كشفت صحيفة New York Times الأمريكية الثلاثاء 7 يونيو/حزيران 2022، أن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قد أصدر أمراً بمنع تفتيش طائرة عسكرية روسية تعود لمرتزقة "فاغنر" يُشتبه في تهريبها للذهب.
مسؤول سوداني سابق في هيئة مكافحة الفساد أكد للصحيفة أن جنرالاً عسكرياً سودانياً تدخل في الـ23 من يونيو/حزيران عام 2021 بناءً على أمرٍ من البرهان لمنع تفتيش طائرةٍ تابعة للجيش الروسي، وذلك على هامش تحقيقٍ يُسلط مزيداً من الضوء على عمليات تعدين الذهب في السودان.
كان المسؤولون السودانيون جزءاً من كيان مكافحة الفساد الذي جرى حلّه عقب الانقلاب العسكري قبل عام تقريباً، واشتبهوا وقتها في أن الطائرة كانت واحدةً من عدة طائرات عسكرية روسية متورطة في تهريب الذهب من السودان إلى موسكو مباشرة.
يأتي الكشف بالتزامن مع استمرار ظهور تفاصيل جديدة حول تورط مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، ذات العلاقات الوثيقة بالكرملين، في تعدين الذهب بمختلف أنحاء السودان والدول المجاورة.
حيث تُشير السجلات في السودان إلى أن شبكة المرتزقة الروس حصلت على امتيازات تعدين سودانية مربحة لإنتاج تيارٍ لا يتوقف من الذهب.
فيما أفادت الصحيفة الأمريكية أن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من أن تلك الامتيازات ستدعم مخزون ذهب موسكو المقدر بـ130 مليار دولار، مما سيساعد إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التحايل على آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة بسبب هجومه على أوكرانيا.
تهريب عبر الإمارات
بحسب موقع Middle East Eye البريطاني، يمر الشطر الأعظم من الذهب السوداني عبر الإمارات العربية المتحدة.
إذ كشفت البيانات غير الرسمية من الإمارات عن وصول ذهبٍ سوداني بقيمة 1.7 مليار دولار إلى دبي خلال 2021، مما يمثل رقماً أقل بقليل من نصف القيمة الإجمالية للصادرات السودانية.
وتدير مجموعة فاغنر عملياتها في أفريقيا منذ عام 2017، ثم ازداد انخراطها في السودان بعد لقاءٍ بين بوتين والزعيم السوداني السابق عمر البشير في سوتشي.
حيث كان البشير يعاني من أجل الاحتفاظ بالسلطة بعد أن أمضى نحو ثلاثة عقود على كرسي الرئاسة، وأخبر بوتين أن السودان سيكون "مفتاح روسيا لدخول إفريقيا".
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مركز Dossier Centre ومركز Center for Advanced Defence Studies معلومات تُفيد بأن علماء الجيولوجيا والمعادن الروس من شركة Meroe Gold وصلوا إلى السودان بعد أسابيعٍ من اللقاء، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017.
ثم لحق بهم مسؤولون دفاعيون روس بنية إنشاء قاعدةٍ بحرية لموسكو على ساحل البحر الأحمر السوداني، وهو المسعى الذي لا تزال روسيا تحاول تحقيقه حتى الآن.
تقول وزارة الخزانة الأمريكية إن Meroe Gold تقع تحت سيطرة بريغوزين رئيس مرتزقة فاغنر، رغم أن رجل الأعمال الروسي نفى هذه المزاعم أيضاً وأفاد لـNew York Times بأنه "لا علاقة له" بالشركة.
ونقلت الصحيفة الأمريكية أيضاً عن سجلات الجمارك الروسية أن Meroe Gold استوردت 131 شحنةً إلى السودان خلال الـ18 شهراً التي أعقبت وصول علماء الجيولوجيا الروس.
تضمنت تلك الشحنات معدات تعدين وإنشاء، بالإضافة إلى شاحنات عسكرية، ومركبات برمائية، وطائرتي هليكوبتر للنقل- ظهرت إحداهما بعدها في جمهورية إفريقيا الوسطى، وطائرة كاديلاك طراز 1956.
ووصلت طائرة بريغوزين النفاثة إلى الخرطوم حاملةً على متنها وفداً من المسؤولين العسكريين الروس، قبل أن تعود إلى موسكو مُحمّلةً بمسؤولين دفاعيين سودانيين بارزين، وفقاً لبيانات الطائرة التي حصلت عليها صحيفة Novaya Gazeta الروسية.
المساعدة في ارتكاب مذابح
سافر شقيق محمد حمدان دقلو، زعيم ميليشيات قوات الدعم السريع، مع المسؤولين السودانيين على متن الطائرة المتجهة إلى موسكو.
يعتبر دقلو، المعروف باسم حميدتي، طرفاً رئيسياً في عمليات تعدين الذهب بالسودان. إذ يجري تهريب نحو 70% من إنتاج الذهب السوداني خارج البلاد، ويتربح حميدتي وأسرته من غالبية عمليات التهريب، بحسب الموقع البريطاني.
أصبح دقلو الآن نائباً للبرهان، رغم الاعتقادات بوجود خلافات بين القائدين العسكريين واختلاف مصادر نفوذهما ودخلهما.
فيما قالت مصادر دبلوماسية إن مرتزقة مجموعة فاغنر حاربوا في صف قوات الدعم السريع، وساعدوها على مواصلة قمع الحركة الثورية السودانية المؤيدة للديمقراطية.
وسافر حميدتي إلى موسكو في زيارةٍ لمدة أسبوع في شهر فبراير/شباط، بالتزامن مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث التقى بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين.
وقال كاميرون هادسون، الدبلوماسي ومحلل وكالة الاستخبارات المركزية السابق، للموقع البريطاني آنذاك: "توجد شائعات منتشرة حول سفر حميدتي إلى روسيا ومعه ذهب سوداني بقيمةٍ تجاوز الـ30 مليون دولار، وتوقيعه هناك على صفقات تعدين جديدة تفيد المصالح الروسية".
بينما أفاد مصدرٌ من قوات الدعم السريع للموقع البريطاني بأن مزاعم هادسون لا تتجاوز كونها مجرد "دعاية".
لكن صحيفة New York Times نقلت الآن أن شركة Meroe Gold استوردت 13 طناً من دروع مكافحة الشغب والخوذات والهراوات لصالح شركةٍ تُديرها عائلة حميدتي في الخامس من يونيو/حزيران عام 2019، أي بعد يومين فقط من ارتكاب مذبحةٍ بالخرطوم أسفرت عن مقتل 128 متظاهراً على الأقل بقيادة قوات الدعم السريع.
كما نقل موقع Middle East Eye مؤخراً عن شهودٍ عيانٍ في جمهورية إفريقيا الوسطى قولهم إن المقاتلين الروس التابعين لمجموعة فاغنر ارتكبوا مذبحةً في مارس/آذار، وقتلوا خلالها العمال الحرفيين في مناجم الذهب من السودان والدول المجاورة.