أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، الأربعاء 22 يونيو/حزيران 2022، تقريراً رفيع المستوى دعا إلى زيادة الضمانات الأمنية الأمريكية، مقابل دور سعودي أكبر في خفض أسعار النفط، "ومزيد من التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل".
يأتي ذلك بينما يحذر خبراء من أنَّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية دون معالجة الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية سيزيد التوترات الإقليمية، حسبما ذكر موقع The Intercept الأمريكي، الأربعاء.
وكان الموقع قد حصل على وثيقة تكشف عن تحذير وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، من أن اتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل عام 2020 "تنذر بتصعيد خطر العنف".
ولفت إلى أن الأمر ذاته يتكرر مع الرئيس الحالي، جو بايدن، الذي تحاول إدارته تصوير اتفاقيات التطبيع على أنها اتفاقية سلام، بيد أنها في الأساس "صفقة مالية" رجّحت فيها إسرائيل وجيرانها الخليجيون المنافع الاقتصادية والمخاوف الأمنية المشتركة بشأن إيران، على حساب مسؤوليتهم الأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، حسب الموقع.
هندسة تحالف استبدادي مُوسَّع في الشرق الأوسط
بدورها، قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، إنَّ حكومة الولايات المتحدة تعمل على هندسة تحالف استبدادي مُوسَّع في الشرق الأوسط، وتدفع أموالاً كبيرة مقابل ذلك.
ووصفت التحالف الذي بدأ بالفعل بأنه يأتي بمردود عكسي على العرب، وأضافت: "إنَّ ضم السعودية إلى اتفاقيات التطبيع لن يؤدي إلا إلى تعزيز قوة هذا المحور الجديد للتفاوض، باعتبارها كتلة واحدة مع الولايات المتحدة، مثلما بدأ بالفعل".
وتابعت: "لقد رفضوا رفضاً موحداً دعم الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، وطالبوا بتنازلات متسقة من أجل تعاونهم، بما في ذلك اتفاقية أمنية جديدة تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عنهم".
وأضافت ويتسن: "لن يؤدي هذا إلا إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على متابعة مصالحها الخاصة على أساس ثنائي مع أي من دول المحور هذه، مع زيادة جرأتها على متابعة العدوان المتهور والسلوك الإجرامي في الشرق الأوسط"، على حد تعبيرها.
وفي حين أنَّ تنبؤات التقرير قد ثبتت في الغالب في الشرق الأوسط، إن لم يكن في الولايات المتحدة، في ظل استمرار اندلاع العنف الدوري بسبب الاحتلال الإسرائيلي، فمن المستحيل عزل آثار اتفاقيات التطبيع على وجه التحديد.
إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أنَّ الحكومة الإيرانية ستحاول استغلال عدم وجود تنازلات في التطبيع لصالح الفلسطينيين للإيحاء "بأنَّ الإدارة الأمريكية متورطة في العنصرية والاستعمار".
ويشير التقييم إلى أنَّ هذه الرواية من المرجح أن "تُضخِّم النشاط المتطرف العنيف" داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك ضد المجتمع اليهودي.
وقدّم التقرير تحذيراً شبه مؤكد من أنَّ التطبيع المرتبط بما يسمى "اتفاقيات إبراهيم" سيكثف "الغضب"، ويمكن أن يعرِّض الناس في المنطقة وفي الولايات المتحدة أيضاً للخطر.
التطبيع يهدِّد واشنطن!
على صعيد آخر، قالت الوثيقة التي حصل عليها موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، إن ترامب، بينما كان منشغلاً بالترويج لما أسماه "اتفاقيات إبراهيم" في 2020 على أنها اتفاقية سلام تاريخية في الشرق الأوسط، فإن وزارة الأمن الداخلي اعتبرتها اتفاقيات "بعيدة عن السلام".
وقال الموقع إن الوثيقة صدرت بتاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وهي عبارة عن تقييم استخباراتي نشره مكتب الاستخبارات والتحليل التابع لوزارة الأمن الداخلي على الوكالات الحكومية الأخرى.
ويلخص عنوانها الموجز القصير: "من المرجح جداً أن يتفاقم سخط من أسماهم بالإرهابيين طويل الأمد بسبب تطبيع إسرائيل للعلاقات مع دولتين خليجيتين"، في إشارة إلى الإمارات والبحرين.
واستشهدت الوثيقة بمثال إطلاق النار الجماعي الذي شنه ضابط عسكري سعودي في قاعدة جوية أمريكية في بينساكولا بولاية فلوريدا عام 2019، المدفوع بقرار إدارة ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
ونصَّت الوثيقة على أن تحميل المسؤولية على عاتق الولايات المتحدة بسبب سياستها الخارجية في الشرق الأوسط مثل اعتبار الولايات المتحدة مسؤولة عن الأعمال الإسرائيلية، "ستتفاقم تفاقماً شبه مؤكد بسبب تطبيع إسرائيل للعلاقات مع البحرين والإمارات العربية المتحدة"، على حد قولها.
وتجدَّدت أهمية تحذيرات تقرير المخابرات في ضوء مسعى الرئيس جو بايدن لإصدار نسخة أوسع من اتفاقيات التطبيع؛ التي بموجبها يمكن أن "تطبِّع" إسرائيل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، موطن عدد سكان أكبر بكثير من الإمارات أو البحرين.
بايدن على خطى ترامب: دور السعودية
في السياق، قالت الباحثة الأمريكية تريتا بارسي، إن التطبيع (المحتمل) السعودي -الإسرائيلي: "سيُصعِّد الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. وسيعطي إسرائيل الضوء الأخضر للاحتفاظ بالأراضي المحتلة والاستمرار في التوسع في الأراضي الفلسطينية، وسيؤدي ذلك إلى تفاقم المشكلة، ودفعنا بعيداً عن أي سلام عملي".
علاوة على ذلك، فإنَّ التطبيع ينذر بتكلفة، ليس فقط على الفلسطينيين، بل على الولايات المتحدة أيضاً. وتأتي هذه التكلفة في شكل خطر متزايد من "العنف" في الولايات المتحدة، كما يشير التقييم الاستخباري.
كما أشار إلى أنه (التطبيع) يترك واشنطن أيضاً في مأزق للرد على عدم الاستقرار الناتج في الشرق الأوسط.
ولفت التقرير إلى أن التطبيع، باعتباره أمراً غير مرغوب به لدى الشعوب العربية التي تتعاطف مع محنة الفلسطينيين، فسيتعيّن على إدارة بايدن تقديم مكافأة لجعل الصفقة أكثر قبولاً للحكومات العربية.
وبحسب تقارير أخرى، فإن إدارة بايدن ناقشت الضمانات الأمنية مع الإمارات، التي تعد فيها الولايات المتحدة بتقديم مساعدة عسكرية بناءً على طلبها.