برزت محافظة الأنبار الغربية في العراق كعاصمة سياسية جديدة للنخب السياسية السنية التي تتصاعد في الوقت الحالي بالعراق، بعد فترات طويلة من التهميش والانزواء. محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب العراقي، وأحد أهم السياسيين السُّنة حالياً في العراق، لعب أيضاً دوراً هاماً وكبيراً في تحسين أحوال محافظة الأنبار، ودفعها لتتصدر المشهد السياسي السني في البلاد.
في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، تحدثت مصادر سياسية سنية مقربة من الحلبوسي، عن عدم تقبُّل طهران دوره الأخير في المشهد السياسي العراقي، ومحاولات الجمهورية الإسلامية الإيرانية للسيطرة على الحلبوسي بعد بزوغ نجمه عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، وتحالفه مع رجل الدين الشيعي المثير للجدل مقتدى الصدر؛ في محاولة لتهميش حلفاء إيران في العراق.
لكنه فجأة انقلب على حلفائه القدامى، واستطاع اجتياز الانتخابات النيابية الأخيرة بنجاح كبير، وحصل حزبه "تقدم"، على نحو 30 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان العراقي، ووسط الهزيمة الكبرى التي تلقتها الأحزاب الشيعية المقربة من إيران، في العراق، وخسارتها أكثر من نصف مقاعدها في البرلمان مقارنة بالانتخابات النيابية في عام 2018.
اختار الحلبوسي أن يتخلى عن حلفائه الشيعة وطهران، وأن يدخل في التحالف الثلاثي لرجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدر، الذي فاز حزبه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، فقد حصل على 73 مقعداً، ليصبح الفائزَ الأكبر وسط جميع الأحزاب العراقية، إضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، أحد قطبي السياسة الكردية في إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي.
تحالف "إنقاذ وطني"
التحالف الثلاثي لمقتدى الصدر، أو ما يطلق عليه تحالف "إنقاذ وطني"، كما ذكرنا سابقاً يضم التيار الصدري، وتحالف السيادة السني المكون من حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي، وحزب "عزم"، بقيادة رجل الأعمال السني الشهير خميس الخنجر، إضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، كان نتيجة لإصرار مقتدى الصدر على تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، عكس المعتاد فى السياسة العراقية.
فمنذ تأسيس النظام السياسي العراقي الحديث بعد الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2003، اعتاد العراقيون تشكيل حكومات توافقية تضم الأحزاب كافة، التيار الصدري نفسه كان جزءاً لا يتجزأ من الحكومات التوافقية طوال السنوات الـ19 الماضية.
لكنَّ تمسُّكه الأخير بعد فوزه الهائل، بتشكيل حكومة أغلبية، عارضته الأحزاب الشيعية الأخرى المدعومة من إيران، واعتبرته محاولة من الصدر للسيطرة على السياسة الشيعية في البلاد، وإقصائهم من الحكم، مما نتج عنه توقف العملية السياسية ومحاولات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، حتى يومنا هذا، وسط تكهنات بدخول البلاد في أزمة سياسية كبرى.
طهران غاضبة من انقلاب محمد الحلبوسي..
يقول سياسي شيعي بارز في الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست": "طهران غاضبة للغاية من انقلاب الحلبوسي ضدها، وهي التي دعمته بقوة ليصبح رجلها في السياسة السنية العراقية، ولن تقبل بتحالفه مع الصدر من أجل إقصاء حلفائها العراقيين. في رأيي، إن ما فعله الحلبوسي وتحالفه مع الصدر يمكن وصفه بالغباء السياسي المدمر".
تجدر الإشارة هنا إلى أن "الإطار التنسيقي الشيعي" هو منظمة تضم أغلب الأحزاب السياسية الشيعية سواء المقربة من إيران أو المعتدلة، تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2019، على خلفية الاحتجاجات المناهضة للحكومة فى العام نفسه، كان مقتدى الصدر عضواً في الإطار التنسيقي الشيعي، لكنه انسحب من المنظمة قبل الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بأشهر قليلة.
سطام أبو ريشة.. تحت الأنظار الإيرانية
بعد سقوط آخر مدينة يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بالعراق، في أيدى القوات العراقية بمساعدة التحالف الدولي، منذ خمس سنوات، ومع تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد وانخفاض أسعار النفط حينها، كان الأمل ضئيلاً في إعادة إعمار المحافظة العراقية الغربية الأنبار، التي تضررت من ضمن محافظات أخرى بشدة، من جراء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن بمرور السنوات، وإدراكاً لأهمية محافظة الأنبار الغربية، التي تشترك في الحدود مع ثلاث دول عربية (المملكة العربية السعودية، سوريا، الأردن)، استطاع رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، إعادة الأنبار إلى الحياة مرة أخرى.
كنا قد أشرنا في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، إلى الدور الاقتصادي الكبير للحلبوسي في إعادة إعمار محافظة الأنبار، من خلال منصبه كرئيس للبرلمان، ومن قبل توليه المنصب أيضاً، فكانت شركته الهندسية من أهم الشركات التي تعاونت مع الأمريكيين للاستثمار في الأنبار.
نجاح الحلبوسي في إعادة إعمار الأنبار، واستعادة الأمن بشكل كبير بالمحافظة، ساعده على تصاعد شهرته كسياسي سني بارز، وفي هذا الصدد يقول سياسي سني بارز بالأنبار لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "الحلبوسي استطاع الخروج من عباءة السياسيين السُّنة الذين تصدروا المشهد منذ عام 2003، والذين كانوا يشعلون الأزمات الطائفية لضمان نجاحهم في الانتخابات البرلمانية والحفاظ على مناصبهم، استطاع الحلبوسي بنزعته الليبرالية في بعض الأحيان، أن يمد أبناء محافظة الأنبار بكثير من الفرص بعد سنوات من التهميش، كما أنه نجح في جذب الاستثمارات إلى الأنبار".
لكن نجاح الحلبوسي في محافظة الأنبار لم يكن نجاحاً فردياً، بل إنه اعتمد على القوى الإقليمية خاصةً المملكة العربية السعودية، يقول سياسي شيعي بارز لـ"عربي بوست": "وصل الحلبوسي إلى المشهد السياسي بمساعدة الإيرانيين، وعندما أدرك أنهم لن يعطوه إلا حجماً هامشياً، أدار اللعبة بذكاء، وذهب إلى الدول التي لها مصلحة كبيرة في الأنبار وبالتحديد المملكة العربية السعودية".
نجاح الحلبوسي بمحافظة الأنبار، ونجاحه في السيطرة على المشهد السياسي السني في العراق، الذي نتج عنه إزاحة كثير من الوجوه السياسية السنية التي سيطرت على الحياة السياسية لدى العرب السنة بالعراق منذ الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2003، لاقى استحساناً كبيراً من الطائفة السنية العراقية، وساعده على الفوز بعدد كبير من مقاعد البرلمان الحالي، لكنه في الوقت نفسه أثار غضب بعض شباب محافظة الأنبار، خاصة ممن يجد في نفسه أنه جدير بفرصة مماثلة للفرصة التي حصل عليها الحلبوسي منذ سنوات.
سطام أبو ريشة، البالغ من العمر 25 عاماً، واحد ممن أرادوا أن ينافسوا الحلبوسي، وهو نجل الشيخ عبد الستار أبو ريشة، مؤسس قوات الصحوة السنية في العراق، والتي تأسست بعد الغزو الأمريكي بسنوات قليلة، لمواجهة تنظيم القاعدة في العراق. وبمساعدة من الولايات المتحدة، كان الشيخ عبد الستار أبو ريشة، يمتلك قوات سنية مسلحةً قوامها نحو 100 ألف مقاتل، أي ما يوازي تقريباً عدد المقاتلين في الحشد الشعبي العراقي.
كما كان الشيخ عبد الستار أبو ريشة من الشخصيات العراقية القليلة التي اجتمعت بالرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، لكن تنظيم القاعدة اغتاله في عام 2007.
الآن، سطام أبو ريشة، نجل الشيخ عبد الستار أبو ريشة، والذي ينتمي إلى واحدة من أكبر العشائر السنية في محافظة الأنبار، يريد إحياء ميراث والده، ومنافسة الحلبوسي.
سطام أبو ريشة يريد أن يحظى بالشهرة نفسها
في حديثه لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، يقول زعيم عشائري من عائلة أبو ريشة: "خلال السنوات الماضية، وبالتحديد سنوات صعود الحلبوسي كسياسي سني شهير، رغب سطام أبو ريشة في أن يحظى بالشهرة نفسها ويلعب دوراً كبيراً في السياسة السنية العراقية، خاصةً أن ميراث والده يؤهله لذلك، كما أنه يتمتع بعلاقات قوية مع الأمريكان، وفي الوقت نفسه لا يملك أي تواصل كبير مع دول الخليج".
ويضيف المصدر السابق قائلاً: "يرى سطام أن لديه كافة الإمكانات لتولي مهمة سياسية كبيرة مقارنة بالحلبوسي، فلديه السلاح والدعم العشائري، والمال، أينعم لا يملك كثيراً من المال للدخول في استثمارات كبيرة مثل الحلبوسي، لكنه تحدث عن تأمين الدعم المالي من جهات معينة إذا أراد". لم يفصح المصدر عن هوية الجهات المعنية التي من الممكن أن تساعد سطام أبو ريشة مالياً.
رغبة الزعيم السني الشاب، سطام أبو ريشة وتطلعاته السياسية القوية، لفتت أنظار الإيرانيين، الذين كانوا يبحثون عن طريقة لإحكام السيطرة على محمد الحلبوسي الذي خرج من طوعهم في الآونة الأخيرة.
يقول سياسي شيعي عراقي مقرب من طهران لـ"عربي بوست": "الإيرانيون غاضبون للغاية من الحلبوسي، وفي الوقت نفسه حائرون في كيفية التعامل معه بطريقة ناعمة لا تثير المتاعب، لكن ظهور سطام أبو ريشة كان بمثابة حل لحيرة الإيرانيين، أنظارهم بالكامل على الشاب السني الجديد الذي من الممكن أن ينافس الحلبوسي".
الصراع بين الحلبوسي وسطام أبو ريشة
خلال السنوات القليلة الماضية، لم تمثل رغبة الشاب السني سطام أبو ريشة أي تهديد بالنسبة للحلبوسي، بل على ما يبدو تجاهلها بشكل كامل، لكن في الآونة الأخيرة زاد الصراع بين الرجلين، يقول سياسي سني مقرب من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لـ"عربي بوست": "لم يلتفت الحلبوسي في الماضي إلى سطام أبو ريشة، على الرغم من أن سطام استغل كل فرصة لقاء واجتماع مع القادة السنة لانتقاد الحلبوسي والحديث عن رغبته في دخول المشهد السياسي السني، لكن مؤخراً زاد سطام من لهجة انتقاد الحلبوسي، واتهمه بكثير من الاتهامات، منها الرغبة في السيطرة على السنة بالعراق، والسيطرة على الاستثمارات في المحافظات السنية".
وبحسب المصدر السابق، فإن انتقادات أبو ريشة الأخيرة لمحمد الحلبوسي، أثارت حفيظة الأخير، الذي تبادل المناوشات اللفظية مع الزعيم السني الشاب، والتي انتهت بقيام الحلبوسي بإرسال قوة أمنية لاعتقال سطام أبو ريشة بدون أي تهمة واضحة.
مسؤول أمني في محافظة الأنبار، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته؛ نظراً إلى حساسية الموقف، يقول: "إرسال الحلبوسي قوة أمنية لاعتقال سطام أبو ريشة لم يكن له أي سند قانوني، ولا أي تهمة، هو فقط استغلال لمنصبه كرئيس للبرلمان، وعلى الرغم من ذلك، ذهبت القوة الأمنية لاعتقال سطام، على الرغم من تداعيات هذه المسألة الهائلة".
يشير المسئول الأمني إلى أن محاولة الحلبوسي اعتقال سطام أبو ريشة كان من الممكن أن تسبب في كارثة عشائرية هائلة بالأنبار، فيقول لـ"عربي بوست": "كانت الأزمة ستتحول إلى خلاف عشائري يصعب السيطرة عليه، مما يهدد أمن الأنبار بالكامل، لا أدري كيف اتخذ الحلبوسي هذا القرار".
لكن وعلى الرغم من ذلك، لم يتمكن الحلبوسي من اعتقال سطام أبو ريشة، يقول المسؤول الأمني في محافظة الأنبار لـ"عربي بوست": "ذهبت القوة الأمنية لمنزل سطام ثم فوجئت بقوات كتائب حزب الله، كانوا بأعداد كبيرة وسلاح ثقيل، ومنعوا القوة الأمنية من دخول الحي الذي يقطن به سطام، أمرت أنا شخصياً بانسحاب القوات الأمنية من أمام منزل سطام حقناً لسفك الدماء".
كتائب حزب الله التي منعت اعتقال سطام أبو ريشة، واحدة من أهم وأقوى الفصائل المسلحة الشيعية العراقية الموالية لإيران، والتي تعمل تحت مظلة وحدات الحشد الشعبي الذي تأسس في عام 2014، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن لماذا قامت كتائب حزب الله الشيعية بحماية زعيم سني في محافظة الأنبار؟ يقول قائد شبه عسكري بكتائب حزب الله العراقية، لـ"عربي بوست": "الإيرانيون يريدون حماية سطام أبو ريشة من بطش الحلبوسي، روى أنه يمكن المراهنة عليه لتحدي الحلبوسي، في حقيقة الأمر تلقينا أوامر مباشرة من أحد ضباط الحرس الثوري، بحماية سطام أبو ريشة في أي وقت".
طهران تتواصل مع الزعيم السني الشاب
بحسب القائد شبه العسكري في فصيل كتائب حزب الله العراقية، فإن الإيرانيين قد تواصلوا مع الزعيم السني الشاب، سطام أبو ريشة مرتين تقريباً من خلال وسطاء شيعية.
يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "بعث الإيرانيون برسائل عبر وسطاء شيعية إلى سطام أبو ريشة، مفادها أنهم راغبون في دعمه بمواجهة الحلبوسي، كما أنهم ليس لديهم مانع من إمداده بالسلاح والمال لتكوين فصيل مسلح يكون تحت إمرته، كما وعده الإيرانيون بمساعدته في لعب دور سياسي بالأيام المقبلة".
لكن هل وافق أبو ريشة على قبول الدعم الإيراني؟ يقول مصدر مقرب من الزعيم السني الشاب، لـ"عربي بوست": "لم يرفض ولم يقبل إلى الآن، لكن بحكم معرفتي القوية بسطام من الممكن أن يوافق على دعم الإيرانيين له، إنه يريد مواجهة الحلبوسي بأي شكل، هو يملك السلاح ويملك الرجال المستعدين للقتال فعشيرته واحدة من أكبر العشائر السنية بالعراق، لكنه لا يملك الدعم السياسي الذي من الممكن أن توفره له طهران مثلما فعلت مع الحلبوسي في السابق".
وفي ضوء هذه الخلفية، يقول محلل سياسي إيراني مقرب من دوائر صنع القرار بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "عائلة أبو ريشة معروفة بتحالفها وعلاقاتها القوية مع الأمريكان، لكن هذا لن يمنع المسؤولين الإيرانيين من محاولات دعم الشاب سطام، لكن الخوف الآن من انقلاب سطام في المستقبل القريب على الدعم الإيراني مثلما فعل الحلبوسي، لكن يملك المسئولون الإيرانيون حلاً لهذه المشكلة".
أهمية محافظة الأنبار لإيران
تبدو رغبة طهران في دعم سطام أبو ريشة كمنافس للحلبوسي، كأنها نابعة من خروج الأخير عن طاعتها في الآونة الأخيرة، لكن المسألة تحمل أكثر من شق، الشق الأهم بالنسبة لإيران، هو الأهمية الجيوسياسية لمحافظة الأنبار ذات الغالبية السنية.
منذ سنوات وإيران تبحث عن موطئ قدم داخل المحافظة الغربية، التي أصبحت عاصمة السياسية السنية الجديدة، وسط منافسة عالية الدرجة مع دول الخليج وبالتحديد المملكة العربية السعودية.
وهذا لا يعني عدم الوجود الايراني في المحافظة، الحلفاء العراقيون لإيران وبالتحديد الفصائل الشيعية المسلحة الموالية للجمهورية الإسلامية، موجودون بدرجة ما في بعض المناطق بالأنبار، خاصةً أن المحافظة تعد خط الوصل الوحيد الذي يربط إيران بلبنان عن طريق سوريا.
يقول سياسي سني بارز بحافظة الأنبار لـ"عربي بوست": "نحن على علم بالرغبة الإيرانية في السيطرة على الأنبار؛ نظراً إلى أهميتها القصوى بالنسبة لها، لأنها لو تركت المحافظة، فسيتم إنهاء سيطرتها على الوصول إلى لبنان عن طريق سوريا من خلال محافظة الأنبار، في الحقيقة لا يريد أحد من القادة السنة بالوقت الحالي، مواجهة الإيرانيين في هذه المسألة، على الأقل حالياً".
هناك شق آخر غاية في الأهمية بالنسبة لإيران فيما يخص محاولات السيطرة على محافظة الأنبار، وهو امتلاك المحافظة احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
يقول السياسي السني البارز بمحافظة الانبار لـ"عربي بوست": "الحلبوسي تواصَل مع المملكة العربية السعودية؛ للبدء في استخراج الغاز الطبيعي من الأنبار، وهذا الأمر أثار جنون الإيرانيين، الذين استهدفوا أربيل للسبب نفسه".
جدير بالذكر هنا، أن الحرس الثوري الإيراني قام بإطلاق هجمات صاروخية على العاصمة الكردية أربيل في 13 مارس/آذار 2022، بزعم ضرب مقر إسرائيلي داخل المدينة، قالت المصادر الإيرانية حينها لـ"عربي بوست"، أن الهجوم الصاروخي الإيراني استهدف منزلاً يملكه رئيس شركة كار الكردية، باز رؤوف كريم، الذي كان يجتمع حينها مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين؛ للتخطيط لاستخدام الأراضي الكردية لضرب منشآت حيوية داخل إيران.
لكن مصادر أمنية كردية قالت لـ"عربي بوست"، أن "الاستهداف الإيراني لأربيل في 13 مارس/آذار، كان بسبب تحركات باز كريم لاستخراج النفط من الأنبار بمساعدة خليجية".
وبحسب السياسي السني من محافظة الأنبار في حديثه لـ"عربي بوست"، فإن "الحلبوسي بمساعدة الأكراد والسعوديين ينوون استخراج الغاز الطبيعي من محافظة الأنبار وتصديره بشكل مبدئي إلى دول الجوار ومنها الأردن وتركيا".
وفي هذا الصدد، يقول سياسي شيعي عراقي مقرب من الجمهورية الإيرانية الاسلامية، لـ"عربي بوست": "الأنبار والمعابر الحدودية التي تمتلكها، إضافة إلى مسألة الغاز، أهم لدى الإيرانيين من التحالفات السياسية السنية مع الصدر، هذا لا يعني أن المسألة الأخيرة ليست مهمة للإيرانيين، ولكن الرغبة الإيرانية في السيطرة على الأنبار تفوق الخيال".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "الحلبوسي تحدى الرغبات والإرادة الإيرانية وذهب لجلب السعوديين إلى الأنبار، هذا سيعجّل بنهاية مشروعه السياسي إذا استمر في معاندة الإيرانيين، لابد من الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر لكلا الطرفين".
التحدي بالنسبة لمحمد الحلبوسي يبدو هائلاً خاصةً بعد تحالفه مع مقتدى الصدر، وفي هذا الصدد يقول سياسي سني مقرب من الحلبوسي، لـ"عربي بوست": "الحلبوسي يعلم مدى فداحة مواجهة إيران وحلفائها في العراق، إذا قرر الحلبوسي دخول هذه المعركة فمن الممكن أن تكون خسارته كبيرة للغاية، أقلها إنهاء طموحه السياسي والإيرانيون قادرون على ذلك، وفعلوها من قبل مع شخصيات سياسية سنية أخرى، لا أعتقد أن الحلبوسي يريد الدخول في معركةٍ مثل هذه، على الأقل في المستقبل القريب، إنه يريد الحفاظ على مكاسبه السياسية والاقتصادية".