بعد أكثر من شهرين من الغموض وتضارب التوقعات؛ قررت الحكومة المغربية الخروج بموقف واضح ورسمي تجاه واردات المنصات الإلكترونية، التي تمارس التجارة، بإعلانها التصديق على مرسوم يفرض ضرائب على السلع القادمة من الخارج.
المرسوم الذي قدمه الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار، اختارت الحكومة أن يكوناً مرسوماً يُصدّق عليه الوزراء عوض أن يكون مشروع قانون يُعرض على البرلمان.
القرار الجديد يلغي قراراً سابقاً كان معمولاً به في المغرب لسنوات، ويقضي بإعفاء جميع الإرساليات التي تقل قيمتها عن 1250 درهماً (حوالي 120 دولاراً) من أداء الرسوم الجمركية.
وبحسب الفصل 190 من مدونة الجمارك المغربية، كما جرى تعديله في 2012، فقد كان "الإعفاء الجمركي" يطال "المنتجات والأشياء، باستثناء الكحول والتبغ، المرسلة إلى الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين الذين لهم إقامة اعتيادية في المغرب في حدود 500 درهم (حوالي 50 دولاراً)".
وقد جرى تعديل هذه الفقرة 3 مرات بعد ذلك في 2015، حيث تم رفع القيمة المالية للإرساليات المشمولة بالإعفاء إلى 1250 درهماً، قبل أن يتم تعديله، ويسقط الإعفاء عن جميع الإرساليات ويجبرها على أداء الجمارك، يوم الخميس 16 يونيو/حزيران 2022.
حمائية ضد الاقتصاد
رشيد أوراز، الخبير الاقتصادي والباحث الرئيسي، وعضو مؤسس المعهد المغربي لتحليل السياسات، قال إنه "في حالة المغرب، فهو قرار لا يفاجئني؛ لأن هناك خطاباً حمائياً متزايداً حول تبرير حماية المنتج المحلي، وهذا بالطبع ليس تبريراً معقولاً؛ لأن المنتج المحلي لا يتطور إلا في إطار المنافسة مع المنتج الأجنبي".
وتابع رشيد أوراز في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "هذه القرارات الحمائية دائماً تحمي مصالح أقلية من المنتجين، وتضر المستهلكين، والمغرب مصلحته في الانفتاح وتحرير الاقتصاد وليس العكس".
وأشار المتحدث إلى أن "هذا القرار لا يعكس صورة اقتصاد حر، وفرض الرسوم الجمركية على التجارة أصبح سياسة تجارية من الماضي، ولكن صعود الخطاب المناهض للعولمة والتجارة والانفتاح يدفع أو يساعد المسؤولين والحكومات في اتخاذ مثل هذه القرارات".
وبخصوص الآثار الاقتصادية على المواطنين، أفاد بأن "هذه القرارات تضر بالمستهلكين، وتضغط على قدرتهم الشرائية، في سياق يعرف تضخماً مرتفعاً ومشاكل اقتصادية ضخمة، وهو أيضاً محاولة لحصر كل ما يمكن أن يؤدي لاستنزاف مخزونات العملة الصعبة، بسبب توقع الدولة أن الأزمة العالمية الحالية ستبقى مستمرة".
تفاصيل القرار
نشرت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، الأحد 18 يونيو/حزيران الجاري، قراراً كشفت فيه عن أسباب اعتماد هذا القانون، ومحددة السلع المعنية باستمرار الإعفاء الجمركي من عدمه.
وكشفت إدارة الجمارك لأول مرة القيمة المالية لرقم معاملات "بعض" منصات التجارة الإلكترونية المنجزة في المغرب؛ حيث فاق في سنة 2021 مبلغ مليار درهم (حوالي 100 مليون دولار).
القرار الجديد، ووفق مصادر "عربي بوست"، سيدفع بزيادة قيمة السلع القادمة من منصات التجارة الإلكترونية بنسبة تتراوح بين 50 و60% من قيمتها بداية من الشهر القادم، أي تاريخ دخول القرار حيز التنفيذ.
وأفادت المصادر بأن البضائع القادمة مثلاً من تركيا أو الدول التي يربطها مع المغرب اتفاق تبادل حر، ستعرف فرض رسوم جمركية بين 25 و30%، تضاف إلى 20% من الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، ليتراوح مبلغ الزيادات الإجمالية بين 45 و50%.
السلع القادمة من البلدان التي لا تجمعها مع الرباط اتفاقية تبادل حر، كالصين مثلاً، ستعرف زيادات تصل 60% من القيمة الأصلية، و40% رسوم جمركية، و20% ضريبة على القيمة المضافة.
إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في المغرب بررت تبنيها للمرسوم الحكومي بكونها ضبطت ممارسات غير قانونية، وتبين بها أن بعض الإرساليات المبعوثة من طرف منصات التجارة الإلكترونية الدولية هي في الواقع عمليات استيراد كميات كبيرة من البضائع تحت غطاء التسهيلات الجمركية المخصصة للإرساليات الاستثنائية التي ليست لها أية صبغة تجارية، وكذا البضائع ذات القيمة الزهيدة.
وأفاد البلاغ: "هذا الوضع أدى إلى ظهور سوق غير مهيكل ينشط من خلال إعادة بيع السلع المقتناة عبر مواقع التجارة الإلكترونية الدولية، معتمداً على غش في قيمة المقتنيات المصرح بها (نقص الفوترة)، أو تجزئتها على عدة مستفيدين، رغم أن المشتري الفعلي هو شخص واحد، وذلك للاستفادة من الإعفاء الجمركي والتهرب من مراقبة المعايير المتعلقة بحماية المستهلك".
وكانت مصادر "عربي بوست" قد كشفت وجود محاولات حكومية لفرض رسوم وضرائب جديدة على الشركات الصينية والتركية، كما أن صحفاً مقربة من السلطة في المغرب، قد أقرت بأن أرباب شركات النسيج ضغطوا على الحكومة من أجل حمايتهم من منصات التجارة الإلكترونية.
لمصلحة من؟
مصادر "عربي بوست" أكدت الأخبار التي تم تداولها في الإعلام المحلي، كون مصالح وزارة الاقتصاد والمالية كانت تعد مراجعة القانون، بالتزامن مع الوقت الذي رفعت فيه "أكسال" (شركة سلوى أخنوش زوجة رئيس الحكومة عزيز أخنوش)، وتيرة استعدادها لإطلاق منصتها "وصال" للتجارة الإلكترونية.
وأكد زكرياء كارتي، الخبير الاقتصادي، والمسؤول في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير European Bank for Reconstruction and ، Development (EBRD) هذا الاتجاه.
وقال في تصريح لـ"عربي بوست": "في عالم السياسة والمال لا شيء متروك للصدفة، كل من يمارس التجارة في مستوى عال، يسعى لحماية مصالحه عبر العلاقات السياسية".
وتابع أن السيدة سلوى أخنوش، زوجة رئيس الحكومة، "ليست وحدها من يستفيد من هذا القرب، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة".
وعلى خلاف مع هذا الرأي، يشدد رشيد أوراز، أن أخنوش (الزوج) حقق خلال تربعه على عرش المحروقات أرباحاً خيالية يصعب تحصيلها، ومسألة استفادة زوجته من التجارة الإلكترونية، تبقى هامشية وثانوية إلى حد بعيد.
حق أريد به باطل
اختصر زكرياء كارتي، الخبير الاقتصادي، والمسؤول في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير European Bank for Reconstruction and Development (EBRD) موقفه من تعديل المرسوم الحكومي القاضي بفرض رسوم جمركية على إرساليات المنصات الإلكترونية من الخارج، بكونه "حقاً أريد به باطل".
وقال زكرياء كارتي، في تصريح لـ"عربي بوست": "لنتفق في البداية على أن هناك نوعاً من اللا عدالة الضريبية كانت تستفيد منه منصات التجارة الإلكترونية، كما أن هناك تحايلاً على القوانين تقوم به عدد من هذه المنصات حتى تتفادى ما بذمتها من جمارك".
وتابع كارتي: "وفق ما كشفه ملف المنصة الإلكترونية الصينية Shein؛ فإن الشركة قامت بممارسات غير قانونية، تثبت أن التحايل على القانون كان ممنهجاً، من خلال الاتفاق مع زبنائها على تقسيم الإرساليات، بحيث لا تتجاوز قيمة كل إرسالية المبلغ المعفى جمركياً".
غير أن زكرياء يشدد على أن هذا الأمر "لا يعفي من القول بأن هذا القرار سيكون من آثاره استهداف القدرة الشرائية للمواطن للأسف الشديد؛ لأن المواطن الذي يقتني قطعة لباس بثمن منخفض سيجد نفسه مضطراً لاقتناء القطعة نفسها بثمن أعلى بعد إضافة الجمارك والضرائب إليه، في وقت يعاني فيه أصلاً من ارتفاع في الأسعار".
الجانب الآخر لهذا القرار، يوضح زكرياء، "هو صورة الحكومة التي ستظهر أمام الرأي العام، كمن يريد جمع المال عبر زيادة الضرائب، دون رغبة في حماية المجتمع، الذي سيدفع ثمن ارتفاع سلع جديدة".
ولم يتردد زكرياء كارتي في الإعلان عن شكوكه من "كون المرسوم الجديد يثبت، سياسياً وتواصلياً، أن هذا القرار يمهد الطريق لزوجة رئيس الحكومة لإطلاق منصتها الخاصة بالتجارة الإلكترونية، فلا شيء في المغرب، سواء في السياسة أم الاقتصاد، يتم دون ترتيبات كالتي نشاهد في مسألة منصات التجارة الإلكترونية".
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”