اندلعت معركة دونباس الجديدة في أوكرانيا قبل عشرة أيام عندما بدأت روسيا هجومها على طول جبهة كثيفة الدفاع تمتد لمسافة 300 ميل (482 كيلومتراً) مع وابل مكثف من ضربات المدفعية والصواريخ، بعدما نقلت إليها غالبية القوات التي التزمت بها للهجوم من الشرق والبالغ عددها 190 ألف جندي، كما تتحدث المصادر الغربية.
دونباس.. معركة طويلة الأمد لا يريد بوتين الخروج منها إلا منتصراً
يتوقع الضباط الغربيون والأوكرانيون أن تستمر المعركة الطاحنة في إقليم دونباس شهوراً بدلاً من أسابيع، وهي تضع الآن شكل مستقبل الصراع؛ إذ يهدف الكرملين إلى الاستيلاء على منطقتين إداريتين إقليميتين بالكامل، إقليم دونيتسك ولوغانسك، اللتين تشكلان معاً منطقة دونباس، التي يسيطر الانفصاليون الموالون لروسيا على جزء منها منذ عام 2014. وبفعل ذلك، يأمل الروس أيضاً في تطويق وتدمير 40000 جندي من عملية القوات المشتركة، وهي نخبة القوات الأوكرانية التي كانت تدافع عن المنطقة منذ بدء الصراع.
وإذا استولت روسيا على دونباس بأكملها، إلى جانب استيلائها المبكر على الساحل الجنوبي الشرقي، فإنَّ موسكو ستشيد بذلك باعتباره انتصاراً رئيسياً. ويمكن أن يكون للهزيمة عواقب وخيمة على أي من الجانبين. بعد أن خسر الكرملين معركة كييف خسارة قاطعة، لا يمكنه تحمل الهزيمة مرة أخرى إذا كان يرغب في مواصلة العملية العسكرية لمصلحته الاستراتيجية. كما لا تستطيع أوكرانيا استيعاب إبادة أفضل قواتها وأكثرها خبرة إذا كانت تريد استعادة الأراضي التي خسرتها.
تقول صحيفة The Times البريطانية، إن الجبهة الأمامية تنخرط الآن في نشاط دائم. ويُصمَّم القصف اليومي لمناطق مثل قرية بيسكي، إحدى ضواحي دونيتسك، لفحص خط أوكرانيا بحثاً عن نقاط الضعف، وقتل الجنود، وإتلاف الدفاعات. وفي مناطق أخرى من دونباس، مثل الجبهات في جنوب بلدة إيزيوم وغرب بلدة بوباسنا، دعم القصف العنيف تقدم الدبابات الروسية. ودفعت أوكرانيا قواتها الأقل تجهيزاً على طول الأراضي المسطحة المكشوفة في سلسلة من البلدات والقرى الشرقية. وقد أدى انسحابها على طول الأراضي المفتوحة إلى خسائر فادحة من قتلى وجرحى من جراء أنظمة المدفعية الروسية بعيدة المدى.
وقلّل كل جانب من حجم خسائره في الصراع بينما بالغ في الخسائر التي ألحقها بالعدو، لكن مسؤولين عسكريين أوكرانيين، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، قالوا لصحيفة The Times إنَّ القصف الروسي في دونباس دمر لواءين من القوات الأوكرانية في غضون ما يزيد قليلاً على أسبوع. وشددوا على أنَّ الخسائر الروسية كانت أعلى من ذلك.
أشار أحد الجنود إلى حادثة واحدة قُتِل فيها العشرات من رفاقه عندما أصيبت القرية التي كانوا فيها. وقال الجندي: "أروني صوراً لصفوف من أكياس الجثث موضوعة في حقل في انتظار أن تجمعها فرق (البضائع 200). دُمِرَت قرية بأكملها في يوم واحد". وفي خطوط أعمق، ضربت الصواريخ الروسية محاور لوجستية وطرق نقل ومستودعات وقود أوكرانية.
"معركة دفاع وجودي عن روسيا ضد الغرب"
من جهته، يقول الجنرال السير ريتشارد بارونز، القائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية للصحيفة البريطانية: "دونباس حاسمة من حيث إنَّ النصر الروسي الشامل هناك لن يجعلها مضطرة للتوقف عند هذا الحد. إذا كان ثمن ذلك الانتصار منخفضاً، فقد يظن الروس أنَّ بإمكانهم أخذ أوديسا أيضاً، أو حتى الزحف إلى ترانسنيستريا لعزل أوكرانيا بالكامل عن البحر الأسود، وهو ما سيكون ثمناً باهظاً على أوكرانيا. دونباس يمكن أن تضع الروس على أرضية ناجحة أو تعيدهم إلى الهزيمة".
وبقدر اصطدام الجيشين، سمحت بداية معركة دونباس لبوتين بإعادة تعريف العملية العسكرية. فقد نقل الرئيس الروسي رواية "نزع النازية" إلى صراع يُعرَض على أنه "دفاع وجودي عن روسيا ضد الغرب"، وصراع مسلح طويل الأمد من المرجح أن يستمر لأشهر وربما سنوات.
وأعادت الولايات المتحدة تحديد أهدافها أيضاً. فهي تريد الآن مساعدة أوكرانيا على استعادة الأراضي التي فقدتها في عام 2014، وقد وسّعت واشنطن استراتيجيتها، كما قال وزير الدفاع لويد أوستن في بولندا، يوم الإثنين 2 أبريل/نيسان، لجعل روسيا "ضعيفة للغاية" بحيث لا تستطيع شن المزيد من العدوان.
وأضاف الجنرال السير ريتشارد بارونز: "أصبحت العملية العسكرية مختلفة تماماً عن الهجوم القصير والحاسم الذي كانت روسيا تنوي خوضه في البداية. ومن الواضح أنه صار صراعاً طويل الأمد الذي تصوره روسيا على أنه صراع وجودي للناطقين بالروسية. وهذا له ترتيب مختلف للسرد والجدية وتوقيت زمني مختلف".
حرب استنزاف
مع وفاة المفاوضات بين الجانبين فعلياً مع اشتداد معركة دونباس، طال عمر العملية العسكرية كثيراً أيضاً. ومع تبلور معركة استنزاف من أجل الأراضي في الشرق، اختفت الفكرة القائلة بأنَّ روسيا يمكن أن تحقق بطريقة ما فوزاً رمزياً سريعاً في الوقت المناسب لاستعراض يوم النصر في 9 مايو/أيار في موسكو. ويتوقع المحللون الآن أنَّ الصراع قد يستمر إلى أجلٍ غير مسمى.
قال الكولونيل ليام كولينز، ضابط القوات الخاصة الأمريكية السابق الذي شغل منصب كبير المستشارين العسكريين الأمريكيين بشأن أوكرانيا بين عامي 2016 و2018: "أرى أنها قد تستمر لأشهر، وربما سنوات. بدأ الصراع في دونباس قبل ثماني سنوات ولم يُحلّ منذ ذلك الحين. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، تدرك أوكرانيا أنها لن تستعيد أية أرض مفقودة في اتفاقية تفاوضية مع روسيا".
وأضاف كولينز: "لذلك لن يستسلم الأوكرانيون. وفي نفس الوقت لن يتمكن الروس من قبول الخسارة. وهم لديهم قدرة هائلة على امتصاص الألم؛ لذلك لا توجد أرضية مشتركة بين الطرفين للوصول لتسوية تفاوضية. من المرجح أن تستمر الحرب لعدة أشهر أو حتى سنوات، وعادةً ما تطول النزاعات لفترة أطول من التوقعات".