على عكس ما كان متوقعاً، حصد الجزء الثالث من مسلسل الاختيار الذي يعرض في رمضان الحالي نتائج عكسية من حيث ردود الفعل، إذ قوبل المسلسل بسخرية واسعة ورفض من قطاعات كبيرة من المشاهدين، وفق تقارير قدمتها أجهزة سيادية للرئيس عبد الفتاح السيسي.
وعلمت "عربي بوست" من مصادر أمنية أن التقارير التي رفعت إلى رئيس الجمهورية، رصدت النتائج السلبية التي حققها المسلسل، أولاها اتهامه بتقديم أحداث الفترة ما بين تعيين السيسي وزيراً للدفاع حتى قيامه بالإطاحة بحكم الإخوان المسلمين من وجهة نظر واحدة تعبر عن النظام الحالي، متجاهلاً أن أغلب مشاهدي المسلسل عايشوا تلك الفترة.
كما رصدت التقارير سخرية المصريين من إسناد دور السيسي في المسلسل إلى الممثل ياسر جلال الذي يفوق الرئيس المصري في الحجم، وهو ما فسره البعض بأن الشؤون المعنوية في الجيش المصري والمخابرات العامة اللتين أشرفتا على إنتاج المسلسل "تخجلان من قصر قامة الرئيس"، على حد تعبير المتابعين.
ردود أفعال سلبية على الاختيار تزعج السيسي
من جهته، كشف مسؤول في جهاز سيادي لـ"عربي بوست" أن التقارير الأمنية التي قُدمت للرئيس تسببت بالفعل في انزعاجه، لأن المسلسل لم يحقق الهدف المرجو منه، ولم يقدم الصورة الذهنية التي كان يرغب في إيصالها للمشاهد.
وحسب مقربين فإن ذلك انعكس خلال كلمته في حفل إفطار الأسرة المصرية يوم الثلاثاء 26 أبريل/نيسان، إذ تطرق الرئيس للحديث عن المسلسل من دون مناسبة واضحة، مشيراً إلى أن الهدف من مسلسل الاختيار، تسجيل ما حدث في تلك المرحلة بشرف وإخلاص وأمانة، على حد تعبيره.
وتابع: "الهدف منه أن نسجل بأمانة وإخلاص وشرف في وقت ينعدم فيه الشرف والصدق.. إحنا بنزايد كتير.. كل كلمة اتقالت في الوقت ده مع الناس الكبار كانت بمنتهى الدقة وده اللي حصل"، مضيفاً أنه لا يوجد تآمر ولا خيانة وعدم إخلاص، "الإخلاص كان لله والوطن ده اللي ميتحملش أكتر من كدا مع الرئيس مرسي، الله يرحمه، لو أنا تآمرت عليه يبقى أنا تآمرت على الوطن وضيعت استقرار 100 مليون".
أبرز الملاحظات السلبية التي تضمنتها التقارير المقدمة للسيسي عن المسلسل
كذلك رصدت التقارير التي قدمت للرئيس المصري- بحسب المصادر الأمنية- انزعاج المسؤولين عن جهاز الأمن الوطني من بعض المشاهد التي تضمنها المسلسل، مثل مشاهد المظاهرات المكثفة ضد الرئيس الراحل محمد مرسي وكذلك المظاهرات المؤيدة له، وكثرة حديث أبطال المسلسل عن ضيق الحال وشعور المواطنين المصريين بالاختناق مما وصلت إليه أحوال البلاد في عصر الرئيس الراحل.
وقالت التقارير إن سبب انزعاج مسؤولي الأمن الوطني ما تم رصده من حالة المقارنة التي قام بها المصريون على وسائل التواصل الاجتماعي بين الأوضاع التي عرضها المسلسل والأوضاع الحالية التي يمنع فيها التظاهر نهائياً.
ويرى مسؤولو الأمن الوطني أن هذه المقارنة تعكس وضعاً مقلقاً أمنياً كونها تعكس حالة الضيق الكبيرة التي يعيشها المواطنون في ظل موجة من الغلاء الفاحش وارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما دفع البعض للندم على المشاركة في المظاهرات التي انتهت بالإطاحة بالرئيس الأسبق في 30 يونيو/حزيران 2013.
كما رصدت التقارير أيضاً سخرية المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي من المجاملات المبالغ فيها في تصوير أداء ضباط الأمن الوطني (كريم عبد العزيز) والمخابرات العامة (أحمد عز) والمخابرات الحربية (أحمد السقا)، وإظهارهم في مظهر الملائكة مقابل شيطنة الشخصيات الإخوانية التي عرضها المسلسل.
فضلاً عن المبالغة في تصوير أداء السيسي وتقديمه في صورة الرجل الذي يتعامل مع الرئيس الراحل وقيادات الإخوان بكل قوة وتحد، وهو أمر غير معقول في نظر المتابعين، خصوصاً أن ما كان يثار في ذلك الوقت هو أن السيسي لم يكن يعترض أمام الرئيس أو يحتد عليه كما ظهر في أكثر من مشهد في المسلسل، بينما كان الممثل صبري فواز الذي جسد شخصية محمد مرسي يكتفي في كل مرة بابتلاع ريقه في صمت.
التسريبات
آخر الملاحظات السلبية التي تضمنتها التقارير الأمنية كانت تخص التسريبات من اجتماعات قيادات الإخوان التي تظهر في نهاية كل حلقة، والمفترض أنها تدين قيادات الجماعة بالتآمر على الدولة المصرية.
لكن التقارير الأمنية رأت أن رد فعل المشاهدين كان سلبياً على تلك التسريبات لعدة أسباب. أولاً لأنه تم تسجيلها وتمريرها لمنتجي المسلسل بمعرفة الجهات الأمنية في مصر، ليتساءل كثيرون عما إذا كانت هناك تصاريح قضائية سمحت لتلك الجهات بتسجيل لقاءات قيادات الإخوان من عدمه، وفي حالة وجود تلك التصاريح فهل من حق تلك الجهات إذاعة ما تم تسجيله في حلقات درامية باعتبار أنها تخص الأمن القومي المصري.
وأخيراً إن أغلب ما تمت إذاعته لم يثبت تآمر الإخوان؛ إذ تضمنت حوارات عادية لقياديين يعملون بالسياسة، على حد قول المشاهدين الذين نقلت التقارير آراءهم.
هذه الملاحظات- على سبيل المثال- لفتت انتباه الممثل المصري عمرو واكد الذي يعيش خارج البلاد بسبب معارضته للسيسي، وكتب ينتقد قيام السيسي- كما قال- بتسجيل جلسات الرئيس الراحل محمد مرسي وإذاعتها معتبراً أن ذلك يثبت خيانته.
مصدر في الشركة المتحدة للإعلام قال لـ"عربي بوست" إن المسلسل تمت مراجعته في كل مراحل صناعته بمعرفة الشؤون المعنوية وجهاز المخابرات، بداية من مرحلة السيناريو والحوار الذي تابع كتابته مسؤولون من الهيئتين.
وأضاف أن التصوير لم يبدأ إلا بعد الحصول على إذن كتابي منهما بالموافقة على السيناريو، مروراً بمرحلة التصوير التي تمت بإشراف كامل ودقيق من مسؤولين في الشؤون المعنوية والمخابرات العامة والحربية، وكذلك الأمن الوطني لمتابعة المشاهد التي تخص كل جهاز من تلك الأجهزة.
كما أن المشاهد التي قدمها الممثل ياسر جلال في المسلسل عُرضت على الرئيس السيسي شخصياً قبل بدء عرض المسلسل لإبداء رأيه، وبالفعل أعيد تصوير بعض المشاهد بعد مراعاة الملاحظات التي أبداها الرئيس عليها.
تعليمات "سيادية" لوسائل الإعلام
وعلمت "عربي بوست" من مصادر صحفية مطلعة أن رؤساء تحرير الصحف القومية، وكذلك المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ومقدمي بعض البرامج التليفزيونية المحسوبين على الأجهزة الأمنية، تلقوا تعليمات مشددة خلال الفترة الماضية بالإشادة بالمسلسل والتأكيد على أن ما عرضه يمثل الوقائع التي حدثت بالفعل دون مبالغة أو تعديل.
يأتي هذا ضمن حملة منظمة تجابه الحملات السلبية ضد المسلسل التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي منذ بدء عرض الحلقة الأولى منه في بداية شهر رمضان.
وصفت صحيفة الأهرام- على سبيل المثال- المسلسل بأنه "وثيقة لن ينساها التاريخ بالنسبة لما مرت به مصر من مؤامرات في السنوات العشر الأخيرة، وكيف تصدى رجال مخلصون لهذه المؤامرات فأجهزوا عليها بمنتهى الذكاء والصدق والوطنية وحب الوطن".
فيما كتب الكاتب الصحفي المعروف حمدي رزق في جريدة "المصري اليوم" يقول إن "تعليقات أعضاء جماعة الإخوان الجاهزة المصنوعة في الأقبية الاستخباراتية.. في مواجهة مسلسل (الاختيار-3)، تستجلب السخرية المُرة من فرط تفاهتهم، وتبرهن على خطورة المسلسل وتأثيره على نفسيات قواعد الجماعة التي باتت في شك عميق في كل المسلمات التي عاشوا يؤمنون بها".
كما تحدث كل من عمرو أديب وأحمد موسى ومحمد الباز ونشأت الديهي عن المسلسل وما تضمنه عن جماعة الإخوان وتآمرها على مصر.
هل تنعكس الانتقادات سلباً على الشركة المنتجة؟
أمام هذه الحقائق بدت تساؤلات عن احتمالية أن تؤدي النتائج العكسية التي حققها المسلسل في توبيخ منتجه تامر مرسي صاحب شركة سينرجي وعضو مجلس إدارة الشركة المتحدة للإعلام حاليا؟! خصوصاً أنه أطيح به من منصبه السابق كرئيس لمجلس إدارة الشركة المتحدة بسبب مشهد ركوع ضابط الشرطة أمام مجرم في مسلسل "نسل الأغراب" الذي عُرض في رمضان من العام الماضي.
لكن ما صرح به مصدر بالشركة حول اطلاع الأجهزة السيادية والرئيس بنفسه على المشاهد يستبعد ذلك.
واحدة من الملاحظات السلبية على المسلسل أنه قدم أبطال المسلسل الثلاثة (السقا وعز وعبد العزيز) الذين يجسدون أدوار ضباط في المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطني باعتبارهم أصدقاء يتبادلون المعلومات والنصائح، وهو أمر مخالف للواقع الذي يعرفه كل من له علاقة بتلك الأجهزة وأن العلاقة بينها هي علاقة تنافس.
سؤال وجهناه للمسؤول في الشركة المتحدة، فأجاب قائلاً إن الشركة المنتجة والسيناريست هاني سرحان أقنعوهم بأن العمل الدرامي يتطلب بعض الخيال وأنه ليس من صالح العمل تصوير الواقع بنفس التفاصيل.
كما أن تقديم أبطال العمل كأصدقاء سيزيد من تعاطف المشاهدين معهم ومن ثم مع الأجهزة السيادية التي يمثلونها، وهذا هو الهدف النهائي من المسلسل.
بالإضافة إلى أن كثيراً من المشاهد التي صورها الممثل السوري جمال سليمان الذي يجسد شخصية عباس كامل رئيس جهاز المخابرات ومدير مكتب السيسي السابق أعيد تصويرها أكثر من مرة، لأنها لم تخرج بالشكل المطلوب بسبب اللكنة السورية لسليمان؛ ما أغضب رئيس جهاز المخابرات عندما شاهد المواد المصورة، وأمر بإعادتها.