يعيش أهالي سكان مخيم جنين، في الضفة الغربية، البالغ عددهم 16 ألفاً، حالة من الترقب والانتظار لعملية عسكرية إسرائيلية قد تكون على غرار ما شهده المخيم عام 2002؛ حيث قتل العشرات، وهُدمت أحياء بكاملها، وفق ما ذكرته وكالة رويترز، الأربعاء 25 مايو/أيار 2022.
مخيم جنين والمدينة والعديد من القرى، تشهد منذ أشهر اشتباكات شبه يوميه، سقط فيها العديد من الشهداء الفلسطينيين، وقُتل فيها جندي إسرائيلي، إضافة إلى اغتيال صحفية قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، في جريمة أثارت الغضب حول العالم.
وحدة رصد إسرائيلية تراقب مخيم جنين
قال سليمان الشامي، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، بينما كان يقف في أحد أزقة المخيم: "في وحدة اسمها وحدة الرصد في مخيم جنين، متابعة كل المخيم من قريب ومن بعيد".
أضاف الشامي، الذي كان عمره 12 عاماً عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية المخيم عام 2002، مستخدمة الدبابات والطائرات والقصف المدفعي لمواجهة مئات المسلحين بالرشاشات والبنادق: "الاستعدادات مستمرة لمواجهة أي اقتحام".
بينما تقول إسرائيل إن عدداً من المهاجمين المسؤولين عن مقتل إسرائيليين، سواء بإطلاق النار أم استخدام السكاكين والبلطات خلال الأشهر الماضية، خرجوا من منطقة جنين.
إذ شكلت بعض الفصائل مجموعة مسلحة مشتركة تحت اسم (كتيبة جنين)، تتولى الاشتباك مع القوات الإسرائيلية التي تشن حملات مداهمة على مخيم جنين والمدينة والقرى المحيطة بها.
فيما أدى مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، بالرصاص، إلى تسليط الأضواء على مخيم جنين وما يشهده من اشتباكات بين الشبان والقوات الإسرائيلية.
انتشار المسلحين في "عش الدبابير"
عند مدخل المخيم وضع فلسطينيون لافتة كُتب عليها (عش الدبابير)، في إشارة إلى المجموعات المسلحة فيه، رغم ما يبدو من سير الحياة بهدوء، وخلوها من المظاهر المسلحة. لكن الصورة تختلف مع حلول الليل؛ حيث ينتشر المسلحون في أزقة المخيم وأطرافه.
حيث أطلقت إسرائيل عملية عسكرية سمّتها (كاسر الأمواج)، في الضفة الغربية، وقالت إن الهدف منها منع وقوع عمليات فلسطينية مسلحة ضد مواطنيها، واعتقال من يخططون لتنفيذ مثل هذه العمليات.
أدت هذه العملية إلى استشهاد عدد من الفلسطينيين، واعتقال العشرات منذ بدأت في أبريل/نيسان الماضي. وقررت إسرائيل، منذ إطلاق العملية، تعزيز قواتها في الضفة الغربية بوحدات قتالية إضافية.
تشكل منطقة جنين بمخيمها، والمدينة وقراها، أحد الأهداف الرئيسة لعملية (كاسر الأمواج)، حسب وكالة رويترز.
الجيل الجديد "أعنف من الجيل السابق"
قال عطا أبو أرميلة، القيادي في حركة فتح في مدينة جنين: "رغم المجزرة، ورغم قتل المدنيين وهدم المخيم؛ إلا أن الاحتلال أُذل في داخل المخيم".
أضاف لرويترز: "اليوم هذا الجيل الجديد أعنف من الجيل السابق. هذا الجيل ما عاش الحياة، عاش شاف القتل، اللي انقتل أبوه أو حد من عيلته، دبابات دمروا البيوت على أصحابها".
بينما تخشى إسرائيل أن يتحول مخيم جنين إلى بؤرة للمقاومة الفلسطينية تنطلق منها عمليات ضدها، وتعمل على منع ذلك.
قال أحد المسلحين في المخيم، وهو في الأربعينيات من العمر: "قوات الاحتلال تحاول العمل هذه الأيام في محيط المخيم؛ بهدف جر المسلحين إلى خارجه بعد أن تُدخل القناصين والقوات الخاصة للمنطقة… لكننا منتبهون إلى ذلك، وستكون معركة قاسية ستوقع خسائر منا ومنهم إذا قرروا الدخول إلى المخيم".
كما يرى سكان مخيم جنين أن عمليات الاقتحام اليومية لا تختلف كثيراً عن الاجتياح؛ إذ قال محمد كمنجي (38 عاماً): "هذا التخوف مستمر لدى المواطنين، والترقب مستمر لدى المواطنين، لكن فعلياً الاقتحام بشكل يومي لجنين ومخيمها وضواحيها هو اجتياح مستمر".
أضاف، بينما كان يقف في منزل زوج شقيقته الواقع على أطراف المخيم، بعدما داهمته القوات الإسرائيلية الثلاثاء، واعتقلت صهره، وصادرت قطعتي سلاح: "رغم اختلاف الظروف اليوم عن 2002 إلا أن القتل واحد، ولكن في ذلك الوقت كان ترقب ثم حدث الاجتياح الشامل، اليوم تجري عمليات محددة في منطقة محددة".
ذكريات معركة نيسان 2002
ينحدر سكان مخيم جنين، الذي تأسس في عام 1953، من منطقة الكرمل في حيفا، الذين رحلوا أو أُجبروا على الرحيل عن منازلهم في عام 1948.
بعد مرور 20 عاماً على اجتياح المخيم؛ كبر فيه جيل يحمل الكثيرون منه أسماء أقارب قُتلوا خلال الاجتياح. وفي المخيم يمكن رؤية العديد ممن هم في عمر 20 عاماً أو أقل يحملون الرشاشات ويسيرون بها في أزقته.
قال شاب، عرّف نفسه باسم أبي هاني: "من يوم معركة نيسان في مخيم جنين 2002 الشباب اللي انسجنوا وطلعوا بعد 20 سنة لقى ابنه 20 سنة وبيقاوم، واللي ما بيقاوم بالسلاح بيقاوم في الحجر".
استمر القتال داخل المخيم 10 أيام في عام 2002، وأدى، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، إلى مقتل ما لا يقل عن 52 فلسطينياً، نصفهم تقريباً من المدنيين، كما قتل 23 جندياً إسرائيلياً.
فيما تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أنه، خلال هذا الاجتياح، "تم تدمير ما يقارب 150 بناية، فيما أصبحت العديد من المباني الأخرى غير صالحة، الأمر الذي خلف وراءه حوالي 435 عائلة بلا مأوى".
بينما تم العمل على إعادة بناء المنازل التي دمرت في جنين بدعم من عدد من الدول العربية، وعادت الحياة إلى المخيم بشكل شبه طبيعي على مدى السنوات الماضية، قبل أن تتجدد المواجهات مع القوات الإسرائيلية منذ بداية العام.