قال موقع Africa Intelligence الفرنسي، الإثنين 4 يوليو/تموز 2022، إن مصر تستعد لـ"حوار وطني" دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي أواخر أبريل/نيسان الماضي، قد يُجنِّبه انتقادات غربية بملف حقوق الإنسان قبل انعقاد مؤتمر أممي خريف العام الجاري.
ويعد الحوار الفرصةَ الأولى لبعض المعارضين، للتعبير عن أنفسهم منذ تولي السيسي السلطة عام 2014، ومن المقرر أن يبدأ هذا الأسبوع، لكن المعارضة لا تعلّق على هذا الإعلان آمالاً كبيرة.
من جانب آخر تستعد مصر لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ، بمنتجع شرم الشيخ الساحلي، في الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بينما يحاول السيسي استثمار هذا الاجتماع.
ويرى السيسي أنه بمبادرة الحوار التي أطلقها يمكنه منع المنظمات الدولية من انتقاد نظامه خلال هذا المؤتمر، حسب الموقع الاستخباراتي الفرنسي.
رغم بوادر الانفتاح وسلاسة الاتصالات، تحرص الرئاسة على فرض رقابة صارمة على تنظيم هذا الحوار، إذ ستُعقد جلسات الحوار في "الأكاديمية الوطنية للتدريب"، وهي معهد للتدريب على القيادة تأسس عام 2019 بالشراكة مع مدرسة التدريب لكبار المسؤولين الفرنسيين، المدرسة الوطنية للإدارة (ENA)، وتتبع رئيس الجمهورية.
كما أن الأكاديمية الوطنية للتدريب كانت مسؤولة في البداية أيضاً عن تحديد البرنامج والحضور.
استثناء "الإخوان"
في سياق "الحوار الوطني" شكَّلت اللجنة المعيَّنة، في 26 يونيو/حزيران الماضي، مجلس أمناء يضم 19 عضواً، بينما تولت هذه الهيئة مهام الأكاديمية الوطنية للتدريب.
وكان من بين أعضائها الـ19، النائب عن تكتل 25-30 المعارض في البرلمان أحمد الشرقاوي؛ ورجل الأعمال وعضو حزب الكرامة كمال زايد؛ ونائب رئيس حزب الوفد هاني سري الدين؛ ومحمد فايز فرحات مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية المقرب من الحكومة؛ ورئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي.
من المفترض أن يعمل هؤلاء الأعضاء تحت إشراف مدير الهيئة العامة للاستعلامات برئاسة الجمهورية ضياء رشوان، الذي عُيِّن منسقاً عاماً للحوار الوطني.
أما المواضيع التي ستُطرح للحوار، وكذلك أسماء المشاركين فيه، فتخضع لمراجعة رئيس المخابرات العامة عباس كامل، الذي يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة.
ورغم أن رشوان لمَّح في البداية إلى ذلك، فلا يُتوقع أن يشارك أي ممثل لـ"الإخوان المسلمين" في هذه اللجنة المختارة بعناية. فمنذ وصول السيسي إلى السلطة، عمد نظامه إلى اعتقال الآلاف من أعضاء هذه الجماعة، المعروفين أو المشتبه بهم، والتي تعتبرها مصر جماعة إرهابية ومحظورة.
وقد فر العديد من أعضاء "الإخوان المسلمين" إلى الخارج بعد عام 2013. ومن حينها، يلاحقهم كامل "دون رحمة". ففي نهاية يونيو/حزيران، أشرف مدير المخابرات على ترحيل نحو 20 مصرياً من السودان يشتبه في انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وعود الإصلاح
لضمان مصداقية الحوار الذي دعا إليه، كان على السيسي إشراك ممثلين عن الشباب الثوري الذي شارك في ثورة 2011. ولذلك، جاءت الدعوة التي لم يتمكن أحمد ماهر، أحد مؤسسي حركة 6 أبريل، أحد أنشط الحركات الثورية منذ نهاية الألفينات، من رفضها.
وأكد ماهر مشاركته بالفعل، رغم أن اثنين آخرين من مؤسسيها، أحمد دومة ومحمد عادل، لا يزالان رهن الاعتقال.
ويتعهد مجلس الأمناء للمشاركين بإصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وحتى مناقشة التعديلات الدستورية لعام 2019.
وهذه التعديلات، التي أقرها استفتاء (بنسبة 88.8%)، منحت رئيس الدولة سلطة تعيين رؤساء المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض وهيئة النيابة الإدارية، ومددت فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات. وفي المطلق، تمهد هذه التعديلات الطريق لولاية ثالثة محتملة للسيسي.
وقبل عامين على موعد الانتخابات المقبلة، يمر الرئيس المصري بفترة من الضبابية. فقد أدى الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى إغراق البلاد في أزمة اقتصادية خطيرة تلقي بثقلها على الحياة اليومية للشعب.
وخسر سوق السندات المصرية أكثر من 20 مليار دولار منذ يناير/كانون الثاني. ونتج عن هذا التحول لرأس المال الأجنبي لاستثمارات أكثر أماناً، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، لا سيما القمح؛ تفاقم عجز ميزانية البلاد والتضخم وانخفاض قيمة العملة.
بينما خسر الجنيه المصري 14% من قيمته في مارس/آذار. وتتفاوض القاهرة أيضاً مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
لا يزالون خلف القضبان
ويحتاج السيسي لكسب بعض الدعم من المجتمع الدولي. فهو بهذا "الحوار الوطني"، يقدّم بادرة حسن نية لحلفائه الغربيين، بقيادة الولايات المتحدة.
في سبتمبر/أيلول عام 2021، حجبت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن 130 مليون دولار من أصل 1.3 مليار دولار هي قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر، بسبب اعتقالها عشرات الآلاف من المعارضين.
كما تطالب وزارات خارجية الدول الأوروبية بالإفراج عن السجناء السياسيين، من جانب آخر.
ومنذ الإعلان عن هذا الحوار نهاية أبريل/نيسان، قدَّم السيسي قليلاً من التعهدات، وأفرج النظام عن أكثر من مئة سجين رأي، إلى جانب دعوته إلى حوار مع المعارضة.
لكن شخصيات بارزة، مثل الناشط علاء عبد الفتاح، المضرب عن الطعام منذ 2 أبريل/نيسان، والنائب السابق زياد العليمي، لا يزالان خلف القضبان. ومع ذلك يُتوقع صدور بيانات جديدةٍ هذا الأسبوع، حسب الموقع.