في وقت قياسي! ميقاتي يقدم لـ”عون” تشكيلة حكومية فهل يفتح الباب لأزمة سياسية جديدة في لبنان؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/30 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/30 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي/ رويترز

للمرة الأولى في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان، فاجأ الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الجميع بتقديمه تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية ميشال عون، بعد أقل من 12 ساعة على إنهائه الاستشارات البرلمانية غير الملزمة مع الكتل السياسية.

وفي غضون أقل من 12 ساعة، أعدّ رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي تشكيلته الحكومية. قياساً مع التجارب السابقة تعد تلك فترة قياسية لرئيس مكلف ينهي استشاراته مساء فيكون في الصباح الباكر في القصر الجمهوري ومعه تشكيلة وزارية يفترض أن تتضمن ترجمة لنتائج الانتخابات إذا ما اعتبرنا أن الاستشارات النيابية للرئيس المكلّف غير ملزمة.

بالمقابل، كانت قد أعلنت غالبية القوى والأحزاب السياسية عدم رغبتها في المشاركة بالحكومة؛ لذا فإن ميقاتي أعد تصوّراً حكومياً ووضعه في عهدة رئيس الجمهورية ميشال عون للاستماع لرأيه، والتي وفق الأجواء التي أوحى بها ميقاتي لمقربين أنه استبق تعطيل باسيل وعون المتوقع برمي الكرة في ملعبهما. 

فخ عون وباسيل

في إطار متصل، تشير مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية لـ"عربي بوست" إلى أن خطوة ميقاتي أراد منها الإيحاء بإصراره على تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت مُمكِن، وهي لا تعدو سوى "فخّ سياسي" يريد من خلاله ميقاتي القول بأنه يقوم بواجباته الدستورية على أكمل وجه. لكنه، في المضمون، يُدرِك جيداً أن الأسماء التي حملها إلى القصر الجمهوري ستكون مرفوضة حتماً من رئيس الجمهورية، وبذلك يتهم عون وفريقه بأنهم يعطّلون التأليف.

وتعتبر مصادر الرئاسة أن ميقاتي بات منخرطاً في محاولات بعض القوى السياسية المناهضة للرئيس والتيار الوطني الحر والتي تسعى لتدمير ما تبقّى من صورة لعهد الرئيس عون؛ لذا فإن ما طفا على السطح خلال اليومين الأخيرين لم يكُن مبالغات، بل نتيجة لارتفاع منسوب الشك لدى بعض القوى السياسية وتحديداً التيار وحزب الله تجاه ميقاتي نتيجة الإشارات المتناقضة التي أطلقها، فضلاً عن محاولاته المستمرة للإيحاء بأنه يرفض التعاون مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لكسب تعاطف سني وإعادة مقبوليته من قبل الدول العربية التي لا تنوي التعامل معه.

ويشير المصدر نفسه إلى أن خطوة ميقاتي بتقديم تشكيلة حكومية، وهي تعديل طفيف على الحكومة الحالية، تظهر أن الرئيس المكلف لم يعط أي أهمية لمطالبات الكتل والنواب الذين التقاهم خلال يومين في مجلس النواب، وذهب لتقديم تشكيلة هي عبارة عن تعديل وزاري؛ إذ أبقى على الحكومة السابقة مكتفياً بتبديل أسماء بعض الوزراء، واضعاً شخصية سُنية مقربة منه وهو وليد سنو لوزارة الطاقة بدلاً من الوزير الحالي وليد فياض، واستبدل وزير الاقتصاد الحالي أمين سلام والمقرب من التيار الوطني الحر  بالوزير الحالي جورج بوشكيان الذي يشغل حقيبة الصناعة.

فيما أعطيت الصناعة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي كحصة درزية وذهبت لوليد عساف، وباتت وزارة المهجرين من حصة الروم الأرثوذكس؛ حيث جرت تسمية النائب المحسوب على قدامي تيار المستقبل سجيع عطية، وبقيت وزارة المالية مع الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) لكنه استبدل الوزير يوسف الخليل بالنائب السابق ياسين جابر.

ويختم المصدر بالقول إن مقترح ميقاتي الذي قدمه أمس يفتح الباب أمام أزمة سياسية ومواجهة متوقعة وهو من خلالها يستهدف الرئيس عون لحشره في الزاوية، لأنه وفي حال رفض رئيس الجمهورية مقترح الحكومة التي قُدمت له سيجري اتهامه بعدم تسهيل تشكيل حكومة جديدة، وسيتعرض الرجل وصهره لحزمة جديدة من الضغوط على المستويين الداخلي والخارجي (وتحديداً الفرنسيون والأمريكيون)، في ظل التدهور المتسارع في الاقتصاد والخدمات، بالمقابل فإن الخيار الآخر أي القبول بالصيغة المقترحة، يعني ذلك أن عون رضخ لخصومه قبيل خروجه من القصر وتحديداً الثلاثي بري وجنبلاط وميقاتي.

حكومة دون شرعية مسيحية؟

بالتوازي، يعتقد الباحث ربيع دندشلي أنه وللمرة الأولى منذ دخوله الحكومات، ولعبه دوراً أساسياً في تشكيلها، لن يكون رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قادراً على استخدام لعبة الوقت والرهان عليه. فالوقت حالياً يعمل ضده وضد مصلحته، بينما كان يعمل سابقاً على إطالة أمد التعطيل للحصول على حصص أوسع وأكبر.

ويرى دندشلي أن ثمة مسارين؛ إما أن باسيل يخوض معركة تحت عنوان "تهشيم خصومي كما تهشمت"، أو أنه لا يريد فعلًا تشكيل حكومة، خاصة أن هناك لغطاً دستورياً على مسألة تسلّم حكومة تصريف أعمال صلاحيات رئيس الجمهورية. ووفق الدستور لا وجود لحكومة تصريف أعمال، بل وزراء يصرفون الأعمال في وزاراتهم.

ويرى المحلل السياسي اللبناني منير الربيع أن باسيل قد يكون يريد حكومة مشكوكاً بشرعيتها. فعدم وجود حكومة قادرة على الانعقاد، يعني أنها لا تمتلك صلاحيات رئيس الجمهورية. وهذه قد يستخدمها، لاستعطاف القوى المسيحية الأخرى تحت عنوان الحفاظ على الموقع المسيحي الأول وصلاحياته، ومن ثم إجبار النواب المسيحيين على المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس كلها، وعدم السماح لهم بمقاطعة الجلسات وتعطيل النصاب.

ووفقاً للربيع أن هنا يكون الدور الأبرز لحزب الله. فبعد تمرير الجلسة الأولى بتأمين نصاب الثلثين، والذي يجب أن يتوفر أيضاً في الجلسة الثانية، التي تبقى منعقدة لانتخاب الرئيس بأكثرية النصف زائد واحد. وهنا تتجدد تجربة الـ65 صوتاً ولكن لا يمكن الحسم بهوية الرئيس، ولا بكيفية تمرير مثل هذا السيناريو المتخيل.

تبريرات ميقاتي

وحيال قيام ميقاتي بخطوة تقديم تشكيلة حكومية تشير أوساط الرئيس المكلف لـ"عربي بوست" إلى أن الطرح الذي قدمه ميقاتي أمس متوافق عليه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وكتل نيابية أخرى كحزب الطاشناق وكتلة الوفاق الوطني (قدامى تيار المستقبل).

بالمقابل، فإن أوساط ميقاتي تعتقد أن حزب الله لن يبدي اعتراضه على التشكيلة طالما أنه راعى هواجسه بحجم حصته وإبقاء وزارة المال مع الطائفة الشيعية، ويشير المصدر إلى أن عملية المداورة التي أجراها ميقاتي على مواقع ووزارات وتحديداً في وزارة الطاقة والاقتصاد والمهجرين، جرت بغية إرضاء معظم الأطراف وإعادة تشكيل هوية الحكومة وتشغيل محركاتها بعد تعثر الوزراء الذين جرى تبديلهم في تحقيق أي هدف مرجو.

وحيال وزارة الطاقة تشير أوساط مقربة من ميقاتي إلى أنه يريد تحقيق إنجاز في ملف الكهرباء؛ لذا يود تعيين وزير يُمكنه التفاهم معه وليس وزيراً ينتظر موافقة تياره على خطط تهم الناس، ويضيف أن ميقاتي أخذ موافقة بري على تعيين الوزراء الشيعة بمن فيهم وزير المال المقترح ياسين جابر، بكونه واكب كل الاجتماعات المخصصة للوضعين المالي والنقدي، سواء من خلال لجنة المال والموازنة أو من خلال المناقشات الجانبية مع الجهات اللبنانية والدولية، وهو مطّلع على خطة الحكومة للتعاون مع صندوق النقد الدولي.

تحميل المزيد