قلَّصت روسيا أعداد المرتزقة السوريين والروس الذين نشرهم الكرملين في ليبيا؛ حيث جرى نقل أكثر من ألف عنصر، في أولى الإشارات إلى أنَّ غزو أوكرانيا يفرض ضغوطاً على عمليات الانتشار الخارجية لموسكو، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة The Financial Times البريطانية، الخميس 28 أبريل/نيسان 2022.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولَين غربيَّين قولهما إنَّه جرى سحب قرابة 200 من المرتزقة الروس التابعين للقوة العسكرية لشركة فاغنر المدعومة من الكرملين، ونحو ألف سوري كانت روسيا قد أرسلتهم بجانب أفراد "فاغنر" إلى ليبيا، في الأسابيع الأخيرة، فيما أكَّد ثلاثة مسؤولين آخرين حدوث هذا التخفيض.
إلى ذلك، أكد مسؤول إقليمي مطلع على عملية الانتشار أنَّه لا يزال هنالك نحو 5 آلاف مرتزق في ليبيا يعملون لصالح موسكو، بينما أكَّد مسؤول ليبي كبير أنَّ روسيا قد سحبت مرتزقة من بلاده، لكنَّه لم يُقدِّم أرقاماً.
خطة سحب المرتزقة
من جانبه، قال عماد الدين بادي، الخبير في الشأن الليبي والزميل الأول بمبادرة الشرق الأوسط التابعة لمركز أبحاث المجلس الأطلسي: "في البداية سُحِب السوريون وليس الأفراد الروس التابعين لفاغنر، وبعد ذلك سُحِبَ أفراد فاغنر أنفسهم"، لافتاً إلى أنه "كان هناك تصاعد (في الانسحابات) مؤخراً خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكنَّ الموجودين الآن من المرتزقة أقل بكثير".
ووفقاً للصحيفة البريطانية، فإن عمليات انتشار المرتزقة الروس في السنوات الأخيرة منحت موسكو موطئ قدم في شمال وغرب إفريقيا.
واستغل الكرملين مشاعر الاستياء واسعة النطاق من القوة الاستعمارية السابقة فرنسا في بلدان، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، من أجل تعزيز نفوذه، ومثَّلت ليبيا مركزاً لعمليات الانتشار في القارة.
لكنَّ تكاليف غزو أوكرانيا بدأت تفرض ضغوطاً على عمليات انتشار موسكو، وتفيد تقارير بأنَّ قرابة 200 من مقاتلي "فاغنر" غادروا جمهورية إفريقيا الوسطى.
وقلَّصت روسيا أهدافها في أوكرانيا بعد تعرُّضها لانتكاسات في ميدان القتال، وتكبَّدت أيضاً خسائر كبيرة، ولو أنَّ عدد الضحايا أكبر بكثير من رقم 1351 الذي يمثل آخر رقم أقرَّت به موسكو في أواخر مارس/آذار الماضي.
أسباب سحب المرتزقة
في السياق ذاته، قال اثنان من المسؤولين الغربيين إنَّ روسيا في البداية لم يكن لديها أي نية لسحب أي من قواتها من ليبيا، لكنَّ القرار جاء عقب فشلها في تحقيق أي مكاسب كبرى في أوكرانيا.
فيما أشار ثلاثة من المسؤولين الغربيين إلى أنَّه جرى سحب مقاتلي "فاغنر" من أجل نشرهم في أوكرانيا، لكن ليس واضحاً ما إن كان سيجري إرسال السوريين أيضاً إلى أوكرانيا أم لا.
من جهته، قال مسؤولو كييف إنَّ مقاتلين سوريين قُتِلوا إلى جانب الروس على الجبهات، لكنَّ مسؤولَين غربيين اثنين قالا إنَّه لا دليل على أنَّه جرى نشر سوريين في أوكرانيا حتى الآن.
ووفقاً لمسؤول تركي وآخر غربي، أغلقت تركيا مجالها الجوي في وجه الرحلات الجوية العسكرية الروسية القادمة من ليبيا وسوريا قبل شهر تقريباً، وذلك في خضم مخاوف بشأن نقل المقاتلين والمعدات إلى أوكرانيا.
إذ قال المسؤول الغربي: "حصلت تركيا على بعض الدلائل التي تشير إلى أنَّ الروس كانوا ينقلون أشخاصاً وربما عتاداً من سوريا وليبيا إلى ميدان المعركة في أوكرانيا"، وأعلنت تركيا الحظر علانيةً السبت الماضي، 23 أبريل/نيسان.
في أواخر 2019، كان الكرملين قد أرسل في البداية بضعة آلاف من المرتزقة السوريين ومرتزقة "فاغنر" إلى ليبيا لمساعدة الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر في محاولته للإطاحة بالحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة بطرابلس.
ويقول المحللون إنَّ عمليات الانسحاب من ليبيا، المنقسمة بين حكومتين، لم تُغيِّر توازن القوى الهش في البلاد؛ حيث قالت كلوديا غازيني، المحللة البارزة بالشأن الليبي لدى مجموعة الأزمات الدولية: "لا يريد أيٌّ من الأطراف الأجنبية الداعمة للجانبين الليبيَّين تعريض الحوار الذي استُئنِف للخطر من أجل شن حرب في ليبيا من أجل الطرف الآخر".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Financial Times البريطانية.