منذ ساعات الصباح الأولى نفّذت حكومة الاحتلال تهديداتها، بتنفيذ اقتحامات المسجد الأقصى، فيما يُعرف اصطلاحاً بيوم "توحيد القدس"، الذي يصادف 29 من مايو/أيار من كل عام.
وقد شهد هذا اليوم أحداثاً تُنذر بنوايا إسرائيلية مبيّتة، كانت قد أعلنت عنها صراحة حكومة نفتالي بينيت، بألّا سيادة على القدس سوى لليهود.
وتجاهلت حكومة الاحتلال كل تهديدات وتحذيرات الفصائل الفلسطينية، من أن تكون هذه الاقتحامات بمثابة شرارة تُنذر بتفجُّر الأوضاع الميدانية، وتكرار سيناريو معركة سيف القدس، في مايو/أيار 2021.
ويرصد التقرير التالي أبرز ما يُميز الاقتحامات التي نفَّذها المستوطنون خلال الفترة الصباحية، التي انتهت، وفقاً لما حدَّدته جماعات ما يُعرف بـ"أمناء الهيكل"، التي تُشرف على هذه الاقتحامات.
أعداد كبيرة من المقتحمين
سجَّلت الفترة الصباحية لاقتحامات المسجد الأقصى، التي بدأت منذ الساعة 7 صباحاً وحتى الساعة الـ11 بالتوقيت المحلي لمدينة القدس، رقماً قياسياً، بوصول أعداد المقتحمين لأكثر من 1044 مقتحماً.
وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية، إن هذا الرقم يعتبر الأضخم منذ احتلال القدس في العام 1967، خلال الفترة الصباحية فقط، وسط توقعات بأن تتضاعف أعداد المقتحمين خلال الفترة المسائية.
ومع انتهاء الجدول الزمني للاقتحامات في الفترة الصباحية، أبقت شرطة الاحتلال مئات المستوطنين في ساحات المسجد الأقصى، لأداء الصلوات التلمودية، تزامناً مع استمرار إغلاق المسجد القبلي، الذي يتحصن به عشرات المرابطين، والذي فرضت عليه شرطة الاحتلال إغلاقاً بالسلاسل والأقفال.
وعادة ما يقتحم المستوطنون المسجد الأقصى، ضمن جماعات تحددها الشرطة الإسرائيلية، وتتراوح أعدادها ما بين 25-30 مقتحماً، يبقون داخل ساحات المسجد لمدة تتراوح ما بين 15-20 دقيقة.
جماعات متطرفة جديدة انضمت للاقتحام
يشير الصحفي المقدسي من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، أحمد جلاجل، إلى أن ما يمكن رصده في هذه الاقتحامات لهذا اليوم، هو "انضمام جماعات يمينية جديدة للمشاركة في هذه الاقتحامات".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه "بالإضافة إلى اتحاد ما يُعرف بجماعات أمناء الهيكل، انضمت جماعة حركة كاهانا المتطرفة، ونساء الهيكل، ولاهافا، وشارة الثمن، وفتية التلال، وسدنة الهيكل".
وقال المتحدث إنه "تم تأمين المسجد الأقصى بأكثر من 3 آلاف شرطي، قاموا بنصب الحواجز على مداخل البلدة القديمة، قبل ساعات من تنفيذ الاقتحام، بالإضافة إلى إغلاق أبواب المسجد الأقصى، وفرض قيود على دخول المرابطين من الضفة الغربية والداخل المحتل، وهو ما يفسر قلة أعداد المرابطين الذين تحصنوا في المسجد القبلي، بعد أن احتجزتهم شرطة الاحتلال لمنع الاحتكاك بالمستوطنين".
وشارك النائب المتطرف من حزب الصهيونية الدينية، إيتمار بن غفير، في اقتحام المسجد الأقصى، ليؤكد وفق تصريحات أدلى بها على السيادة الإسرائيلية في القدس، وأنه لا يخشى التهديدات من قِبل الفصائل الفلسطينية.
صلوات علنية
لعل ما يثير الانتباه في هذا اليوم من الاقتحامات هو قيام العشرات من المستوطنين بتأدية الصلوات داخل ساحات المسجد الأقصى بشكل علني، وترديد هتافات وأغانٍ وطنية كنشيد "هتكفا"، التي تنادي بأحقية اليهود في المسجد الأقصى، والدعاء جهراً ببناء الهيكل.
أخطر من ذلك هو السجود الملحمي، أو ما يُعرف اصطلاحاً بصلاة "شيماع يسرائيل"، التي نفذها المستوطنون داخل ساحات المسجد الأقصى، وفيه ينبطح اليهودي المتدين على وجهه، ويعتبر أعظم درجات الخشوع في الطقوس التوراتية.
يأتي ذلك في وقت أصدرت فيه محكمة الصلح في القدس قراراً في 22 من مايو/أيار 2022، بالسماح للمستوطنين بأداء الصلوات بصوت عالٍ، والانحناء داخل المسجد الأقصى، واعتبار صلاة "شيماع يسرائيل" أمراً لا يمكن تجريمه أو اعتباره مخلاً بالسلم المدني.
وتشير الصحفية المقدسية، هنادي القواسمي، إلى أن "نية المستوطنين كانت قبل الدخول إلى المسجد الأقصى هي تنفيذ ما فشلوا فيه في اقتحام رمضان الماضي، حين دخل المستوطنون وهم يحملون التوراة، ويرفعون العلم الإسرائيلي، ويلبسون ثوب الطهارة وفق معتقداتهم".
وأضافت المتحدثة "مشهد الصلوات كانت استفزازياً بدرجة كبيرة، فمنذ دخول المقتحمين من باب المغاربة قام المستوطنون بالسجود الملحمي، وصولاً إلى باب الرحمة، وهو ما يعني قيامهم بطواف كامل داخل الحرم المقدسي، أمام أعين الشرطة التي لم تُحرك ساكناً، بل سهّلت عليهم ذلك".