من المنتظر أن يعلن الرئيس الجزائري، في الأشهر المقبلة، بشكل رسمي، عن "مبادرة لمّ الشمل"؛ يعفو من خلالها على جميع معتقلي الحراك، ويصفح عن المعارضين خارج البلاد.
المبادرة أُعلن عنها بشكل غير مباشر في برقية لوكالة الأنباء الجزائرية، تتحدث بلسان الرئيس عبد المجيد تبون، وحركت المياه الراكدة لدى الطبقة السياسية في البلاد؛ حيث بدأ التفاعل معها رغم ضبابيتها وعدم وضوحها وضوحاً كاملاً.
ويتساءل العديد من المتتبعين للشأن الجزائري عن أسباب مبادرة لم الشمل وتوقيت مد تبون يده من أجل المصالحة ولم الشمل في الجزائر.
مبادرة تبون.. لماذا الآن؟
يُخطط الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لغلق ملف الحراك الشعبي نهائياً، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والتصالح مع معارضة الخارج، قبل الاحتفالات بالذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر يوم 5 يوليو/تموز القادم.
المحلل السياسي توفيق بوقعدة قال: إن السبب الرئيس هو محاولة خلق ديناميكية سياسية في البلاد للتغطية على الفشل الاقتصادي والوضع الاجتماعي الصعب الذي تعيشه البلاد؛ بسبب تداعيات الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف المتحدث في حديث مع "عربي بوست": إنه يمكن استشفاف عدة معطيات من مبادرة "لم الشمل"، من المنتظر أن يعلن عنها الرئيس، أولها أن طرح المبادرة هو اعتراف بوجود أزمة، وهذا تطور جديد؛ إذ لم تكن تعترف السلطة بوجود أزمة أو انقسام أصلاً.
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن طرح مبادرة يعني أن السلطة في الجزائر أدركت أن المسار الذي اُختير بعد حراك 22 فبراير/شباط لم يكن مرضياً لشريحة واسعة من الشعب الجزائري.
أما المعطى الثاني فيتعلق بعدم وضوح معالم المبادرة؛ إذ هي بحاجة إلى توضيح، فلا أحد يعلم إن كانت مبادرة من أجل التصالح مع النظام فقط، أم مبادرة لإعادة إنتاج مسارات انتخابية جديدة، وفق ما كانت تطالب به المعارضة والحراك.
المحللة السياسية بسمة لبوخ التي تحدثت لـ"عربي بوست" قالت: إن هذه المبادرة، من حيث توقيتها، تأتي بعد أربع استحقاقات نجحت السلطة في تمريرها ولو بالحد الأدنى من المشاركة الشعبية، نظراً لنسبة المقاطعة العالية التي ميزت الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية والمحلية والدستورية، وفق أرقام رسمية.
وتضيف لبوخ أن اعتراف السلطة بالأرقام المتدنية في الاستحقاقات الانتخابية يدل على أنها باتت أكثر واقعية، وتدرك أن الفئة التي لم تنخرط في مسار الجزائر، كما وصفها مقال وكالة الأنباء الجزائرية، لم تكن راضية عن مسار التغيير وخارطة الطريق التي تبنتها السلطة بعد حراك 22 فبراير/شباط، عقب تنحية الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وسجن العديد من المسؤولين ورجال الأعمال، آن الأوان لإخراجها من "دائرة التهميش" والبحث عن مقاربة تجمع الشمل.
وتعتقد المحللة أن ربط المبادرة باحتفال ستينية الاستقلال له دلالات قوية في اختيار ذكرى الاستقلال الجامعة لكل الجزائريين، في محاولة النظام فتح صفحة جديد مع من لا يؤمن بالجزائر الجديدة بعد الحراك.
وتتوقع المتحدثة أنه إذا أطلق سراح معتقلي الرأي مع دنو ذكرى الاستقلال وبلورة المبادرة بشكل أكثر وضوحاً، وتوسعتها لتشمل الجميع في حوار سياسي حقيقي مع مختلف الأطياف والمكونات الاجتماعية؛ فستكون نقطة فارقة تذيب الجليد وتدفع باتجاه الانفراج.
ووافق الناشط السياسي سمير بن العربي لبوخ في مسألة التوفيق في اختيار الاحتفال بستينية الاستقلال لطرح مبادرة لم الشمل؛ إذ يرى أن إطلاق سراح معتقلي الرأي والانفتاح على معارضي الداخل والخارج في هذه المناسبة المهمة يمكن البناء عليه للمرحلة القادمة.
أسباب مبادرة لم الشمل
تطالب القوى السياسية في الجزائر، منذ اعتلاء تبون السلطة نهاية 2019، بالذهاب إلى إصلاحات عميقة والقطيعة مع النظام السابق، ونادراً ما كانت السلطة الجديدة تنصت إلى تلك المطالب، ومضت في خارطة طريقها التي أفرزت دستوراً جديداً ومجالس منتخبة.
ويعد ما أصبح يطلق عليه في الجزائر مبادرة "اليد الممدودة" خطوة مفاجئة للقوى السياسية في الداخل والخارج، يرى الكثيرون أنها لا يجب أن تضيع.
وعلق سمير بن العربي في تصريح لـ"عربي بوست" عن المبادرة قائلاً: "ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها أن يد الرئيس ممدودة لكل الجزائريين، وتبعتها بعض إجراءات التهدئة بإطلاق سراح معتقلي الحراك".
وقال المتحدث: "في كل مرة كنا نرحب بهذه الإجراءات، وانتظرنا خطوات أخرى أكثر فعالية تسمح لكل الجزائريين بالمشاركة والمساهمة في خدمة وطنهم، هذه المبادرة الأخيرة التي تأتي قبل الذكرى الستين للاستقلال ننتظر أن تكون أكثر وضوحاً وواقعية".
وأضاف: "مشروع المصالحة الوطنية مطلب لكل القوى السياسية في الجزائر، ولا يمكن تجاوزها أو إغفالها، بعد أكثر من سنتين ونصف على انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول التي فاز بها تبون، يجد النظام نفسه عاجزاً عن الانطلاق في مشروع الجزائر الجديدة التي حملها مشروع الرئيس بسبب الأزمات المتراكمة التي ورثها عن عقدين من حكم الرئيس السابق. ننتظر وضوحاً أكثر لمشروع الرئيس حول المصالحة الوطنية وآليات تطبيقها؛ لنتمكن من تقييمها والتفاعل معها".
الكل معني بالصلح
رغم أن برقية وكالة الأنباء الجزائرية لم تكن واضحة بخصوص المعنيين بالمبادرة بالضبط، إلا أن تصريحات المسؤولين الجزائريين توحي بأن الجميع معني عدا الذين "تعدوا الخطوط الحمراء، وأداروا ظهورهم لوطنهم". وفق ما نقلته الوكالة الرسمية.
وحسب نائب رئيس البرلمان، منذر بودن، فإن أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وحركة تقرير مصير منطقة القبائل، يريدون أن تشملهم المبادرة، وقد عبروا عن انخراطهم في المسعى الجديد.
وتعتقد بسمة لبوخ، أنه جرى التواصل ببعض المعارضين بالخارج من أجل "لم الشمل"، لكن لا يمكن الجزم حالياً بالبعد الذي يمكن أن تأخذه المبادرة، وإن كانت ستأخذ شكل مصالحة وطنية تشمل تسويات حتى مع رجال الأعمال المسجونين والفارين إلى الخارج.
وربطت المتحدثة مبادرة عبد المجيد تبون بمبادرة عبد الفتاح السيسي وعلاقتهما بالمتغيرات الدولية التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية، التي، حسبها، ستكون مؤثرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الكثير من البلدان العربية، ومنها الجزائر ومصر.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”