ ثورة يناير إلى اليوم، مع إسقاط التُّهم عنهم، وإلغاء قرارات منع السفر والتحفظ ومنع التصرف في الأموال والممتلكات وغيرها، والوقف الفوري لأحكام الإعدام السياسية، وإطلاق الحريات وإلغاء الأحكام المسيسة، وفتح المجال العام أمام القوى الوطنية وأبناء الشعب كافة؛ للإسهام في مواجهة الأزمات وإعادة بناء الدولة.  

جهات سيادية تواصلت مع قيادات إخوانية "معتدلة"

باحث سياسي مطلع متخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي بأحد المراكز التابعة للحكومة، أكد في تصريحات لـ"عربي بوست" وجود تواصل مع بعض القيادات المعتدلة من جماعة الإخوان في الفترة الماضية من قبل مسؤولين في أجهزة سيادية لمعرفة آرائهم في إمكانية المشاركة في الحوار الوطني بشكل منفرد دون غطاء الجماعة.

وأوضح أن هذا الأمر قوبل بالترحيب من بعضهم، بينما تحفظ البعض الآخر على المشاركة بشكل منفرد، باعتبار أن ذلك سيكون بمثابة إعلان لكل العالم بوجود انشقاق في صفوف قيادات الجماعة، وهو أمر لا يريدون له أن يحدث، خصوصاً في ظل الأخبار المتناقلة حول وجود خلافات بين قيادات إسطنبول وقيادات لندن حول بعض المسائل السياسية.

وأوضح الباحث أن السلطة في مصر، عبر مسؤولي الأجهزة السيادية، قدموا دليلاً على حسن النوايا في اتصالاتهم مع هؤلاء القيادات بعدم تنفيذ الدولة لأحكام الإعدام النهائية والباتة، التي صدرت منذ أكثر من عام، وتحديداً في يونيو/حزيران 2021، والتي قضت بإعدام 12 قيادياً إخوانياً فيما عُرف بقضية فض اعتصام رابعة العدوية، أبرزهم عبد الرحمن البر ومحمد البلتاجي وصفوت حجازي وأسامة ياسين وعصام العريان.

لكن الباحث اعترف أن مسألة مشاركة رموز إخوانية معروفة في الحوار الوطني ظلت محل جدل عنيف بين الأجهزة السيادية، التي تخوفت من تأثير ذلك على انتعاش القاعدة الشعبية للإخوان في مصر، والتي نجحت الجهود الأمنية في تحييدها وإبقائها في الظل طوال السنوات الماضية.

وعن أسباب تفوق كفة الرافضين لدعوة الإخوان في نهاية الأمر، قال الباحث إنه، بحسب المعلومات التي وصلته، فإن الموقف غير المرن الذي أعلنته الجماعة من فكرة الحوار الوطني، ووضع شروط للمشاركة فيه اعتبرتها السلطات المصرية إملاءات من جماعة لا تملك أي قوة لفرض كلمتها.

كما أن السلطة المصرية هي التي كانت مترددة في إمكانية دعوة الجماعة من عدمها، فكيف يكون الرد بوضع شروط، في حين أن مشاركة التنظيم ليست محل ترحيب من الأصل، على حد تعبيره.

وقال الباحث إن بعض قيادات الجماعة فشلوا في قراءة المشهد الدولي الحالي، واعتقدوا أن ما قيل حول ضرورة مشاركة كل القوى السياسية دون استثناءات في الحوار الوطني نوع من التنازل من جانب النظام، استجابة للضغوط الخارجية، "لكن ما لم ينتبه إليه هؤلاء أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية التي ضغطت على النظام المصري في أكثر من مناسبة منذ دخول جو بايدن البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني من عام 2021 من أجل التصالح مع الإخوان والإفراج عن المعتقلين، مشغولة الآن بمشاكلها الاقتصادية الكثيرة بخلاف الصراع غير المحسوم مع روسيا في أوكرانيا، وبالتالي فإن قضية الإخوان والديمقراطية في مصر في آخر اهتماماتها"، على حد قوله.

ضغوط داخلية دفعت السيسي لاستبعاد مشاركة الإخوان

مصدر دبلوماسي مطلع بوزارة الخارجية المصرية أشار في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" إلى ما ذكرته تقارير غربية حول زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي للقاهرة مؤخراً وما جرى فيها، وأبرزها الحديث عن إعادة إدماج الإخوان في العملية السياسية المصرية، حتى تكون ورقة قوية في يد القاهرة والرياض في الاجتماعات المقررة نهاية الشهر الحالي في العاصمة السعودية بين عدد من القادة العرب والرئيس الأمريكي جو بايدن، وكذلك من أجل تسريع المصالحة بين القاهرة وأنقرة كخطوة مهمة، تعزز التقارب السعودي-التركي، وتعمل على إنشاء منظومة تعاون اقتصادي موسع بين العواصم الثلاثة.

وأضاف المصدر الدبلوماسي أن الرئيس السيسي لم يقدم وعداً صريحاً في هذا الشأن، لكنه لم يستبعد التفكير في الأمر، على أن يحدث على مراحل، لكن ضغوطاً داخلية عدة مورست على الرئيس كي يعدل عن التفكير في الأمر، والتي أوضحت له خطورة التعامل مع الإخوان، وأن فكرة العودة المرحلية والمحدودة لن تثنيهم عن التمدد السياسي كما فعلوا من قبل مع عبد الناصر ثم مع السادات.

كما أكدت الأجهزة الرافضة على الرئيس أن إظهار أي تنازل تجاه الإخوان قبل الاجتماع المقرر مع الرئيس الأمريكي سيغريه لممارسة المزيد من الضغوط على النظام المصري، وأن الأصوب في هذا التوقيت استغلال الوضع المتأزم الذي تمر به الإدارة الأمريكية للضغط عليها لسحب انتقاداتها المتكررة بخصوص وضع الديمقراطية والحريات في مصر.

وكانت تقارير إعلامية قد تحدثت عن أن ولي العهد السعودي والوفد المرافق له بحثوا في القاهرة معالجة "ملفين غير تقليديين"، هما تسريع التقارب مع تركيا والإخوان المسلمين، علماً بأن مصر تعمل على الجبهتين منذ عدة أشهر، لكن بوتيرة أبطأ مما تريده الرياض.

وذكرت التقارير أن محمد بن سلمان ناقش المصالحة مع تركيا خلال لقائه مع السيسي، في حين تمت مناقشة المحادثات حول الإخوان المسلمين في اجتماعات بين كبار المسؤولين في البلدين، إذ يأمل ولي العهد أن يقدم نفسه للأمريكيين على أنه "صانع التوازن" في المنطقة، والقادر على توجيه دفة التحالفات الاستراتيجية الإقليمية.

تحميل المزيد