حالة من الذهول لا يزال يعيشها مئات الآلاف من أولياء أمور وطلاب الثانوية العامة في مصر منذ أيام، عقب إعلان وزير التربية والتعليم طارق شوقي عن أحدث مفاجآته المتعلقة بتغيير نظام "الكتاب المفتوح" في امتحانات الثانوية العامة.
ووسط هذه الحالة يدور سؤال كبير حول سر تغيير وزير التعليم موقفه من نظام الامتحانات قبل أقل من شهرين على انطلاقها؟ ليتضح أن الأمر وراءه تدخلات أمنية.
تقارير أمنية حذرت طارق شوقي
علمت "عربي بوست"، من مصادر مطلعة في وزارة التربية والتعليم، أن الوزير اضطر لتغيير قراراته التي أعلنها في وقت سابق بخصوص نظام الامتحانات، بعدما تلقى تقارير أمنية من جهات سيادية.
وحذرت هذه التقارير من أن إقامة الامتحان بنظام الكتاب المفتوح سيؤدي إلى مشكلات جمّة خلال الامتحانات داخل اللجان وخارجها بسبب التوقعات بانتشار حالات الغش الممنهج.
وذكرت التقارير أنه رُصِدت آلاف الحالات لمدرسين خصوصيين وضعوا على هوامش الكتب المدرسية توقعات لأسئلة الامتحان والإجابات النموذجية لها، وهو أمر من شأنه أن يتسبب في أزمة كبيرة، سواء خلال الامتحانات بين الطلاب الذين حصلوا على تلك الهوامش وبين الذين لم يحصلوا عليها، أم خلال التصحيح بافتقاد فكرة العدالة بشكل كلي.
ونصحت تلك التقارير الأمنية الوزير بتعديل وليس تغيير نظام الامتحان، وإلغاء اصطحاب الكتب المدرسية أو التابلت إلى داخل اللجان، مع تعويضها بورقة المفاهيم التي سيعدها بعض خبراء المناهج ممن يشاركون في وضع أسئلة الامتحانات.
وهذا هو السبب الأساسي في تأخير موعد الامتحانات لمدة أسبوعين، حتى يتسنى لهؤلاء الخبراء إعداد ورقة المفاهيم التي ستكون شاملة لمساعدة الطلاب على الإجابة في الامتحان.
قرار الوزير وصدمة الطلاب
وكان وزير التعليم المصري أعلن في مؤتمر صحفي، قبل أيام، عن ضوابط امتحانات الثانوية العامة في مصر للعام الحالي، وتضمنت أبرز الضوابط تأجيل الامتحانات أسبوعين لتبدأ يوم 26 يونيو/حزيران بدلاً من 11 يونيو/حزيران، على أن تنتهي الامتحانات يوم 21 يوليو/تموز.
وتعقد امتحانات الثانوية العامة ورقية والإجابة بنظام "البابل شيت" المتطور، ولن يتم وضع أسئلة مقالية في امتحانات الثانوية العامة، كما سيكون التصحيح بشكل إلكتروني بالكامل، ولن يسمح باصطحاب الكتاب ولا التابلت داخل لجان امتحانات الثانوية العامة منعاً للغش، بل ستوزع ورقة مفاهيم أعدها واضعو الامتحانات لتكون هي فقط المسموح بوجودها في اللجنة.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة التربية والتعليم المصرية، فإن هناك 650 ألف طالب وطالبة تقريباً ملأوا استمارة التقدم لامتحانات الثانوية العامة 2022.
هذا القرار الخاص بتغيير نظام الامتحان تسبب في حالة من الصدمة؛ كون طلاب الثانوية العامة تدربوا بالفعل على نظام اللجوء للكتاب خلال الامتحانات في الصفين الأول والثاني الثانوي، وهو النظام نفسه الذي تسبب في حالات انهيار عصبي ونفسي لمئات الطلاب وأولياء أمورهم حين أصر الوزير نفسه على تطبيقه قبل 3 أعوام.
تعديل نظام الكتاب المفتوح وليس إلغاءه
ونتيجة حالة الغضب من هذه القرارات شهدت وسائل التواصل الاجتماعي ظهور عدد من الهاشتاغات تطالب الوزير والمسؤولين في الدولة بالسماح لهم باصطحاب الكتاب إلى داخل اللجان مثلما وعدوا منذ بداية العام، بل وحتى منذ بداية تطبيق تجربة التابلت والكتاب المفتوح التي بدأها طارق شوقي قبل 3 سنوات.
هذا الغضب دفع الوزير للخروج مجدداً يوم الجمعة 22 أبريل/نيسان لتوضيح أن ما قاله في المؤتمر الصحفي لا يعني إلغاء نظام الكتاب المفتوح مثلما يظن البعض، ولكنه مجرد تعديل بالاستعاضة عن اصطحاب الكتاب المدرسي بورقة المفاهيم التي تعد كتيباً يضم الصور والخرائط والقوانين وكل ما يحتاجه الطالب ويُعَد عن طريق مختصين في كل المواد.
اعتراضات وإشاعات
ولي أمر طالبة تستعد لخوض امتحان الثانوية العامة هذا العام، أوضح لـ"عربي بوست" سبب اعتراضه على تغيير نظام الامتحان، فقال: إن مشكلته تتلخص في أمرين: أولهما أن وزير التعليم، مع كل الاحترام لشخصه، "كذاب"، يقول الشيء ويفعل ضده، وبالتالي لا يصلح للاستمرار في منصبه مسؤولاً في الدولة من وجهة نظري. على حد تعبيره.
أما الأمر الثاني فهو عدم جواز تغيير نظام الموسم الدراسي قبل نهايته بشهرين، خصوصاً أن كل تصريحات الوزير، منذ بداية العام الدراسي وخلاله، كانت تؤكد أن امتحانات الثانوية العامة ستعقد هذا العام بنظام الكتاب المفتوح.
وأضاف إنه إذا كانت هناك ظروف اضطرارية استدعت قيام الوزير بتغيير النظام المتفق عليه والمعلن عنه، فكان عليه أن يخرج للرأي العام ويوضح تلك الأسباب بشفافية، بدلاً من الاستمرار في اتخاذ القرارات "الفوقية"، وكأن الملايين من أولياء الأمور ليس لهم وزن عند الوزير. على حد قوله.
من جهته علق الإعلامي إبراهيم منيسى على قرار الوزير الأخير بخصوص الامتحانات، معترضاً على طريقة عمل الوزير، رغم أنه كان من ضمن المؤيدين له ولسياساته.
جدير بالذكر أن نظام امتحانات الكتاب المفتوح بدأ تطبيقه في مصر في العام الدراسي 2018/2019، وعُمِّم على طلاب الصف الأول الثانوي في ذلك العام، وتسبب في بداية تطبيقه في أزمات عديدة بسبب عدم استيعاب الطلاب للنظام الجديد وقتها، خصوصاً بسبب ارتباطه بالتابلت الذي وُزِّع على الطلاب وكان يحوي مضمون الكتب الدراسية، تمهيداً لإلغاء الكتب المطبوعة من المدارس.
وكان يفترض أن يقوم الطلاب بالإجابة عن أسئلة الامتحانات عبر التابلت، لكن نظراً لوجود مشكلات في البنية الإلكترونية في العديد من المدارس العامة، خصوصاً في المناطق الريفية، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي توجيهاً العام الماضي لوزير التعليم بإتاحة الفرصة أمام الطلاب لأداء امتحانات الثانوية العامة ورقياً، لمن يرغب، إلى جانب التابلت.
ويختلف نظام امتحانات الكتاب المفتوح عن الامتحانات التقليدية أنه في امتحانات الكتاب المفتوح، يُسمح للطلاب بإحضار كتبهم المدرسية أو ملاحظاتهم أو مواد مرجعية أخرى إلى قاعة الامتحانات. ويمكن للمعلمين أيضاً تعيين مجموعة قياسية من المواد التعليمية، أو مجموعة قياسية من أسئلة الاختبار لطلابهم قبل الامتحان، بحيث يمكن للطلاب التحضير مقدماً باستخدام الموارد المخصصة.
تشكيك في اعتماد التصحيح الإلكتروني
مسؤول بوزارة التربية والتعليم كشف في اتصال هاتفي مع "عربي بوست" قصة تغيير الوزير لرأيه الذي أعلنه في بداية العام الدراسي الحالي حول اعتماد نظام الكتاب المفتوح في امتحانات الثانوية العامة، فقال: إن الوزير يفاجئ كبار مساعديه في كثير من الأحيان بقراراته غير المبررة.
وكشف المسؤول أن الموقف حتى بداية شهر مارس/آذار الماضي، أي قبل شهرين فقط من الآن، كان التوجه لعقد الامتحانات بنظام الكتاب المفتوح، وصدرت تعليمات للمسؤولين في الوزارة بإرسال خطابات لمديريات التعليم المختلفة على مستوى الجمهورية بترشيح مدرسين للانضمام للجان تقدير الدرجات مثلما هي العادة في امتحانات الثانوية العامة.
وأضاف أنه كان هذا الأمر يعني بالنسبة لنا، المسؤولين في الوزارة، أن التوجه هو بوجود أسئلة مقالية بجانب أسئلة الاختيارات المتعددة، والجمع في تصحيح الامتحانات بين التصحيح البشري والإلكتروني، مع اعتماد أداء الطلاب للامتحان بنظام الكتاب المفتوح، الذي يعني حق الطلاب في اصطحاب الكتب المدرسية أو التابلت إلى داخل لجان الامتحانات.
لكن الوزير، بحسب المسؤول، فاجأهم في مؤتمره الصحفي يوم 20 أبريل/نيسان بالإعلان عن تغيير نظام الامتحان وإلغاء طريقة الكتاب المفتوح، مع الاكتفاء بما يسمى ورقة المفاهيم، وإلغاء الأسئلة المقالية والاكتفاء فقط بأسئلة الاختيارات المتعددة، على أن يكون التصحيح إلكترونياً بالكامل.
وأعرب عن رفضه لما قام به الوزير مهما كانت المبررات؛ لأن ذلك ببساطة يعني أن الوزارة أخلت بالعقد الذي اتفقت عليه مع الطلاب وأولياء الأمور؛ لأن ما جرى التعامل به مع هؤلاء الطلاب أنفسهم، خلال دراستهم في الصفين الأول والثاني الثانوي في الامتحانات ونظامها، يمثل عقداً بين الوزارة و الطلاب، ولا يجوز تغييره الآن إلا بموافقة الطالب؛ لأن العقد شريعة المتعاقدين.
قرارات مفاجأة
عضو بإحدى لجان وزارة التربية والتعليم قال لـ"عربي بوست": إن الوزير اعتاد منذ يومه الأول في منصبه على التجريب دون حساب للعواقب ولا لتحذيرات اللجان المتخصصة في الوزارة، التي تملك المعلومات والبيانات التي تمكنها من تقييم الأمور بشكل دقيق.
وأضاف: "لكن هذا الأمر لا يتفق مع شخصية الوزير، الذي يؤدي عمله دون اعتبار لملاحظات معاونيه ولا اعتراضات أولياء الأمور، ودون خوف من ردود الأفعال؛ لأنه كما يقول دائماً للمقربين منه، مسنود من الجهات السيادية". على حد قوله.
وأوضح أن الوزير يتفاخر بأن له علاقات مع مسؤولين كبار في جهة سيادية يقومون بحمايته ويتحدثون عنه بالخير أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأن ما يقوم به يمثل تطويراً حقيقياً للتعليم، دون أن يكلف هؤلاء المسؤولون أنفسهم بتقييم تجربته وماذا قدمت للتعليم في مصر!
وأضاف العضو أن ما فعله طارق شوقي مؤخراً بتغيير نظام الامتحانات، الذي اعتمده هو نفسه طوال 4 أعوام، ليس جديداً؛ حيث تكرر أكثر من مرة في السابق أن يعلن عن نظام تعليمي ما ثم يتراجع عنه بعد مدة لتجريب نظام تعليمي آخر.
وهناك اعتقاد لدى العاملين في الوزارة بأن الوزير لا يملك استراتيجية حقيقية لتطوير التعليم، لكنه يقوم بالتجريب على حساب أعصاب الطلاب وأولياء أمورهم. بحسب المسؤول.
مافيا الدروس الخصوصية وراء الحرب المستمرة على وزير التعليم
في المقابل أبدى مستشار بوزارة التعليم المصرية دهشته في تصريح لـ"عربي بوست" من الضجة التي وصفها بـ"المفتعلة" تجاه تصريحات وزير التعليم حول امتحانات الثانوية العامة، قائلاً: إن ما تابعه من ردود الأفعال يصور الأمر وكأن الوزير خان الطلاب، وأن أحداً من الغاضبين لم يكلف نفسه الاستماع لما يقوله الوزير بهدوء ودون انفعال؛ ليكتشف أن الرجل لا يزال ملتزماً بما قاله في بداية الموسم.
وعن تفسيره لذلك أضاف المستشار: "الوزير قال في بداية الموسم الدراسي: إن الامتحانات ستقام بنظام الكتاب المفتوح، وإن الطلاب ليس عليهم الحفظ ولكن الفهم، وهو لم يغير ذلك، ولكن ما تغير فقط هو تفصيلة صغيرة تتعلق بما يمكن للطالب أن يصطحبه معه داخل لجنة الامتحان، هل هو الكتاب المدرسي أم التابلت أم ورقة تفصيلية تتضمن كل ما يحتاجه الطالب من معلومات لمساعدته على فهم الأسئلة وحلها".
وتساءل: "هل هذا التعديل يحتاج كل ذلك الغضب والصياح والمطالبات بإقالة الوزير؟". مضيفاً أن هناك حملات منظمة ضد طارق شوقي منذ سنوات لأنه أول وزير للتعليم في مصر يتصدى لمافيا الدروس الخصوصية التي باتت في العشرين عاماً الماضية كنزاً بالنسبة لبعض المدرسين الذين يجنون من خلالها عشرات الملايين سنوياً.
وأوضح أنه من المنطقي أن يجتمع هؤلاء في إعلان الحرب على الوزير الذي يسعى من خلال نظام التعليم الذي يتبناه، وهو بالمناسبة نظام معمول به في دول الغرب المتقدمة، إلى تفكيك مافيا الدروس الخصوصية. حسب قوله.