وسط الجدل الحاد الذي تشهده الساحة السياسية الإسرائيلية حول المسؤول عن تدهور الأوضاع الأمنية في الداخل الإسرائيلي، تصاعدت بعض الأصوات الإسرائيلية التي تبرر قيام الفلسطينيين بهذه العمليات كرد فعل على "استفزازات المتطرفين والجيش الإسرائيلي عبر اقتحامهم المسجد الأقصى".
وشهدت الساحة السياسية الإسرائيلية نقاشات حادة بين مكونات الائتلاف الحكومي والمعارضة، بشأن المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية التي تشهدها مدن الداخل الإسرائيلي، في ضوء ارتفاع أعداد القتلى الإسرائيليين (19 قتيلاً خلال الأيام الـ50 الأخيرة)، منذ بدء العمليات الفردية التي هزت العمق الإسرائيلي، والتي كان آخرها عملية "إلعاد" يوم الخميس 5 من مايو/أيار 2022.
وترى بعض الأقطاب السياسية الإسرائيلية أن دافع الفلسطينيين للإقدام على هذه العمليات الفردية، يأتي من كونه رد فعل على الاستفزازات التي يقودها اليمين الديني والمتطرف في الدولة، وتحديداً في المسجد الأقصى.
إذ قال عضو الكنيست السابق عن حزب ميرتس اليساري، رومان بروفمان في تغريدة على صفحته بتويتر: إن "الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، وتنفيذ مسيرة الإعلام في البلدة القديمة في القدس، واستفزازات بن جفير وأمثاله في حي الشيخ جراح، وقرار محكمة العدل العليا بإخلاء مئات العائلات الفلسطينية من جنوب جبل الخليل، لم تبقِ أمام الفلسطينيين سوى خيار الكفاح المسلح".
فيما رأى الكاتب الإسرائيلي ألون بن ديفيد في مقاله بصحيفة معاريف، أن "الكثير من الإسرائيليين لم يفهموا بعد رمزية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، وأنه لا يمكن القفز عن أي انتهاك قد يصيب الحرم المقدسي، ليس فقط على مستوى الفلسطينيين فحسب، بل على كل الأقطار الإسلامية من نواكشوط في موريتانيا، إلى جاكرتا في إندونيسيا".
صعود المتطرفين وغياب المعتدلين
تعبر هذه الأصوات عن قطاع عريض في المجتمع الإسرائيلي؛ إذ تدرك إسرائيل أن غياب الأفق السياسي مع الفلسطينيين وغياب أي رؤية أو حل سياسي للصراع، بموازاة تصاعد قوة اليمين في إسرائيل باعتباره مؤثراً ومساهماً في صنع القرارات وسياسات الدولة، صنع حالة ثورية أمام الفلسطينيين للانتقام من السياسات الإسرائيلية، على أمل أن يغير ذلك من حالة الوضع الراهن، وفق ما أشار إليه الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في مقاله بصحيفة هآرتس.
وأضاف أن "وجود حكومة من اليمين لا تستطيع مواجهة جماعات دينية أو متطرفة، تسبب في خلق أزمة مع الفلسطينيين المعتدلين، الذين كانوا حتى وقت قريب يؤمنون بخيار المفاوضات والسلام، ولكن الآن لا يمكن أن يتحقق هذا السلام في ظل هيمنة اليمين على مفاصل الدولة في إسرائيل".
وقد كشفت عملية إلعاد الأخيرة عن حالة غير مسبوقة من الانقسامات الداخلية الإسرائيلية في تحميل المتطرفين اليهود مسؤولية تدهور الأمن داخل المدن الإسرائيلية؛ إذ أظهرت مقاطع فيديو نشوب شجار بين حاخام يهودي مع أحد المستوطنين يدعى وابسي جوفشتاين، قال له الحاخام: إن "اقتحام المسجد الأقصى محرم على اليهود، أنتم من يقف خلف هذه العملية، وكل المجرمين من أمثال إيتمار بن جفير؛ لأن اقتحام جبل الهيكل (المسجد الأقصى) تسبب في وقوع هجوم أدى لمقتل 3 من سكان إلعاد".
انقسام الحكومة قلص خياراتها
إسرائيلياً ينظر إلى العمليات الأخيرة كتعبير عن حالة انقسام تعيشها الدولة؛ فرأس الحكومة يمثلها تيار ديني متطرف برئاسة نفتالي بينيت، في حين أن مركبات الحكومة هي خليط من أحزاب قومية ويسارية وعلمانية وعربية، وهذا الوضع تسبب في عجز الحكومة عن اتخاذ قرارات حاسمة من شأنها احتواء الوضع الراهن.
فالحكومة ترى أن الصدام مع المتطرفين سيضعف من موقفها أمام الشارع، وقد يؤدي إلى سقوطها، أما المواجهة مع الفلسطينيين بشكل مباشر، عبر عملية عسكرية في جنين أو غزة، قد يكون ذا ثمن سياسي وعسكري لا تستطيع حكومة بينيت تحمله.
وأظهرت الأحداث الأخيرة، وتحديداً اقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى، مدى عجز الحكومة عن احتواء قوة ونفوذ الجماعات الدينية، التي سعت إلى إشعال حرب دينية من خلال ذبح القرابين داخل المسجد الأقصى، ولكنها تراجعت بعد أن هددت الفصائل بالدخول في مواجهة عسكرية في حال نفذ المتطرفون تهديداتهم.
رغم أن حكومة الاحتلال سعت قبل قدوم شهر رمضان إلى طمأنة الدول الإقليمية وتحديداً الأردن، والأطراف ذات العلاقة بأنها لن تسمح بتغيير الوضع القائم في القدس أو التعدي على المرابطين والمعتكفين في الأقصى، إلا أن الحكومة ضربت بعرض الحائط كل الوعود التي قدمتها للوسطاء؛ خشية من الصدام مع هذه الجماعات المتطرفة، وفقدان ثقة جمهورها الذي يمثل غالبية كبيرة في التركيبة الاجتماعية لسكان إسرائيل.
مؤمن مقداد، محرر الشؤون الإسرائيلية في شبكة الهدهد الإخبارية قال لـ"عربي بوست": إن "الأصوات الإسرائيلية التي تحمّل المتطرفين اليهود مسؤولية تدهور الأمن في مدن الداخل، بدأت تأخذ مساحة واسعة في النقاشات داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، وذلك بعد العجز عن إيجاد تفسير أمني أو استخباري وراء دوافع عودة هذا النمط من العمليات".
وأضاف: "في إسرائيل يدركون أن مواجهة اليمين يعني سقوط الحكومة، والدخول في أزمات وحرب أهلية، لذلك يحاول السياسيون الإسرائيليون ألا يتطرقوا في نقاشاتهم أو تصريحاتهم للإعلام عن الاستفزازات التي يقوم بها المتطرفون، ويفضلون توجيه الاتهامات للفلسطينيين بأنهم هم من يبادرون بالعنف".