تشهد أروقة حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية تعاظماً غير مسبوق، لسقف الخلافات، تتزايد صراعات فتح الداخلية على ضوء الحالة الميدانية والسياسية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، وأيضاً على مستوى العلاقات الداخلية.
تتحدث وسائل الإعلام بشكل مُكثف على ملف الحكومة الفلسطينية في رام الله، وقُرب رحيل رئيس الوزراء محمد شتية، بسبب خلافات "كبيرة" مع حركة "فتح" والسلطة، حول مهام الحكومة وإنجازاتها، في المقابل يسعى حسين الشيخ- وفق مصادر "عربي بوست"- للإمساك بزمام السلطة التي من المتوقع أن يخلف رئاستها بعد محمود عباس ويساهم في تجهيز خلف شتية؛ إذ إن العمل يجري داخل حركة "فتح" وصناع القرار فيها حول الشخصية البديلة له.
صراعات فتح الداخلية تتفاقم
ولعلّ حالة البلبلة التي أثارتها أخبارٌ مصادرها غامضة حول نية رئيس الوزراء محمد شتية الإستقالة من منصبه وتشكيل حكومة جديدة ثم نفي النبأ، تُدلل على تصاعد حالة الإرباك والصراع المحتدم في أروقة السلطة وفتح.
كشف مصدر فتحاوي لـ"عربي بوست" أن بث هذه الأنباء تقف وراءه أقطاب في "فتح"، من منطلق الضغط باتجاه تغيير حكومة شتية، توطئة للتهيئة للمرحلة المقبلة.
وأكد المصدر أن إثارة مسألة استقالة شتية متصل بالغضب المتعالي في صفوف أقطاب فتحاوية من تعيين الشيخ أميناً لسر منظمة التحرير.
كما أشار المصدر إلى ضغط من بعض أقطاب "فتح" يُمارس على قيادة السلطة لاتخاذ قرار ما من شأنه أن يقلل الفجوة مع الشارع، ألا وهو اتخاذ موقف بتنفيذ قرار "المجلس المركزي" بقطع العلاقة مع إسرائيل وتجميد الاعتراف بها.
لكنّ التخبط الذي تعيشه قيادة السلطة بموازاة ضغط خارجي من الإدارة الأمريكية وأطراف عربية يدفع باتجاه تأجيل اتخاذ القرار، وفق المصدر.
ويبدو أن مجيء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى رام الله الثلاثاء، متصل بشق التطورات الميدانية في الضفة والقدس، وأيضاً في سياق الجهد العربي لترتيب مرحلة ما بعد عباس، على ضوء ما تعيشه السلطة من خلافات وصراعات "مُقلقة".
"المستويات الأمنية الإسرائيلية: مرحلة عباس في نهايتها"
بدوره، أكد مصدر سياسي مقيم في أراضي-84 لـ"عربي بوست" أن الدوائر الأمنية الإسرائيلية تعتقد بـ"بأننا، الآن، في النهايات لمرحلة عباس، لكن الإعلان عن انتهائها إما هذا العام أو العام الذي يليه".. والسؤال هو "من يخلفه؟، في ظل صراع بين القطب الفتحاوي جبريل الرجوب من ناحية وحسين الشيخ وماجد فرج من ناحية ثانية، ناهيك عن محور توفيق الطيراوي، وكذلك محمد دحلان. وهناك حديث عن تحالفات مستقبلية بين تيار الأسير الفتحاوي مروان البرغوثي وحركة "حماس".
وأشار المصدر إلى أن تل أبيب تدرك أن خلافات "فتح" الداخلية هي أحد أسباب ضعف السلطة في الشارع الفلسطيني، بدليل نتيجة انتخابات جامعة بيرزيت، وسط تقديرات إسرائيلية بأن بعض المناطق الفلسطينية ستشهد فترة زمنية من العنف، على وقع الصراع الفتحاوي الداخلي، في أعقاب ذهاب عباس عن منصب الرئاسة، لأي سبب كان، قبل أن تستقر السلطة تحت مظلة قيادة جديدة تخلف عباس.
ووفق المصدر، فإنه علم من جهات ذي صلة بحسين الشيخ، أن الأخير يطرح نفسه خلال لقاءاته مع الإسرائيليين، بأنه الرئيس القادم للسلطة. لكن المستويات الإسرائيلية تقدر أنه بالرغم من أن الشيخ هو الأوفر حظاً لخلافة عباس، إلا أنه ليس أقوى المتنافسين من حيث القاعدة الجماهيرية.
فالشيخ يحظى فقط بدعم إسرائيل وجهات دولية، لكنه يفتقر الى الدعم الإقليمي أو الشعبي المطلوب، وهو ما يعني أن مسألة خلافته لعباس لن تكون سهلة.
وذهبت تقديراتٌ إسرائيلية إلى توقع ما يشبه الانتفاضة الفلسطينية الشاملة، والتي من شأنها أن تساعد في التهيئة للمرحلة الجديدة.
"مرحلة عباس انتهت.. لكنها قيادة تصريف أعمال مؤقتة"
يقول الباحث الإستراتيجي د.عنان وهبة إن مرحلة عباس انتهت، عملياً، كحقبة تاريخية منذ عدة سنوات، وهي الآن مجرد "قيادة تصريف أعمال"، ريثما تصعد قيادة جديدة لخلافة عباس.
وبين وهبة أن الدليل على انتهاء قيادة عباس هو تأثيرها "الضئيل جداً" على مجريات الأمور في الشارع والمستقبل.
أكد وهبة لـ"عربي بوست" أن الشارع الفلسطيني برمته، كما بقية القيادات، خاصة الفتحاوية منها، في حالة ترقب وانتظار لمن يخلف عباس، مشيراً إلى أن الصراع بين جهات عديدة، وأن الأسماء مفتوحة لتأتي بعد عباس. فالصراع داخل فتح أولاً، ثم صراع بين فتح وحماس على تصدر المشهد السياسي الذي يعقب مرحلة عباس، حسب وهبة.
وبالنسبة لإمكانيات تولي حسين الشيخ سدة الرئاسة خلفاً لعباس، قال عنان وهبة إن الدوائر الأمنية الإسرائيلية تنظر إلى الشيخ "كشخص براغماتي ينسق يومياً مع إسرائيل".
وأوضح وهبة أن الشيخ يحظى بدعم إسرائيلي ومن دول عربية ليكون ضمن مجموعة من القيادات التي تمسك زمام السلطة بعد عباس. وهذا يعني، أن تعيين حسين الشيخ أميناً لسر منظمة التحرير، بمثابة خطوة لازمة للتهيئة لمرحلة الحكم القادمة. كما أن منح صلاحيات "التشريعي" (البرلمان) للمجلس المركزي، كي يمارس الأخير دور البرلمان الذي سيشرّع كثيراً من التعيينات المقبلة لصياغة القيادة الجديدة.
الوضع في فتح والشارع الفلسطيني لا يُبشر خيراً
من جهته، قال عضو المجلس الوطني الفلسطيني تيسير الزبري لـ"عربي بوست" إن المتابع لردود أعضاء باللجنة التنفيذية من تعيين الشيخ الأخير، يتضح أن الأمر كان من أوله إلى آخره دون علم اللجنة التنفيذية، وأنه كان مقترحاً من عباس ثم كرّسه بقرار فردي.
وأوضح الزبري أنه يجري الآن خلط للأوراق وقلب الأمور تهيئة لمرحلة جديدة، لكنه شكك بأن تسير الأمور كما يُخطط لها بالنسبة لهوية القيادة الجديدة بعد عباس، وذلك على تعقيدات الوضع الفلسطيني عموماً والفتحاوي خصوصاً، فالأمور لا تبشر خيراً، إذا ما استمرت قيادة السلطة بطريقتها في العمل، حسب الزبري.
تعاظم الصراع لسببين؟
وازدادت حدة الصراعات في الأشهر الأخيرة، لسببين، كما يؤكد مصدر من حركة "فتح" لموقع "عربي بوست": الأول، أن السلطة فقدت جميع عناصر القوة، خاصة العنصر الجماهيري، الذي من دونه لا يمكن لأي فصيل أو سلطة أن يعمل بقوة. وقد ازداد غضب أوساط فتحاوية حيال ذلك، في أعقاب الخسارة المدوية لشبيبة فتح في جامعة بيرزيت، وقبلها في جامعة بيت لحم، نتيجة سياسات وممارسات القيادة.
وأكدت مصادر فتحاوية، بشكل متطابق، لـ"عربي بوست" أن هذه الخلافات الممزوجة بالغضب، قد ارتفع مستوى حدتها في الأشهر الأربعة الأخيرة، على وجه التحديد، من منطلق أن السلطة فقدت قيمتها، وباتت مجرد جهاز إداري يقدم خدمات ورواتب لموظفيها لا أكثر، في ظل عجزها وتعاظم الفجوة بينها وبين الشارع، بموازاة تغول الاستيطان الإسرائيلي وفرض الأمر الواقع في القدس.
وأما السبب الثاني لاحتدام الصراع، فهو الشعور بأن مرحلة محمود عباس قد شارفت على الانتهاء، إن لم تكن انتهت فعلاً، لكنها تنتظر توقيت الإعلان عن ذلك، وهو ما تؤكده أيضاً الأوساط الأمنية الإسرائيلية، على ضوء تعيين حسين الشيخ أميناً لسر منظمة التحرير.