كشف مصدر أمني مطلع لـ"عربي بوست" الأسباب الحقيقية وراء استجابة إدارة فندق "توليب"، التابع للقوات المسلحة المصرية، لدعوات منع استضافة مهرجان الموسيقى الإسرائيلي الذي تنظمه شركة إسرائيلية بمناسبة عيد الفصح اليهودي.
وكانت حالة من الغضب شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب إعلان شركتين إسرائيليتين تنظيم مهرجاني We grounded وNabia festival الموسيقيين في مدينتي طابا ونويبع في سيناء، في الفترة بين 17 و23 أبريل/نيسان الجاري.
ورغم أن الدعاية لمهرجاني "نابيا" و"غراوند" الموسيقيين، بدأت منذ مارس/آذار الماضي، وكان من الممكن أن يمر الأمر دون أن يلتفت أحد إليه، لكن الفرع المصري لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) دشن حملة عبر حسابه الرسمي لمنع هذه الاحتفالات على الأراضي المصرية، داعياً إلى مقاطعة فندق "توليب" الذي كان مقرراً أن يستضيف مهرجان "نابيا".
وأعلنت الحملة عن تحقيق ما وصفته بـ"انتصار جديد" بعد تراجع أحد الفنادق الحكومية الشهيرة بسيناء عن استضافة مهرجان موسيقي إسرائيلي.
وأوضح المصدر الأمني أن المسؤولين عن الفندق كانوا بالفعل سيستضيفون المهرجان وروّاده، لكنهم لم يتوقعوا إثارة تلك الضجة في ضوء تحسن العلاقات المصرية الإسرائيلية.
الأسباب الحقيقية وراء تراجع الفندق
وأوضح المصدر الأمني أن المسؤولين المصريين فضلوا الاستجابة لتلك الحملات، بهدف "تخفيض جرعة الإسرائيليات" (يقصد تخفيف كم الأخبار المتعلق بالتعاون بين مصر وإسرائيل) تجاه الشعب المحتقن أساساً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
وأشار إلى وجود عدة عوامل تضافرت معاً لتظهر كأنها جرعة كبيرة من الأخبار المرتبطة بإسرائيل، على رأسها قيام وفد مصري برئاسة محمود السيسي نجل الرئيس المصري إلى تل أبيب.
أضف إلى هذا -بحسب المصدر- الخبر المتعلق ببدء أول خط طيران مباشر بين تل أبيب وشرم الشيخ، يوم 17 أبريل/نيسان، بالتزامن مع بدء الحفلات الإسرائيلية في سيناء. فقد أقلعت أول رحلة طيران إسرائيلية مباشرة تابعة لشركة "العال" إلى مطار شرم الشيخ الدولي في مصر.
يأتي هذا بعد افتتاح شركة مصر للطيران، يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول، خطاً مباشراً بين القاهرة وتل أبيب. قبل ذلك كانت الرحلات الجوية الوحيدة بين مطار بن غوريون ومطار القاهرة الدولي تديرها شركة طيران سيناء، وهي شركة تابعة لمصر للطيران، وتم تشغيل الرحلات في طائرات بدون علامات مميزة، بدون العلم المصري.
وبحسب المصدر، فإن تزامن المهرجانات الإسرائيلية مع عيد تحرير سيناء، يمكن أن يعد بالفعل استفزازاً لمشاعر المصريين. أضف إلى هذا تزامُن هذه المهرجانات مع الأحداث المشتعلة في القدس والاقتحامات المتكررة لقوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى، ما يمثل ضغطاً إضافياً.
التراجع.. جزئياً
من هنا، اتخذ المسؤولون المصريون قراراً بإلغاء استضافة المهرجان في فندق "توليب"، لكن الفندق أمسك بالعصا من المنتصف؛ كي لا يتكبد المزيد من الخسائر، حيث أعطى الإسرائيليين الذين حجزوا فيه بالفعل خيار الاحتفاظ بالإقامة الكاملة وتقديم وجبتين وتوفير باصات لنقل النزلاء من وإلى مكان الحفل، وتقديم ليلة مجانية من الفندق اعتذاراً عن نقل مكان الحفل.
ونشرت شركة "نابيا" بياناً باللغة العبرية، السبت الماضي، قالت فيه: "لن يكون المهرجان قادراً على الانطلاق في الفندق الذي كان مقرراً مسبقاً، وإن المنظمين تلقوا اتصالاً ليلة الجمعة من صاحب الفندق، قال فيه إنه لن يكون بمقدوره استضافة المهرجان، بسبب الضغط الذي مارسته منظمة BDS".
وقالت الشركة الإسرائيلية المنظمة إنها ستضطر لنقل الحدث إلى مكان آخر يبعد 45 دقيقة عن مكان الفندق، الذي كان أعد للمهرجان، وذكرت أن حاملي البطاقات المخصصة للمهرجان سيكون بإمكانهم الاستفادة من خدمات الفندق.
وذكرت في بيانها أنهم قيل لهم إن الموقع الجديد معتمد تماماً من قبل السلطات، وإننا سعداء جداً للسماح لنا بإقامة المهرجان هناك". وانتقل المهرجان بالفعل بالقرب من الحدود المصرية الإسرائيلية، وتحديداً في سيناء بيتش كلوب" في منتجع نادي نويبع.
هنا، يشير مصدر مطلع في الحكومة المصرية أن فكرة إلغاء المهرجان لم تكن أبداً واردة، لكن المسؤولين أرادوا فقط تهدئة الأجواء، بعدما تفاجأوا بتلك الحملة الكبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح المصدر أن هذين المهرجانين تم الاتفاق عليهما بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى مصر، في مارس/آذار 2021، موضحاً أن مثل هذه الفعاليات يمكن أن تتكرر مستقبلاً بشكل طبيعي.
وأشار المصدر إلى أن هذا يأتي في إطار رؤية الحكومة لجعل فكرة التعامل مع الإسرائيليين بكافة الأشكال أمراً طبيعياً بالنسبة للمواطن المصري.
الكيل بمكيالين
لم يلق تَغْيير مكان المهرجان ترحيباً من جانب منظمة BDS، لأن الاعتراض كان على مبدأ إقامة مهرجان إسرائيلي على أرض سيناء المصرية، ولم يكن على الفندق الذي سيقام فيه المهرجان، وطالبوا بإلغاء الحفل كاملاً وعدم إعطاء تصريح بإقامته على أي أرض مصرية.
يتعجب البعض من سياسة الكيل بمكيالين، في إشارة إلى واقعة الممثل المصري محمد رمضان عندما انتشرت صورة له مع مغنٍّ إسرائيلي أثناء وجوده في حفل خاص، ما تسبَّب له في هجوم شديد، لدرجة المطالبة بشطبه من نقابة الممثلين.
وأصدرت حملة مقاطعة إسرائيل في مصر بياناً جاء فيه: "نرحّب بإصغاء الفندق لصوت الجماهير المصرية بإلغائه النشاط التطبيعي الصارخ الذي أهان شعبنا، ندعوه لعدم قبول هذه الأنشطة التطبيعية مستقبلاً".
وكشفت حملة المقاطعة أنه منذ استجابة فندق "توليب" لمطلبهم وإلغائه حجز المهرجان الإسرائيلي، اشتعل غضب منظمي المهرجان، ووصلتهم العديد من الرسائل والتعليقات التي تتوعّد بالعودة إلى سيناء.
وجددت الحملة النداء لجميع الفنادق والأماكن المستضيفة للمهرجان الإسرائيلي في مدينة نويبع بمحافظة جنوب سيناء المصرية، إلى سحب استضافتها.
المهرجان الإسرائيلي.. وعيد الفصح
وتحت شعار "سيناء تنتظرنا" بدأ مهرجان "نابيا" الموسيقي يوم 17 أبريل/نيسان، والذي يستمر لمدة ثلاثة أيام، بمناسبة عيد الفصح اليهودي. ويليه مهرجان Grounded Festival في الفترة بين 20 و23 أبريل/نيسان 2022.
الهدف المعلن من إقامة هذه المهرجانات على أرض سيناء -كما يصرح القائمون عليه- هو الرغبة في جذب الشباب الإسرائيليين للسفر إلى مصر لقضاء عطلة عيد الفصح اليهودي.
إلا أن العنوان الذي اختاره المنظمون "سيناء تنتظرنا" اعتبره البعض رسالة مقصودة من الجانب الإسرائيلي، مفادها أن آلاف الإسرائيليين والعديد من يهود العالم يعودون لأرض الميعاد مرة أخرى، بعد تِيههم في الأرض، وليتذكروا خروج بني إسرائيل من مصر أيام "فرعون".
يقول محمد السيد، أستاذ الدراسات الإسرائيلية لـ"عربي بوست"، إن عيد الفصح هو أحد الأعياد الرئيسية في اليهودية، ويحتفل به لمدة سبعة أيام طبقاً للتقويم اليهودي. وتأتي احتفالات هذا العام بداية من يوم 15 أبريل/نيسان.
وأشار إلى أن الغرض من الاحتفال هو إحياء ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر، حسب الرواية التوراتية، حيث اختار المنظمون للمهرجان إقامة الاحتفالات في طابا ونويبع.
وعن المكان الذي سيقام فيه المهرجان، أشار السيد إلى أنه بالقرب من الحدود المصرية الإسرائيلية في سينا بيتش كلوب في منتجع نادي نويبع، كما يقدم المنظمون باقات خاصة للمشاركة مع الإقامة في منتجع تايم كورال، موضحاً أن Grounded Festival كانت له نسخ سابقة أقيمت عام 2019 في إيلات، مقابل الحدود مع طابا المصرية.
وتعد تلك هي المرة الأولى التي يقام فيها احتفال مهرجان "نابيا" على اسم الشركة المنظمة له على الأراضي المصرية. وروجت كلتا الشركتين للاحتفالات بطريقتها الخاصة، فاحتفالية "نابيا" يصفها القائمون عليها بأنها تجربة مختلفة تحت تأثير "مخدر"، ويشارك بالاحتفال ما يقرب من 45 موسيقياً يحملون جنسيات أجنبية معظمهم من الإسرائيليين، مقابل تذكرة ثمنها 278 دولاراً، أو 525 دولاراً.
إما شركة We Grounded، فقد روجت هي الأخرى لمهرجانها Grounded Festival عبر استخدام صورة قلعة صلاح الدين في طابا، التي يعتقدون أنها كانت نقطة عبور اليهود من مصر إلى أرض كنعان (فلسطين).
وصرح القائمون على المهرجانين بأنهما حصلا على التراخيص من جميع الهيئات في مصر، فضلاً عن حمايتهما من قبل شركة أمنية خاصة، برفقة مديري أمن إسرائيليين، يعبرون الحدود مع الفرق المشاركة.
ليست المرة الأولى فهناك "حشماليكو" أيضاً
محمد يسري، باحث بوحدة الدراسات الإسرائيلية بأحد المراكز البحثية، ذكر لـ"عربي بوست" أن هذين المهرجانين ليسا أول تجربة لإقامة حفلات إسرائيلية في سيناء.
فقد نظمت مجموعة إسرائيلية متخصصة في الموسيقى الإلكترونية مهرجاناً آخر مشابهاً، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019.
كما نظمت مجموعة من منسقي الموسيقى الإسرائيليين، في 10 أبريل/نيسان عام 2020، مهرجاناً باسم "حشماليكو"، (من كلمة حشمال العبرية وتعني كهرباء)، على مدى أربعة أيام في سيناء، خلال عطلة عيد الفصح بمشاركة موسيقيين إسرائيليين وعرب، وشارك فيها إيرانيون وسوريون ولبنانيون وموسيقيون من دول أخرى.
وجاءت فكرة هذا المهرجان كجزء من حفلات يهود على شواطئ بلدة الشيخ مونّس المهجرة وشواطئ مدينة يافا، بعدما خسر هؤلاء أحد أصدقائهم الذي كان يقيم حفلة في منزله فسقط عن علو، ومات إثر ذلك.
وبعد مرور شهرين من الحادث، قرّر أصدقاؤه الإسرائيليون تنظيم سلسلة من الحفلات لتخليد ذكراه، وقد لاقت رواجاً هائلاً، فقرروا بعد ذلك إطلاق اسم "حشماليكو" على مجموعتهم.
بعد ذلك اتخذ المنظمون للاحتفالات قراراً باستثمار نجاحهم والتوسع في إقامتها ووقع الاختيار على سيناء لتكون مكاناً لـ"حشماليكو"، وقاموا بتوجيه دعوات لموسيقيين من العالم العربي للمشاركة في المهرجان، وصرح المنظّم وقتها بـ"التواصل مع الفنانين العرب، الذين أتى معظمهم من دول ليست لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل".
سور شرم الشيخ العظيم لحماية السياح الإسرائيليين
عضو بالغرفة السياحية قال لـ"عربي بوست" إن المهرجانين يعدان من السياحة الترفيهية، متسائلاً عن سبب كل هذه الضجة، وما الهدف من تحويل الحدث لأزمة سياسية.
وأشار إلى أن السياحة الإسرائيلية لمصر تتركز في شبه جزيرة سيناء، بسبب انخفاض تكلفة الرحلات وما تستأثر به سيناء من منتجعات ساحلية وبأسعار تنافسية مقارنة بأسعار منتجعات إيلات. ويستأجر السياح منازل وغرفاً مجهزة في مناطق مثل دهب ونويبع وطابا، إضافة إلى فنادق شرم الشيخ.
وتشير الإحصائيات إلى أنه في عام 2018، زار سيناء ما يقرب من 390 ألف إسرائيلي، وزاد العدد عام 2019، في شهر يونيو/حزيران، بأكثر من 50 ألفاً آخرين احتفالاً بعيد "الأسابيع" العبري.
وقبل ظهور جائحة كوفيد-19، تجاوزت أعدادهم 700 ألف سائح إسرائيلي، وفقاً للسفارة الإسرائيلية في القاهرة.
يستكمل العضو حديثه بأنه كانت هناك جهود مصرية حثيثة للتراجع عن تصنيف سيناء كمكان خطرٍ على السياح الإسرائيليين، وقامت بتدابير أمنية للحفاظ على أمنهم، وقامت الحكومة ببناء سور حول شرم الشيخ من الخرسانة والأسلاك بطول 36 كيلومتراً لحماية السياح الإسرائيليين، ضمن ترتيبات أمنية لزيادة الأعداد بعد الضربة التي تلقاها القطاع بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير/شباط الماضي، والتي أوقفت توافد السياح من البلدين، بعد أن كانوا يمثلون ثلث إجمالي عدد السياح سنوياً.
وأشار إلى أن فنادق سيناء تشهد حالة من الخمول، لذلك رحبت باستضافة المهرجانات الإسرائيلية، وليس معنى ذلك أن إسرائيل عادت لتحتل سيناء، فهذه "خزعبلات لا توجد إلا في عقل من يطلقها"، على حد قوله.
وأضاف أنه إذا كان هؤلاء لديهم حلول أخرى لتنشيط السياحة فعلى الرحب والسعة، مناشداً كل من يريد مقاطعة السائحين الإسرائيليين تعويض خسائر الفنادق على مدار السنوات الماضية والقادمة.
ولفت إلى أن سيناء وجهة سياحية عالمية، تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم، ولا تقتصر على إسرائيل، فضلاً عن أن العلاقات المصرية الإسرائيلية جيدة على المستويين السياسي والاقتصادي.