لعل أبرز ما يميز موسم الحج هذا العام هو ذلك الارتفاع الكبير في تكاليفه بشكل غير مسبوق؛ مقارنة بالأعوام الماضية التي سبقت جائحة كورونا، وهو ما جعل تساؤلات عديدة تدور حول الأسباب وراء ارتفاع أسعار الحج هذا العام رغم انتهاء جائحة كورونا، وتأثيراته المحتملة على قدرة المواطنين في الدول الإسلامية المختلفة على تحمل هذه التكاليف، وهو ما يعني حرمان الكثيرين من هذه الفرصة.
"عربي بوست" حاول رصد ظاهرة ارتفاع أسعار الحج في عدة دول عربية وتأثيرها على الراغبين في القدوم لأداء الشعائر، بالإضافة إلى تفنيد الأسباب التي أدت لهذا الأمر.
الأردن.. ارتفاعات غير مسبوقة
وصلت أقل تكلفة للحج في الأردن هذا العام إلى حوالي 2414 ديناراً للشخص الواحد (حوالي 3400 دولار أمريكي). فيما وصلت أسعار الحج المُميّز إلى 6000 دينار (حوالي 8500 دولار أمريكي).
بينما في الأعوام السابقة كانت تكلفة الحج البري 1940 ديناراً، حيث بلغت الزيادة أكثر من 500 دينار أردني (ما يعادل 700 دولار أمريكي).
وأكدت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن أنّه تمّ استئجار المساكن في السعودية في مكة والمدينة، وهي فنادق 4 نجوم، والغرفة لا تزيد فيها عدد الأسرّة عن 4 أسرة ضمن مواصفات معينة ومساحة معينة لكل حاج.
وأشارت إلى أن المساكن المستأجرة لا تبعد أكثر من 1400 – 1500 متر فقط عن الحرم لهذا العام في أماكن محددة في مكة المكرمة، الأمر الذي رفع فاتورة تكاليف الحج على الحاج الأردني.
وأوضحت الوزارة عبر وزيرها محمد الخلايلة أنّ هناك رفعاً كبيراً جداً للأسعار من قبل السعودية عبر فرض ضرائب، كما تمّ رفع الرسوم على العديد من الخدمات المتعلقة بالمشاعر والمساكن.
وشدد على أنّه "رغم الضغط الذي حاولنا أن نقوم به في وزارة الأوقاف، لكن الأسعار وصلت إلى 2414 ديناراً تشمل الهدي ووجبات الطعام والسكن والتنقلات في مكة والمدينة.
المغرب.. أسعار كبيرة
أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة المغربيّة أن مصاريف الحج لهذا الموسم وصلت إلى 63800 درهم (حوالي 6500 دولار)، وهو مبلغ لا يشمل المصروفات الشخصيّة.
هذا المبلغ يعرف كل من يعيش في المغرب أنه كبير جداً، ويفوق قدرة الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة، فالوحيدون القادرون على أداء مناسك الحج بهذه الأسعار هي الطبقة الغنية.
الجزائر.. أسعار استثنائية
وفي الجزائر كما المغرب، أعلن ديوان الحج والعمرة عن أسعار الحج لهذا الموسم والتي وصلت إلى 86 مليون دينار جزائري، أي ما يقابل حوالي 6000 دولار أمريكي، غير شاملة لمصاريف الجيب.
جريدة "الشروق" الجزائرية قالت نسبة لمصادرها إن "أسعار الحج هذا العام استثنائية وراجعة لإجراءات تنظيمية وصحية، وهي لا تعكس حقيقة الأسعار المطبقة سواء في الأعوام السابقة واللاحقة".
وأضافت أن الأسعار الموسم القادم ستتغير سواء نحو الأحسن في حال تحسنت الأحوال واستقرت، ويمكن أن ترتفع في حال تسجيل أحداث استثنائية أخرى يصعب التنبؤ بها في ظل التحولات الاقتصادية والأمنية والصحية التي يشهدها العالم.
مصر.. ارتفاعات كبيرة
أما في مصر فوصلت تكاليف الحج الاقتصادي إلى 92500 جنيه (5000 دولار) غير شاملة أسعار تذاكر الطيران.
وكشف مصدر مطلع باللجنة العليا للحج والعمرة التابعة لوزارة السياحة والآثار، أن أسعار برامج الحج لعام 1443 هجرية الموافق 2022 ميلادية، زادت بنسبة تتراوح بين 35 إلى 40% عن الأعوام السابقة.
وأوضح أن أقل سعر يبدأ من 90 ألف جنيه، بينما الحج 5 نجوم سيصل إلى 170 ألف جنيه، مشيراً إلى أنّه من المتوقع أن تتراوح أعداد الحجاج المصريين هذا العام بين 30 إلى 35 ألفاً .
العراق.. ضمن الأقل عربياً
العراق يعد من بين الدول العربية الأقل تكلفة، إذ تبلغ كلفة الحج براً 3450 دولاراً، فيما رحلات الحج الجوية تبلغ 4200 دولار، وفق ما أعلنته هيئة الحج والعمرة.
فلسطين.. بين غزة والداخل
أعلنت لجنة الحج بوزارة الأوقاف في قطاع غزة، أن تسعيرة الحج لعام 2022 بلغت 3470 ديناراً أردنياً (4900 دولار)، بزيادة كبيرة عن آخر موسم حج عام 2019، فيما أسعار الحج للمواطنين من الضفة الغربية ستعلن خلال الأيام المقبلة وستشهد ارتفاعاً محدوداً.
وبلغت تكلفة الحج لعام 2019 في قطاع غزة، 2790 ديناراً أردنياً، وفي الضفة الغربية 2570 ديناراً أردنياً في عام 2019.
وفي الداخل الفلسطيني، أعلنت لجنة التنسيق العليا لشؤون الحج والعمرة لفلسطينيي الداخل المحتل، أن تكلفة الحج لهذا الموسم تتراوح بين 29500 و38500 ألف شيقل (8800 – 11500 دولار)، أي بزيادة نحو ثلاثة آلاف شيقل عن آخر موسم حج.
باكستان.. تراجع عن الحج
أما على صعيد الحجاج الباكستانيين فالوضع ليس بأحسن حالاً؛ إذ يكشف الباحث والمحلل في الشؤون الباكستانية عماد آغا، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنّ تكاليف الحج للمواطن الباكستاني زادت بشكل ملحوظ مقارنة بالأعوام الماضية، التي كانت لا تتجاوز 450 ألف روبية (2250 دولاراً)، لتصل في العام الحالي ما بين 700 ألف روبية إلى المليون روبية (3500-5000 دولار).
وهذا يعدّ -بحسب آغا- زيادة كبيرة تصل إلى أكثر من 50% على أقل تقدير حسب الفئة التي يختارها الحاج، مشدداً على أنّ هناك حالة من الاستياء والإحباط في أوساط الكثير من الباكستانيين على اعتبار أنّ التكاليف الجديدة تحرم الآلاف من الذين كانوا ينوون أداء الفريضة لهذا العام بسبب التكاليف المرتفعة.
وأشار إلى أنّ الكثير منهم كانوا يخططون لأداء الحج في الموسم الحالي على اعتبار السعر القديم وتفاجؤوا بغلاء الأسعار لهذا العام، الأمر الذي دفعهم إلى إلغاء فكرة الحج وإرجائها حتى إشعار آخر.
الكويت
أسعار حملات الحج الميسر في دولة الكويت تبدأ من 1650 ديناراً كويتياَ (5400 دولار)، وتصل حتى 1750 ديناراً كويتياً، وأما عن الحملات الأخرى فلم يتم تحديد أسعارها من قبل الوزارة، لأنها تختلف أسعارها حسب الخدمات المقدمة من كل حملة.
تركيا
أفاد رئيس جمعية الحج والعمرة في تركيا ضياء الدين شاهين، بأن أسعار تكاليف الحج من تركيا ستبدأ من 62 ألف ليرة تركية (3600 دولار أمريكي) للحاج الواحد.
أسباب ارتفاع الأسعار
يكمن أهم سبب وراء ارتفاع أسعار الحج هذا العام في قرار السلطات السعودية تقليص أعداد الحجاج إلى مليون حاج فقط، مقارنة بمليوني ونصف المليون حاج عام 2019. هذا الأمر دفعها إلى تعويض الأعداد برفع التكاليف، لتغطية مصاريف الخدمات.
وتدخل ضمن مصاريف الحج وجبات الأكل من فطور وغداء وعشاء ورسوم تأشيرة السفر إلى السعودية، والتأمين عن المرض، بالإضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة، التي تؤديها وكالات الأسفار.
السبب الآخر يتعلق بالأزمة الاقتصادية العالمية، وارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع نسب التضخم حول العالم كتبعات لجائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.
ويوضح الكاتب والباحث في شؤون الحج أحمد باجعفير، في تصريحات لـ"عربي بوست"، أنّ الزيادة في ارتفاع الحج هذا العام تتمثل في فرض رسوم على قيمة التأشيرة التي تعادل 300 ريال سعودي (80 دولاراً)، بالإضافة إلى 186 ريالاً (50 دولاراً) بوليصة التأمين على الحاج. أضف إلى هذا فرض ضريبة بنسبة 15% على تكاليف الحج.
وأوضح أن هناك سبباً رئيسياً في زيادة تكاليف الحج لحجاج الخارج تتمثل في انهيار معظم عملات الدول الإسلامية أمام الدولار والريال السعودي. إضافة إلى ذلك فإنّ ارتفاع الأسعار عالمياً، وارتفاع الأجور العاملة بالسعودية انعكس على تكاليف الحج.
وفي سياق متصل، يؤكدّ الإعلامي ومطوف حجاج مصر، أحمد عصام فقيها، أنّ زيادة الأسعار تعود إلى زيادة الخدمات المفروضة في الموسم وانخفاض أعداد حجاج الخارج الذي يقدر عددهم فقط بحوالي 850 ألف حاج، مقابل 150 ألف حاج من الداخل، أي أنّ نصف عدد حجاج الذي كان يصرح له من قبل السلطات السعودية.
وأشار إلى أنّ الحافلة التي كانت تستوعب 50 حاجاً باتت تستوعب في الموسم الحالي من 20-30 شخصاً، وذلك كإجراءات تباعدية. كما أنّ الغرف في الفنادق التي كان يسمح بتواجد 6 حجاج فيها، تمّ تقليص العدد إلى النصف.
هذا بالإضافة إلى المخيمات والمعسكرات في المشاعر المقدسة التي تمّ تقليص عدد المتواجدين فيها إلى النصف، الأمر الذي انعكس على تكاليف الحج، مؤكداً أنّ الجهات الرسمية للحج في السعودية عمدت إلى توزيع تكاليف وخدمات الحج وإنشاء المخيمات على عدد حجاج الخارج والداخل في الموسم الحالي، الأمر الذي رفع فاتورة الحج بنسبة تقدر بـ 25% إلى 30%.
ومن هنا يؤكدّ فقيها في تصريحات لـ"عربي بوست"، أنّ أماكن ومساحات تواجد الحجيج في مكة والمشاعر المقدسة باتت تقسم على مليون حاج عوضاً عن 2.5 مليون حاج في الأعوام السابقة، مشدداً على أنّ الإجراءات الاحترازية في العاصمة المقدسة بعد جائحة كورونا جعلت الفنادق تعمل في موسم الحج الحالي بنصف كفاءتها المتعارف عليها في المواسم السابقة.
وقال إنه تمّ تقسيم حملات الحج في الداخل والخارج إلى أربع فئات وباقات (أ، ب، ج، د)، تتفاوت كلها في طبيعة الخدمات المقدمة للحجاج سواء على مستوى المخيمات في المشاعر المقدسة أو عبر المساكن والفنادق في مكة المكرمة ووجبات التغذية.
حج تقني فاخر مميز
وحول الإجراءات والتغيرات وأهم القرارات التي ستتخذها السعودية في موسم الحج لهذا العام يشير فقيها إلى أنّ موسم الحج الحالي في السعودية سيكون بعنوان: "حج تقني فاخر مميز"، مؤكداً أنّ التكنولوجيا ستسيطر على أجواء الحج، وهذا يأتي امتداداً لرؤية السعودية والتي بدأت هذا العام بمعرض التحوّل نحو الابتكار الذي عرض التقنيات الحديثة لخدمة ضيوف الرحمن قبل عدة أشهر.
وكشف أنّه لن يسمح بدخول مكة والمشاعر المقدسة إلا لمن يحمل تصريحاً ويشمل جميع الفئات من العاملين والحجاج في الموسم الحالي، حيث سيحمل الجميع ما يعرف بـ"بطاقة الحج الذكية"، وسيكون هذا التصريح ضمن نطاق محدود، حيث سيتم تخصيص الأماكن والمناطق التي يسمح فيها لهم بالتحرك من خلالها، وستتضمن البطاقة الذكية (اسم الشخص، العمر، وظيفته، فصيلة دمه، معلومات صحية) عبر "باركود" مخصص يقوم باستحضار جميع المعلومات عن الحجاج والعاملين في أي لحظة.
ويستمر فقيها في شرح الإجراءات والتغيرات الجديدة في موسم الحج الحالي، منوهاً بأنّ شركات التغذية والإعاشة والمطابخ والمطاعم التي ستعمل في موسم الحج الحالي مرت بأصعب المراحل والخطوات سواء من قبل وزارة الصحة ووزارة التجارة وأمانة العاصمة المقدسة، وذلك لأجل اعتمادها في مجال تغذية وإطعام الحجاج.
وأكد أنّ ما تمّ اعتمادها هي الشركات والمؤسسات المتميزة التي يتوافر فيها المعايير الصحية والجودة، والتي ستكون قادرة على الدخول إلى المشاعر المقدسة باعتبارها قد حازت تلك المعايير، وما دون ذلك من الشركات والمؤسسات فلن تسمح السلطات السعودية بدخولها إلى المشاعر المقدسة، حيث تعدّ هذه السمة أحد أبرز معالم التغيرات التي اتخذتها السعودية وذلك لضبط حالة العشوائية وعدم الانتظام في الأطعمة والأغذية التي يتناولها الحجيج ولأجل ضمان الإجراءات الصحية والاحترازية.
إضافة إلى ذلك، فإنّ أحد أبرز التغيرات المهمة في موسم الحج الحالي، هو تحديد وتنظيم مسارات وتقسيم طرق محددة لكل جنسية من جنسيات الحجيج، بحيث لا يتعدى كل فئة من فئات الحجيج على الآخر، فلا يسمح بتداخل مسارات الحجاج كما كان في الأعوام السابقة، وخصوصاً بما يتعلق بالتفويج لجسر الجمرات.
وأشار إلى أنه تم إعداد جداول بمواعيد منظمة تناسب كل جنسية، كما عمدت السلطات السعودية إلى زيادة عدد الأشجار المزروعة في عرفات، وزيادة رشاشات المياه الملطفة للجو، وكل هذا يدخل ضمن إطار تطوير السعودية للمشاعر المقدسة لمنظومة الحج بشكل كامل من خلال الهيئة الملكية لمكة والمشاعر المقدسة وشركة "كدانة".